" صفحة رقم ٢٦٩ "
جرى على اعتبارات الإِعراب تفرقة بين موقع ( أنَّ ) المفتوحة وموقع ( إنَّ ) المكسورة ولهذا الفرق بين الفتححِ والكسرِ اطّرد وجهَا فتححِ الهمزة وكسرِها في نحو ( خيرُ القَول أني أحمد ).
وقد ذكرنا في قوله تعالى :( فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين في سورة ( ( الأنفال : ٩ ) رأينا في كون ( أن ) المفتوحة الهمزة المشددة النون مركبة من ( أَنْ ) التفسيرية ( وأنَّ ) الناسخة. والخبر مستعمل في الدعاء والشكاية، كقوله :( رب إني وضعتها أنثى ( ( آل عمران : ٣٦ )، وقد قال في آية سورة الأنبياء ) أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.
والنُصْب، بضم النون وسكون الصاد : المشقة والتعب، وهي لغة في نَصَب بفتحتين، وتقدم النَصَب في سورة الكهف. وقرأ أبو جعفر بِنُصُبٍ ( بضم الصاد وهو ضم إتباع لضمّ النون.
والعذاب : الألم. والمراد به المرض يعني : أصابني الشيطان بتعَب وألم. وذلك من ضرّ حل بجسده وحاجة أصابته في ماله كما في الآية الأخرى ) أني مسني الضر ( ( الأنبياء : ٨٣ ).
وظاهر إسناد المسّ بالنُّصب والعذاب إلى الشيطان أن الشيطان مسّ أيوب بهما، أي أصابه بهما حقيقة مع أن النصب والعذاب هما الماسان أيوب، ففي سورةَ الأنبياء ) أني مسني الضر فأسند المسّ إلى الضر، والضرّ هو النصب والعذاب. وتردّدت أفهام المفسرين في معنى إسناد المسّ بالنُّصب والعذاب إلى الشيطان، فإن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة كما هو مقرر من مُكرر آيات القرآن وليس النُّصب والعذاب من الوسوسة ولا من آثارها. وتأولوا ذلك على أقوال تتجاوز العشرة وفي أكثرها سماجة وكلها مبني على حملهم الباء في قوله : بِنُصبٍ ( على أنها باء التعدية لتعدية فعل ) مَسَّنِي (، أو باء الآلة مثل : ضربه بالعصا، أو يؤول النُّصب والعذاب إلى معنى المفعول الثاني من باب أعطى.
والوجه عندي : أن تحمل الباء على معنى السببية بجعل النُّصْب والعذاب مسببين


الصفحة التالية
Icon