وكان - رضي الله عنه - يأمر عماله أن يوافوه بالمواسم، فإذا اجتمعوا قال: يا أيها الناس إني لم أبعث عمالي ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فعل به غير ذلك فليقم، فما قام أحد إلا رجل واحد قام فقال: يا أمير المؤمنين أن عاملك فلانا ضربني مائة سوط، قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه، فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك، فقال: أنا لا أقيد، وقد رأيت رسول الله - ﷺ - يقيد من نفسه، قال: فدعنا فلنرضه، قال: دونكم فأرضوه، فافتدى منه بمائتي دينار كل سوط بدينارين(١)، وإن لم يرضوه لأقاده(٢) - رضي الله عنه -.
وجاء رجل من أهل مصر يشكو ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قائلا: «يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين.
فكتب عمر إلى عمرو رضي الله عنهما يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعله يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين، قال أنس: فضرب، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما رفع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري،: ضع على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استفيت منه، فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني(٣).
(٢) أقاده: اقتص منه.
(٣) انظر: فتوح مصر و المغرب لابن عبد الحكم: ٢٢٥، ٢٢٦.