فكل حاكم يريد لحكمه أن يستمر ولنظام دولته أن يستقر عليه أن يكون حريصا على الإلمام بحقيقة الأوضاع ببلاده، والشورى خير سبيل لتحقيق هذه الغاية(١). ولا مانع من تنظيم الشورى بتشكيل مجالس، أو تعيين نواب أو ممثلين لكل جماعة، وإتاحة الفرصة للاختيار بشرط أن يكون مرجعهم كتاب الله و سنة رسوله - ﷺ -، بحيث لا تتعارض توصياتهم أو قراراتهم أو تشريعاتهم مع شرع الله عز وجل(٢).
ولا مانع من ضبط ممارسة الشورى وفق نظام، أو منشور، أو قانون يعرف فيه ولي الأمر حدود ما ينبغي أن يشاور فيه ومتى وكيف؟ وتعرف الأمة حدود ما تستشار فيه ومتى؟ وكيف؟ لأن الشكل الذي الذي تتم به الشورى ليس مصبوبا في قالب حديدي، فهو متروك للصورة الملائمة لكل بيئة وزمان.
إن القرآن الكريم لم يبين وسائل الشورى، كما لم يبين وسائل تحقيق العدالة، بل ترك ذلك لتقدير الناس ينتهجون أحسن الوسائل التي توصلهم إلى المطلوب على الوجه الأكمل، وذلك يتمشى مع فكرة صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، ومع فكرة يسر الدين وسلامة أحكامه من الحرج، ولذلك فسح الإسلام لأتباعه المجال لاختيار التنظيم الذي يرونه محققًا الشورى على وجهها المفيد.
إن أشكال الشورى وأساليب تطبيقها ووسائل تحقيقها وإجراءاتها ليست من قبيل العقائد، وليست من القواعد الشرعية المحكمة التي يجب التزامها بصورة واحدة في كل العصور والأزمنة، وإنما هي متروكة للتحري والاجتهاد والبحث والاختيار، أما أصل الشورى فإنه من قبيل المحكم الثابت الذي لا يجوز تجاهله أو إهماله لأن الشورى في جميع الأمكنة والأزمنة مفيدة ومجدية، والدكتاتورية أو حكم الفرد في جميع الأمكنة والأزمنة كريهة ومخربة.

(١) الشورى بين الأصالة والمعاصرة، ص٣٦، ٣٧.
(٢) انظر: دستور الأمة من القرآن والسنة، د. عبد الناصر العطار، ص(١٧٣، ١٧٤).


الصفحة التالية
Icon