عن ولايته، وسبب موجب لغضبه ونكاله. فعلى المؤمن إذا تلا هذه الآية أن يجثو عندها ويتدبرها، فهي جديرة بالتدبر، وبأن يستشعر الناظر فيها الخشية وازدياد التصلب في دين الله. وعن النبي ﷺ أنها لما نزلت كان يقول: «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين».
[(وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً* سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً)].
(وَإِنْ كادُوا) وإن كاد أهل مكة (لَيَسْتَفِزُّونَكَ) ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم مِنَ الْأَرْضِ من أرض مكة وَإِذاً لا (يَلْبَثُونَ) لا يبقون بعد إخراجك (إِلَّا) زمانا (قَلِيلًا) فإن الله مهلكهم وكان كما قال، فقد أهلكوا ببدر بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن الواقع في علمه، فلا يليق حمله على المبالغة، فإنها لا تليق في الأخبار، فإنه لو كان الواقع كيدودة ركون كثير، كان تقليله خُلفاً في الخبر، والذنبُ يعظمُ بحسب فاعله. وأما تعظيم مشايخ المعتزلة نسبة القبائح إلى الله تعالى فقد استعظموا عظيماً، ولكن جهلوا في اعتقادهم القبح وصفاً ذاتياً للقبيح، وكل ما استقبحوه من العبد استقبحوه من الله تعالى، والقبيح عندنا: ما نهى الله عنه، ولله عز وجل أن يفعله، لا يُسأل عما يفعلُ، فالملكُ يستقبح من عبده أن يجلس على كرسي الملك، ولا يقبح ذلك منه، ولقد كان لمشايخه شُغلٌ بما لزمهم من الإشراك عن هذان لكن زين لهم سوء اعتقادهم فرأوه حسناً.
في أول كلامه نظر، وفي قول المصنف- أعني: "وفي ذكر الكيدودة وتقليلها"- إشكالٌ؛ لأن (شَيْئاً قَلِيلاً) مصدر (تَرْكْنُ) ظاهر، فيلزم التقليل فيه لا في الكيدودة، ويمكن أن يُقال: إن "كاد" لما كانت لمقاربة الخبر في الوجود فجُعلت القلة التي في الخبر فيها مجازاً.
قله: ((إلا) زماناً (قَلِيلاً))، اعلم أن إخراج الكفار رسول الله ﷺ يحتملُ وجوها


الصفحة التالية
Icon