أم في هذا الذي تشركونه في العبادة! وحكى سيبويه : السعادة أحب إليك أم الشقاء ؛ وهو يعلم أن السعادة أحب إليه. وقيل : هو على بابه من التفضيل، والمعنى : آلله خير أم ما تشركون ؛ أي أثوابه خير أم عقاب ما تشركون. وقيل : قال لهم ذلك ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن في عبادة الأصنام خير فخاطبهم الله عز وجل على اعتقادهم. وقيل : اللفظ لفظ الاستفهام ومعناه الخبر. وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب :﴿ريشركون﴾ بياء على الخبر. الباقون بالتاء على الخطاب، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ؛ فكان النبي ﷺ إذا قرأ هذه الآية يقول :"بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم".
قوله تعالى :﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ قال أبو حاتم : تقديره ؛ آلهتكم خير أم من خلق السماوات والأرض ؛ وقد تقدم. ومعناه : قدر على خلقهن. وقيل : المعنى ؛ أعبادة ما تعبدون من أوثانكم خير أم عبادة من خلق السماوات والأرض ؟ فهو مردود على ما قبله من المعنى ؛ وفيه معنى التوبيخ لهم، والتنبيه على قدرة الله عز وجل وعجز آلهتهم. ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ الحديقة البستان الذي عليه حائط. والبهجة المنظر الحسن. قال الفراء : الحديقة البستان المحظر عليه حائط، وإن لم يكن عليه حائط فهو البستان وليس بحديقة. وقال قتادة وعكرمة : الحدائق النخل ذات بهجة، والبهجة الزينة والحسن ؛ يبهج به من رآه. ﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا﴾ ﴿مَا﴾ للنفي. ومعناه الحظر والمنع من فعل هذا ؛ أي ما كان للبشر، ولا يتهيأ لهم، ولا يقع تحت قدرتهم، أن ينبتوا شجرها ؛ إذ هم عجزة عن مثلها، لأن ذلك إخراج الشيء من العدم إلى الوجود.
قلت : وقد يستدل من هذا على منع تصوير شيء سواء كان له روح أم لم يكن ؛ وهو قول مجاهد. ويعضده قوله ﷺ :"قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة" رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ؛ قال سمعت رسول الله ﷺ يقول :" قال الله عز وجل" فذكره ؛ فعم بالذم والتهديد والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله وضاهاه في التشبيه في خلقه