اليمين فأمرهم على عكس ذلك، لا جرم أنهم يقرؤن كتابهم أحسن قراءة وأبينها، ولا يقنعون بقراءتهم وحدهم حتى يقول القارئ لأهل المحشر: (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة: ١٩]. (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شيء، كقوله (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً)، (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) [طه: ١١٢].
[(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً)].
معناه: ومن كان في الدنيا أعمى، فهو في الآخرة أعمى كذلك (وَأَضَلُّ سَبِيلًا) من الأعمى. والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد حاسته، لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة: أما في الدنيا فلفقد النظر. وأما في الآخرة، فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه، وقد جوزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل ومن ثم قرأ أبو عمرو الأوّل مما لا، والثاني مفخماً لأن أفعل التفضيل تمامه بمن، فكانت ألفه في حكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شيء)، الراغب: الفتيل: المفتول، وسُمي ما يكون في شق النواة فتيلاً لكونه على هيئته، وقيل هو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ، ويُضرب به المثل في الشيء الحقير.
قوله: (ومن ثم قرأ أبو عمرو الأول ممالاً، والثاني مفخماً)، قال الزجاج: (فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى) وهذا من عمى القلب، أي: هو في الآخرة أشد عمى.
وقال أبو علي في "الحجة": وأما قراءة أبي عمرو: (أَعْمَى) الأول ممالاً والثاني مفخماً، فإنه يجوز أن لا يجعل الثاني عبارة عن العيوب في الجارحة، ولكنه جعله من


الصفحة التالية
Icon