" صفحة رقم ٢٤٨ "
فالجمع هنا مستعمل في معنى إعداد الرأي. واستقصاء ترتيب الأمر، كقوله فأجمعوا أمركم ( ( يونس : ٧١ )، أي جمع رأيه وتدبيره الذي يكيد به موسى. ويجوز أن يكون المعنى فجمع أهل كيده، أي جمع السحرة، على حد قوله تعالى :( فجمع السحرة لميقات يوم معلوم ( ( الشعراء : ٣٨ ).
والكَيْد : إخفاء ما به الضر إلى وقت فعله. وقد تقدّم عند قوله تعالى :( إن كيدي متين في سورة الأعراف ( ١٨٣ ).
ومعنى ثُمَّ أَتَّى ( ثمّ حضر الموعدَ، وثم للمهلة الحقيقية والرتبية معاً، لأن حضوره للموعد كان بعد مضي مهلة الاستعداد، ولأن ذلك الحضور بعد جمع كيده أهمّ من جمع الكيد، لأنّ فيه ظهور أثر ما أعدّه.
وجملة ) قَالَ لَهُم مُوسَى ( مستأنفة استئنافاً بيانياً، لأنّ قوله ) ثُمَّ أَتَى ( يثير سؤالاً في نفس السامع أن يقول : فماذا حصل حين أتى فرعون ميقات الموعد. وأراد موسى مفاتحة السحرة بالموعظة.
وضمير ) لَهُم ( عائد إلى معلوم من قوله ) فلنأتينك بسحر مثله أي بأهل سحر، أو يكون الخطاب للجميع، لأنّ ذلك المحضر كان بمرأى ومسمع من فرعون وحاشيته، فيكون معاد الضمير ما دلّ عليه قوله فَجَمعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أتَى (، أي جمع رجال كيده. "
والخطاب بقوله ) وَيْلَكُمْ ( يجوز أن يكون أراد به حقيقة الدعاء، فيكون غير جار على ما أمر به من إلانة القول لفرعون : إما لأن الخطاب بذلك لم يكن مواجهاً به فرعون بل واجه به السحرةَ خاصة الذين اقتضاهم قوله تعالى :( فَجَمعَ كَيْدَهُ (، أي قال موسى لأهل كيد فرعون ؛ وإما لأنه لما رأى أن إلانة القول له غير نافعة، إذ لم يزل على تصميمه على الكفر، أغلظ القول زجراً له بأمر خاص من الله في تلك


الصفحة التالية
Icon