بكر رضي الله عنه كان يدعو ويقول: «اللهم إني أسألك عهدك ووعدك» ثم خرج وعليه الدرع يحرض الناس ويقول (سيهزم الجمع ويولون الدبر) ولعلّ الله تعالى أراه مصارعهم في منامه، فقد كان يقول حين ورد ماء بدر «والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم» وهو يومئ إلى الأرض ويقول: هذا مصرع فلان، هذا مصرع فلان، فتسامعت قريش بما أوحى إلى رسول الله ﷺ من أمر يوم بدر وما أرى في منامه من مصارعهم، فكانوا يضحكون ويستسخرون ويستعجلون به استهزاء وحين سمعوا بقوله: (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) [الدخان: ٤٣ - ٤٤]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهو يومئ إلى الأرض، ويقول: هذا مصرع فلان). روى مسلمٌ وأبو داود، عن أنسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا مصرعُ فلان"، ويضعُ يده على الأرض هاهنا وهاهنا. قال: فما ماط ادهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ماط، أي: بعُدَ وذهب.
قوله: (فتسامعت)، هو متصلٌ بقوله: "ولعل الله" وما عُطف عليه من قوله: "وحين تزاحف الفريقان" بدليل قوله من أمر بدرٍ، وما أُري في منامه، والمعطوف والمعطوف عليه تفسيران لقوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ)، ولقوله: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ)، "وجعلوها سخرية": عاملُ" حين سمعوا"، وهو تأويل لقوله: (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ).
وأما قوله: "حين تزاحف"، فظرفٌ لقوله: "يدعو ويقولُ"، كما أن قوله: "حين ورد ماء بدر": ظرفُ "يقول"، أي: كان يدعو ويقول حين تزاحف الفريقان: اللهم إني أسألك، وقد كان حين ورد ماء بدر: والله لكأني انظرُ، وإنما جمع المعنيين في قرانٍ واحدٍ وأفرز الثالث لاتحاد قصتهما واختلاف الثالث، فقوله: "وحين سمعوا" عطفٌ على جملة قوله: "حين تزاحف الفريقان" مع ما عُطف عليه، وهو قوله: "ولعل الله"، ثم إنه لخص المعاني الثلاث في قوله: "والمعنى أن الآيات إنما نُرسل بها تخويفاً للعباد" إلى آخره.


الصفحة التالية
Icon