ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) وآيات سورة الشعراء هذه موصوفا بالأمين : وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤). ووردت مطلقة بما يفيد أنها عظيم الملائكة كما جاء في آية سورة النبأ هذه : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ووردت مضافة إلى القدس في سياق تنزيل القرآن كما جاء في آية سورة النحل هذه : قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) ووردت في آيات عديدة مضافة إلى القدس في صدد تأييد المسيح عليه السلام كما ترى في هذا المثال : وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ البقرة [٨٧] والمتبادر أن المقصود من الكلمة هنا على ما تلهمه روح العبارة هو عظيم الملائكة. وفي سورة التحريم آية تلهم أن عظيم الملائكة هو جبريل وهي : إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤) ولما كانت آيات النحل نعتت الملك الذي ينزل بالوحي القرآني بالروح ولما جاء في آية في سورة البقرة أن الذي ينزل بهذا الوحي هو جبريل وهي : قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) فيكون المقصود من الكلمة هنا هو جبريل عظيم الملائكة على ما هو المتبادر. وجمهور المفسرين على أن تسمية جبريل بروح القدس هي على اعتبار أنه روحاني الخلقة بدون تولد من أب وأم وأنه مطهر من الرجس واللّه تعالى أعلم.
ولما كان أمر الملائكة وحقيقتهم وأعمالهم من المسائل الغيبة الواجب الإيمان بها لأن القرآن قد قررها كما قلنا قبل فالواجب الإيمان بما جاء في صددهم في الآية دون تخمين وتزيد مع ذكر كون ذلك بسبيل التنويه بعظم شأن الليلة للحادث العظيم الذي كان فيها.
وندع التعليق على ما ورد في الآيات التي أوردناها في معرض التمثيل والتي تنسب الروح إلى اللّه عز وجل وتذكر نفخه بروحه في آدم ومريم والإنسان عامة إلى تفسير هذه الآيات في سورها. (١)
قوله تعالى :« إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ »..
الضمير فى « أنزلناه » يعود إلى القرآن الكريم، وهو وإن لم يجر له ذكر سابق فى السورة، إلا أنه مذكور بما له من إشعاع يملأ الوجود.. فإذا نزل شىء من عند اللّه، فهو هذا القرآن، أو فيض من فيض هذا القرآن..
وليلة القدر، هى الليلة المباركة، التي أشار إليها سبحانه وتعالى بقوله :

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٢ / ١٣٠)


الصفحة التالية
Icon