فانظر إلى هذه المواقف الرائعة لعدالة هذه الأمة، رجل من عامة الناس وفي رواية أنه ذمي من أقباط مصر، يتظلم فيعطى حقه ويقاد من ابن الأمير، يجاء به وبأبيه ليعطي الرجل حقه وينصف، ثم انظر إلى الحاضرين من أصحاب النبي - ﷺ - كيف أحبوا ذلك وأيدوه «فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه» لا تشفيا منه ولا شماتة بعمرو وابنه، فالقوم فوق ذلك وأبعد ما يكونون عن التشفي والشماتة، ولكنهم جيل أحب العدل وعاشه وتربى عليه على يد رسول الله - ﷺ -، لذا فهو يبغض الجور ولا يحب رؤيته في الأمة ولو كان رجلاً مخالفًا لها في عقيدتها ودينها وشرعها، ويفرح أشد الفرح لرؤية العدالة ترمي بجذورها في أعماق الأمة ليؤخذ حق ضعفائها وأتباعها من أقويائها(١).
إن الناس إذا شعروا بإقامة العدالة في مجتمعهم، وسيادة العدل في حياتهم، على المسلمين وغير المسلمين، تستقر نفوسهم، وتطمئن قلوبهم، وتهدأ أحوالهم، ويزدهر مجتمعهم ويعمهم الخير والأمن والأمان والسلامة والإسلام(٢).
إن تحقق العدل الإلهي في حياة البشرية هدف لكل مسلم فرد أو جماعة، حاكم أو محكوم، ومن هنا كانت وظيفة كل نبي ورسول ومهمته أن يقيم في الناس القسط، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[الحديد: ٢٥].
إن الدولة الإسلامية واجب عليها أن تقيم العدل بين الناس وتفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه أن يصل إلى حقه بأيسر السبل وأسرعها، دون أن يكلفه ذلك جهد أو مال(٣)، وعليها أن تمنع أي وسيلة من الوسائل من شأنها أن تعيق صاحب الحق من الوصول إلى حقه.

(١) انظر: وسطية أهل السنة بين الفرق، ص١٧٠.
(٢) انظر: النظام السياسي في الإسلام، ص٥٤.
(٣) انظر: النظام السياسي في الإسلام، ص٥٨.


الصفحة التالية
Icon