لك العذاب المعجل للعصاة في الحياة الدنيا، وما نؤخره لما بعد الموت. وفي ذكر الكيدودة وتقليلها، مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين - دليل بين على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته، ومن ثم استعظم مشايخ العدل والتوحيد رضوان الله عليهم نسبة المجبرة القبائح إلى الله - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - وفيه دليل على أن أدنى مداهنة للغواة مضادة لله وخروج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيء وضعفته وضاعفته: ضممت إليه مثله فصاعداً، قال بعضهم: ضاعفت أبلغ من ضعفت، ولهذا قرأ أكثرهم: (يُضَاعَفْ) [الأحزاب: ٣٠]، وقال تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) [الأنعام: ١٦٠]، فالمضاعفة على قضية هذا القول تقتضي أن يكون عشر أمثالها. وقيل: ضعفته، - بالتخفيف- ضعفاً، فهو مضعوفٌ، فالضعف مصدرٌ، والضعف: اسم كالثني والثني، فضعفُ الشيء هو الذي يثنيه، ومتى أضيف إلى عددٍ اقتضى ذلك العدد ومثله، نحو أن يُقال: ضعفُ العشرة، فذلك عشرون بلا خلاف، وإذا قيل: أعطهِ ضعفي واحد، فإن ذلك اقتضى الواحد ومثليه، وذلك ثلاثة؛ لأن معناه: الواحد واللذان يزاوجانه، هذا إذا كان الضعف مضافاً، فأما إذا لم يكن مضافاً، فقلت: الضعفين، فإن ذلك يجري مجرى الزوجين في أن كلا منهما يزاوج الآخر فيقتضي ذلك اثنين؛ لان كلاً منهما يضاعف الآخر، فلا يخرجان عن الاثنين، بخلاف ما إذا أضيف الضعفان إلى واحدٍ فيثلثهما، نحو: ضعفي الواحد، قال الله تعالى: (فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ) [سبأ: ٣٧].
قوله: (وفي ذكر الكيدودة وتقليلها)، إلى قوله: (دليل بينٌ على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عم شأن فاعله، ومن ثم استعظم مشايخ العدل نسبة المجبرة القبائح إلى الله تعالى)، الانتصاف: أما تقليلُ الكيدودة فيحمل على كون الله تعالى يعلمُ ما لم يكن لو كان كيف يكون، فعلم تعالى أن الركون الذي كاد يحصل لو كان قليلاً فهو عظيم، وهو خبر


الصفحة التالية
Icon