الشر، صادّا عن الخير؟ قلت: هو من الأوامر الواردة على سبيل الخذلان والتخلية، كما قال للعصاة: (اعملوا ما شئتم)] فصلت: ٤٠ [.
[(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً)].
(يُزْجِي) يجرى ويسبر. والضرّ: خوف الغرق (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) ذهب عن أوهامكم وخواطركم كلّ من تدعونه في حوادثكم إلا إياه وحده، فإنكم لا تذكرون سواه، ولا تدعونه في ذلك الوقت ولا تعقدون برحمته رجاءكم، ولا تخطرون ببالكم أنّ غيره يقدر على إغاثتكم، أو لم يهتد لإنقاذكم أحد غيره من سائر المدعوّين. ويجوز أن يراد: ضلّ من تدعون من الآلهة عن إغاثتكم، ولكنّ الله وحده هو الذي ترجونه وحده على الاستثناء المنقطع.
[(أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً)].
(أَفَأَمِنْتُمْ) الهمزة للإنكار، والفاء للعطف على محذوف تقديره: أنجوتم فأمنتم، فحملكم ذلك على الإعراض. فإن قلت: بم انتصب جانِبَ الْبَرِّ؟ قلت: بيخسف مفعولا به، كالأرض في قوله فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) [القصص: ٨١]. و (بِكُمْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (على الاستثناء المنقطع)، أي: على الوجه الأخير، ويُفهم أنه على الأول والثاني متصل، أما على الأول فـ" (ضَلَّ) مضمن لمعنى "ذهب"، وفاعله الذكر، أي: ذهب عن اوهامكم ذكرُ كل من تدعونه إلا ذكر الله، يدل عليه قوله: "لا يذكرون سواه"، وعلى الثاني: "ضَلَّ" مُجرى على حقيقته، ولذلك قال: أولم يهتد لإنقاذكم؟


الصفحة التالية
Icon