" صفحة رقم ٢٨١ "
وقد كان كيْتَ وكَيت اه. وهذا الأسلوب من الانتقال هو المسمى في عرف علماء الأدب بالاقتضاب وهو طريقة العرب ومن يليهم من المخضرمين، ولهم في مثله طريقتان : أن يذكروا الخبر كما في هذه الآية وقوللِ المؤلفين : هذا باب كذا، وأن يحذفوا الخبر لدلالة الإِشارة على المقصود، كقوله تعالى :( ذلك ومن يعظم حرمات الله ( ( الحج : ٣٠ )، أي ذلك شأن الذي عمِلوا بما دعاهم إليه إبراهيم وذكروا اسم الله على ذبائحهم ولم يذكروا أسماء الأصنام، وقوله :( ذلك ومن يعظم شعائر الله، أي ذلك مثل الذين أشركوا بالله، وقوله بعد آيات هذا وإن للطاغين لشر مئاب ( ( ص : ٥٥ ) أي هذا مآب المتقين، ومنه قول الكاتب : هذا وقد كان كَيْت وكَيْتتِ، وإنما صرح بالخبر في قوله :( هاذَا ذِكرٌ ( للاهتمام بتعيين الخبر، وأن المقصود من المشار إليه التذكر والاقتداء فلا يأخذ السامع اسم الإِشارة مأخذ الفصل المجرَّد والانتقاللِ الاقتضابي، مع إرادة التوجيه بلفظ ) ذكر ( بتحميله معنى حُسن السمعة، أي هذا ذكر لأولئك المسمَّيْن في الآخرين مع أنه تذكرة للمقتدِين على نحو المعْنَيَيْن في قوله تعالى :( وإنه لذكر لك ولقومك في سورة الدخان ( ( الزخرف : ٤٤ ).
ومن هنا احتمل أن تكون الإِشارة ب ) هذا ( إلى القرآن، أي القرآن ذِكر، فتكون الجملة استئنافاً ابتدائياً للتنويه بشأن القرآن رَاجعاً إلى غَرض قوله تعالى :( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ( ( ص : ٢٩ ).
والواو في ) وإن للمتقين ( الخ، يجوز أن تكون للعطف الذكري، أي انتهى الكلام السابق بقولنا ) هذا ( ونعطف عليه ) إنَّ للمُتَّقينَ ( الخ. ويجوز أن تكون واو الحال. وتقدم معنى ) حسن مئاب. ( واللام في ) للمُتَّقينَ ( لام الاختصاص، أي لهم حسن مآب يوم الجزاء. وانتصب ) جنَّاتتِ عدنٍ ( على البيان من ) حسن مئاب. ( والعدن : الخلود.
و ) مُفَتَحَةً ( حال من ) جنَّاتتِ عدنٍ (، والعامل في الحال ما في ) للمُتَّقينَ ( من معنى الفعل وهو الاستقرار فيكون ( ال ) في ) الأبوابُ ( عوضاً عن الضمير.