إليك إِلَّا فِتْنَةً لهم حيث اتخذوه سخريا وخوّفوا بعذاب الآخرة وشجرة الزقوم فما أثر فيهم، ثم قال فيهم (وَنُخَوِّفُهُمْ) أي نخوفهم بمخاوف الدنيا والآخرة فَما (يَزِيدُهُمْ) التخويف إِلَّا (طُغْيانًا كَبِيرًا) فكيف يخاف قوم هذه خالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات. وقيل: الرؤيا هي الإسراء، وبه تعلق من يقول: كان الإسراء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وخوفوا بعذاب الآخرة): عطفٌ على قوله: "وقد خوفوا بعذاب الدنيا". والفاء في: "فما أثر فيهم" هي الفاء في قوله تعالى: (فَمَا يَزِيدُهُمْ)، والتخويف بعذاب الدنيا حصل من شيئين: من الوحي بإحاطة الناس، ومن الرؤيا التي أراها في مصارع القوم، والتخويف بعذاب الآخرة حصل من إنزال شجرة الزقوم في القرآن، ولذلك جعل المصنف عطف قوله: (وَمَا جَعَلْنَا) على (وَإِذْ قُلْنَا) بمنزلة شيء واحد، وأتى بالفاء، حيث قال: "فما كان ما أريناك منه في منامك بعد الوحي إليك (إِلاَّ فِتْنَةً) ".
قوله: (فكيف يُجاب قومٌ) بالجيم والباء، وفي أكثر النسخ: "يخاف"، بالخاء والفاء، وفيه إيماءٌ إلى اتصال قوله تعالى: (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً) بقوله: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ)، يعني: ما تركنا إرسال تلك الآيات التي اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهباً وإحياء الموتى وغيرها إلا لنزول عذاب الاستئصال، وقد عزمنا تأخير أمرهم. ثم قال: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) أي: وما نُرسل بآيات القرآن إلا تخويفاً وإنذاراً مما نزل بالأولين كعاد وثمود وفرعون من الاستئصال بسبب اقتراحهم على أنبيائهم لينزجروا ويعتبروا وتخويفاً مما حل بهؤلاء يوم بدر، وما يحل بهم يوم القيامة من أكل الشجرة الملعونة ليتعظوا، فما يزيدهم كل ذلك إلا طغياناً، فإذا كان الأمر على هذا فكيف يُجابوا إلى ما اقترحوا بإرسال الآيات، فوضع موضع ضمير يُجابوا قومٌ هذه حالهم، إيذاناً بأنهم قوم معاندة مكابرة، أو يقال: كيف يجابون بإرسال ما يقترحون من الآيات، وإنها كالطليعة المقدمة لعذاب الآجل، وقد خوفوا هذه التخويفات فما اتعظوا والله أعلم.