قوله عز وجل: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً﴾ أي: علة مانعة من البِرِّ (١)، يقال: جَعلتُ فلانًا عُرْضَةً لكذا، أي: نَصبْتُه له (٢).
﴿أَنْ تَبَرُّوا﴾: يحتمل أن يكون في موضع نصب، إما لكونه مفعولًا له، أي: مخافة أن تبروا، وإما لعدم الجار وهو (في) أو (اللام)، أي: في أن تبروا، أو لأن تبروا، فلما حذف الجار وصل الفعل إليه وهو ﴿وَلَا تَجْعَلُوا﴾ فنصبه، أو في موضع جر على إرادة الجار على الخلاف المشهور.
وأن يكون في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف، أي: أن تبروا وتتقوا وتصلحوا خير لكم، أو: أَولى لكم، ثم حُذف الخبر للعلم به (٣).
وقيل: ﴿أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا﴾ عطف بيان ﴿لِأَيْمَانِكُمْ﴾، أي: للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإصلاح بين الناس (٤).
و﴿بَيْنَ﴾: ظرف للإصلاح.
وقد جُوِّزَ أن تكون اللام في ﴿لِأَيْمَانِكُمْ﴾ متعلقة بقوله: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا﴾ أي: ولا تجعلوا الله لأيمانكم عرضة، وأن تكون متعلقة بـ ﴿عُرْضَةً﴾ لما فيها من معنى الفعل، وهو الاعتراض، أي: لا تجعلوه شيئًا يعترض البر، من اعترض كذا. وأن تكون للتعليل، ويتعلق ﴿أَنْ تَبَرُّوا﴾ بالفعل، أو بالعُرْضَة، أي: ولا تجعلوا الله لأجل أيمانكم به عرضة لأن تبروا، ومعناها على الأخرى. ولا تجعلوا الله مُعَرَّضًا لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به، فاعرفه فإنه من كلام الزمخشري (٥).

(١) يعني بالحلف على عدم فعل الخير، فيجب كما أخبر تعالى أن يحنث الحالف ويفعل الخير، ثم يكفر عن يمينه.
(٢) الصحاح (عرض).
(٣) جواز رفع مصدر (أن تبروا) هو للزجاج ١/ ٣٠٠ لكن قدم عليه الإعراب الأول وهو النصب أو الجر، وكذا فعل النحاس ١/ ٢٦٢، ومكي ١/ ٩٧، وابن الأنباري ١/ ١٥٥.
(٤) قاله الزمخشري في الكشاف ١/ ١٣٥.
(٥) الكشاف ١/ ١٣٥. =


الصفحة التالية
Icon