ما ذكر سيبويه من قولهم: أحنك الشاتين أي أكلهما. فإن قلت: من أين علم أن ذلك يتسهل له وهو من الغيب؟ قلت: إما أن سمعه من الملائكة وقد أخبرهم الله به، أو خرجه من قولهم: (أتجعل فيها من يفسد فيها) [البقرة: ٣٠]، أو نظر إليه فتوسم في مخايله أنه خلق شهوانى. وقيل: قال ذلك لما علمت وسوسته في آدم، والظاهر أنه قال ذلك قبل أكل آدم من الشجرة اذْهَبْ ليس من الذهاب للذي هو نقيض المجيء، إنما معناه:
امض لشأنك الذي اخترته خذلانا وتخلية، وعقبه بذكر ما جرّه سوء اختياره في قوله (فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ) كما قال موسى عليه السلام للسامري (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) [طه: ٩٧] فإن قلت: أما كان من حق الضمير في الجزاء أن يكون على لفظ الغيبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأكلها واستأصلها، فيكون المعنى: استولى عليهم استيلاءه على ذلك، وفلانٌ حنكه الدهر، كقولك: نجذه وقرع سنه وافتره، ونحو ذلك من الاستعارات في التجربة.
قوله: (والظاهر أنه قال ذلك)، أي: (لَئِنْ أَخَّرْتَنِي)، إلى آخره، داخلٌ في حيز القول، فيكون صدور هذا القول بعد الإباء عن السجود، ومكان الوسوسة الجنة، وهو مختلفٌ عن هذا بزمان، أي: هذا القول مردودٌ.
قوله: (كما قال موسى عليه السلام للسامري)، يعني: كما رتب موسى عليه السلام على قوله: (فَاذْهَبْ) قوله: (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ) [طه: ٩٧] للإيذان بأن المراد من الأمر الخذلان، لتعقبه بالعقاب، كذلك هاهنا، فقوله: "وعقبه" عطفٌ على محذوف، وهو معللٌ لقوله: "خذلاناً وتخليةً"، وقوله: (فَمَنْ تَبِعَكَ) ظرف لقوله: "تذكرة له"، أي: قال الله تعالى لإبليس: امض لشأنك خذلاناً وتخلية، وعقبه بذكر ما جره سوء اختياره، حتى يقال في حقه: (فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ).


الصفحة التالية
Icon