" صفحة رقم ٣٣٩ "
اسم الجلالة خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو الله. وهذا من حذف المسند إليه لمتابعة الاستعمال كما سماه السكاكي، فإنه بعد أن جرى ذكر شؤون من عظيم شؤون الله تعالى ابتداء من قوله :( واتقوا الله ربكم ( ( الطلاق : ١ ) إلى هنا، فقد تكرر اسم الجلالة وضميره والإِسناد إليه زهاء ثلاثين مرة فاقتضى المقام عقب ذلك أن يُزاد تعريف الناس بهذا العظيم، ولمَّا صار البساط مِليئاً بذكر اسمه صح حذفه عند الإِخبار عنه إيجازاً وقد تقدم قوله تعالى :( رب السماوات والأرض وما بينهما في سورة مريم، وكذلك عند قوله : صم بكم عمي ( ( البقرة : ١٨ )، وقوله :( مقام إبراهيم في سورة البقرة.
فالجملة على هذا الوجه مستأنفة استئنافاً ابتدائياً.
والموصول صفة لاسم الجلالة وقد ذُكرت هذه الصلة لما فيها من الدلالة على عظيم قدرته تعالى، وعلى أن الناس وهم من جملة ما في الأرض عبيده، فعليهم أن يتقوه، ولا يتعدوا حدوده، ويحاسبوا أنفسهم على مدى طاعتهم إياه فإنه لا تخفى عليه خافية، وأنه قدير على إيصال الخير إليهم إن أطاعوه وعقابهم إن عصوه.
وفيه تنويه بالقرآن لأنه من جملة الأمر الذي يتنزل بين السماء والأرض.
والسبع السماوات تقدم القول فيها غير مرة، وهي سبع منفصل بعضها عن الآخر لقوله تعالى في سورة نوح : ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً.
وقوله : ومن الأرض مثلهن ( عطف على ) سبع سماوات ( وهو يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون المعطوف قوله :( من الأرض ( على أن يكون المعطوف لفظ الأرض ويكون حرف ) مِن ( مزيداً للتوكيد بناء على قول الكوفيين والأخفش أنه لا يشترط لزيادة ) من ( أن تقع في سياق النفي والنهي والاستفهام والشرط وهو الأحق بالقبول وإن لم يكن كثيراً في الكلام، وعدمُ الكثرة لا ينافي الفصاحة، والتقدير : وخلق الأرض، ويكون قوله :( مثلهن ( حالاً من ) الأرض ).
ومماثلة الأرض للسماوات في دلالة خلقها على عظيم قدرة الله تعالى، أي أن خلْق الأرض ليس أضعف دلالة على القدرة من خلق السماوات لأن لكل منهما خصائص دالة على عظيم القدرة.