إن شئون الحياة متعددة، ولكل شأن منها أناس هم المختصون فيه وهم أهل معرفته، ومعرفة ما يجب أن يكون عليه، ففي الأمة جانب القوة، وفي الأمة جانب القضاء، وفض المنازعات وحسم الخصومات، وفيها جانب المال والاقتصاد، وفيها جانب السياسة وتدبير الشئون الداخلية والخارجية، وفيها جانب الفنون الإدارية وفيها جانب التعليم والتربية، وفيها جانب الهندسة، وفيها جانب العلوم والمعارف الإنسانية، وفيها غير ذلك من الجوانب، ولكل جانب أناس عرفوا فيه بنضج الآراء، وعظيم الآثار وطول الخبرة والمران.
هؤلاء هم أهل الشورى في الشئون المختلفة، وهم الذين يجب على الأمة أن تعرفهم بآثارهم وتمنحهم ثقتها، وتنيبهم عنها في الرأي، وهم الذين يرجع إليهم الحاكم لأخذ رأيهم واستشارتهم، وهم الوسيلة الدائمة في نظر الإسلام لمعرفة ما تسوس به الأمة أمورها مما لم يرد في المصادر الشرعية ويحتاج إلى اجتهاد(١).
ولذلك ينبغي أن يعتمد في الشورى على أصحاب الاختصاص والخبرة في المسائل المعروضة التي تحتاج إلى نوع من المعرفة، ففي شئون الدين والأحكام يستشار علماء الدين.
وفي شئون العمران والهندسة يستشار المهندسون.
وفي شئون الصناعة يستشار خبراء الصناعة.
وفي شئون التجارة يستشار خبراء التجارة.
وفي شئون الزراعة يستشار خبراء الزراعة، وهكذا وهنا لابد من توجيه الأنظار إلى أنه من الضروري أن يكون علماء الدين قاسمًا مشتركًا في هذه الشئون حتى لا يخرج المستشارون في تقرير السياسات المتنوعة عن حدود الشريعة(٢).
هذه إشارة موجزة عن أهمية الشورى ومزاياها وفائدتها في إقامة الدولة وتقويتها وبناء المجتمع الإسلامي المنشود والنهوض به نحو المعالي.
ب- العدالة:
(٢) انظر: الشورى بين الأصالة والمعاصرة، ص٥٨، ٥٩.