" صفحة رقم ٢٩٦ "
خلق آدم وشقاء الشيطان، فيكون ضمير ) هُوَ ( ضميرَ شأن يفسره ما بعده وما يُبيّن به ما بعده من قوله :( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين ( ( ص : ٧١ ) جعل هذا كالمقدمة للقصة تشويقاً لتلقّيها فيكون المراد بالنبأ نبأَ خَلق آدم وما جرى بعده، ويكون ضمير ) يَخْتصِمُونَ ( عائداً إلى الملأ الأعلى لأن الملأ جماعة. ويراد بالاختصام الاختلاف الذي جرى بين الشيطان وبين من بلَّغ إليه من الملائكة أمرَ الله بالسجود لآدم، فالملائكة هم الملأ الأعلى وكان الشيطان بينهم فعُدّ منهم قبل أن يطرد من السماء.
ويجوز أن تكون جملة ) قُلْ هو نبؤا عظيمٌ ( الخ تذييلاً للذي سبق من قوله :( وإنَّ للمتَّقينَ لحُسنَ مئابٍ ( ( ص : ٤٩ ) إلى هنا، تذييلاً يشعر بالتنويه به وبطلب الإِقبال على التدبر فيه والاعتبار به. وعليه يكون ضمير ) هُوَ ( ضميراً عائداً إلى الكلام السابق على تأويله بالمذكور فلذلك أُتِي لتعريفه بضمير المفرد.
والمراد بالنبأ : خبر الحشر وما أُعد فيه للمتقين من حسن مآب، وللطاغين من شر مآب، ومن سوء صحبة بعضهم لبعض، وتراشقهم بالتأنيب والخصام بينهم وهم في العذاب، وترددهم في سبب أن لم يجدوا معهم المؤمنين الذين كانوا يَعدّونهم من الأشرار. ووصف النبأ ب ) عَظِيمٌ ( تهويل على نحو قوله تعالى :( عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ( ( النبأ : ١ ٣ ). وعظمة هذا النبأ بين الأنباء من نوعه من أنباء الشر مثل قوله :( فساد كبير ( ( الأنفال : ٧٣ )، فتم الكلام عند قوله تعالى :( أنتم عنه معرضون ).
فتكون جملة ) ما كانَ لي مِن علم بالملأ الأعلى ( إلى قوله :( نَذِيرٌ مبينٌ ( استئنافاً للاستدلال على صدق النبأ بأنه وحي من الله ولولا أنه وحي لما كان للرسول ( ﷺ ) قِبَل بمعرفة هذه الأحوال على حد قوله تعالى :( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ( ( آل عمران : ٤٤ )، ونظائر هذا الاستدلال كثيرة في القرآن.


الصفحة التالية
Icon