جعلوها سخرية وقالوا: إن محمدا يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة، ثم يقول ينبت فيها الشجر. وما قدر الله حق قدره من قال ذلك، وما أنكروا أن يجعل الله الشجرة من جنس لا تأكله النار! فهذا وبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك تتخذ منه مناديل، إذا اتسخت طرحت في النار فذهب الوسخ وبقي المنديل سالما لا تعمل فيه النار. وترى النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد الحمر كالجمر بإحماء النار فلا تضرها، ثم أقرب من ذلك أنه خلق في كل شجرة نارا فلا تحرقها، فما أنكروا أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها. والمعنى: أنّ الآيات إنما يرسل بها تخويفا للعباد، وهؤلاء قد خوفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر. فما كان ما أَرَيْناكَ منه في منامك بعد الوحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وما قدر الله حق قدره من قال ذلك)، "مَن": فاعلُ "قدروا". الانتصاف: العمدة في ذلك أن النار لا تؤثر إحراقاً، إلا أن الله تعالى أجرى العادة أن يخلُقَ الإحراق عقيب ملاقاتها بعض الأجسام.
قوله: (وما أنكروا)، قيل: "ما" يجوز أن يكون منصوباً على أنه مفعولٌ مطلق، أي: أي إنكار أنكروا؟ و"ما" استفهامية إنكارية. ويجوز أن تكون شرطية، والجزاء قوله: "فهذا وبرُ السمندل"، على طريق الإخبار والإنكار لقوله تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ) [النحل: ٥٣]، والمعنى متصلٌ بقوله: "ثم أقربُ من ذلك" أي: أقرب مما ذكرنا، أنه خلق في كل شجرة ناراً فلا تحرقها، وهم يشاهدونها، فأي إنكارٍ أنكروا هذا؟
قوله: (في كل شجرة ناراً)، وفي المثل: في كل شجر نار، واستمجد المرخُ والعفار، شبههما بمن يُكثر العطاء طلباً للمجد؛ لأنهم يُسرعان الوري، خلاف سائر الأشجار.


الصفحة التالية
Icon