لم كرمته علي وأنا خير منه؟ فاختصر الكلام بحذف ذلك، ثم ابتدأ فقال (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ) واللام موطئة للقسم المحذوف (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) لأستأصلتهم بالإغواء، من احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلا، وهو من الحنك. ومنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لم كرمته عليَّ وأنا خيرٌ منه؟ فاختصر الكلام بحذف ذلك)، أي: السؤال عن العلة، ويمكن أن يُقال: إن اللعين لما أنكر أن يسجد له تحقيراً لشأنه، وجعلُه طيناً مشاهداً ترقى منه إلى أبلغ، أي: أخبرني عن حال هذا المشاهد المحسوس المكون من الطين والصلصال كالفخار، المجبول بالشهوات، أي: كيف يرتفع عليَّ وأنا أقهره بالوساوس، وأجعله مطواعاً لي، سيما ذريته، فأستأصلهم إغواء؟ ومن ثم أتى بالجملة المؤكدة بلام القسم في قوله: (لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، (لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ)، ولفظة "هذا" مثلُها في قوله:

تقول ووقت نحرها بيمينها أبعلي هذا بالرحى المتقاعس
ويؤيده قول الإمام: (هذا): مبتدأ محذوفٌ عنه حرف الاستفهام، و"الذي" مع صلته: الخبر، أي: أخبرني: أهذا الذي كرمته عليَّ؟ وذلك على وجه الاستصغار، وإنما حذف الاستفهام؛ لأن حصوله في قوله: (أَرَأَيْتَكُ) أغنى عن تكراره.
قوله: (وهو من الحنك). الراغب: الحنكُ: حنك الإنسان والدابة، وقيل لمنقار الغُراب: حنكٌ، لكونه كالحنك من الإنسان، وقيل: أسود مثل حنك الغراب، وحلك الغراب، فحنكه: منقاره، وحلكه: سواء ريشه. وقوله: (لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً) يجوزُ أن يكون من: حنكتُ الدابة: أصبتُ حنكها باللجام والرسن، فيكون كقولك: لألجمن فلاناً ولأرسنَنَّه، ويجوز أن يكون من قولهم: احتنك الجراد الأرض، أي: استولى بحنكه عليها،


الصفحة التالية
Icon