فلم يحسوا ببشاعة قولهم: وفضلناهم على جميع ممن خلقنا، على أن معنى قولهم «على جميع ممن خلقنا» أشجى لحلوقهم وأقذى لعيونهم، ولكنهم لا يشعرون. فانظر إلى تمحلهم وتشبثهم بالتأويلات البعيدة في عداوة الملأ الأعلى، كأنّ جبريل عليه السلام غاظهم حين أهلك مدائن قوم لوط، فتلك السخيمة لا تنحل عن قلوبهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السحاب إلى الأرض يصحبها ثلاثة أملاكن فظهر أن ليس المراد من قولنا: "فُضلوا على الجميع"، أنه وضع "الكثير" موضع "الجميع" في التلاوة ليلزم البشاعة التي ذكرها، بل الجميع لازم المعنى.
وأما قوله: (أشجى لحلوقهم) فلعل مراده أنهم إنما فروا من دلالة المفهوم وفسروا "الكثير" بـ"الجميع" لئلا يلزم فضلُ الملائكة عليهم، لكن لزمهم من هذا ما هو أفظع منه، وهو فضل الحدادين والحياكين، بل الكافرين، على النفوس الطاهرة الزكية.
وأجيب عنه: أنه كما لا يلزم من قولنا: "الرجال أفضل من النساء" فضلُ كل فردٍ على كل فرد، كذلك لا يلزم ذلك. وفي حديث أبي هريرة: "المؤمن أكرمُ على الله من بعض الملائكة"، إشارة إلى تفضيل الآية، وحديث جابر، وهو ما قيل: خواص الإنسان مثل الأنبياء أفضلُ من خواصهم، وبعضُ عوام الإنسان من المؤمنين أفضل من عوامهم، والله أعلم.
قوله: (السخيمة)، أي: الضغينة والموجدة في النفس. قاله الجوهري.


الصفحة التالية
Icon