هو كونها أنزلها الله فحسب بل إننا آمنا بها لأن الله أنزلها علينا والقرآن لم ينزله علينا فلكم قرآنكم ولنا توراتنا ولكل أمة شرعة ومنهاج هذا هو المعنى الذي أوجزه القرآن في قوله نؤمن بما أنزل علينا وهذا هو المقصد الأول وقد زاد في إيجاز هذه العبارة أن حذف منها فاعل الإنزال وهو لفظ الجلالة لأنه تقدم ذكره في نظيرتها من البين أن اقتصارهم على الإيمان بما أنزل عليهم يومئ إلى كفرانهم بما أنزل على غيرهم وهذا هو المقصد الثاني ولكنهم تحاشوا التصريح به لما فيه من شناعة التسجيل على أنفسهم بالكفر فأراد القرآن أن يبرزه انظر كيف أبرزه إنه لم يجعل لازم مذهبهم مذهبا لهم ولم يدخل مضمون قولهم في جملة ما نقله من كلامهم بل أخرجه في معرض الشرح والتعليق على مقالتهم فقال ويكفرون بما وراءه أليس ذلك هو غاية الأمانة في النقل ثم انظر إلى التعبير عن القرآن بلفظ ما وراءه فإن لهذه الكلمة وجها تعم به غير القرآن ووجها تخص به هذا العموم ذلك أنهم كما كفروا بالقرآن المنزل على محمد كفروا بالإنجيل المنزل على عيسى وكلاهما وراءه التوراة أي جاء بعدها ولكنهم لم يكفروا بما قبل التوراة من صحف إبراهيم مثلا وهكذا تراه قد حدد الجريمة تمام التحديد باستعمال هذا اللفظ الجامع المانع وهذا هو غاية الإنصاف وتحري الصدق في الاتهام جاء دور الرد والمناقشة فيما أعلنوه وما أسروه فتراه لا يبدأ بمحاورتهم في دعوى إيمانهم بكتابهم بل يتركها مؤقتا كأنها مسلمة ليبني عليها وجوب الإيمان بغيره من الكتب فيقول كيف يكون إيمانهم بكتابهم باعثا على الكفر بما هو حق مثله لا


الصفحة التالية
Icon