الواقع الآن كأنه بذلك يعرض علينا هؤلاء القوم أنفسهم وأيديهم ملوثة بتلك الدماء الزكية ولقد كان التعبير بهذه الصيغة مع ذكر الأنبياء بلفظ عام مما يفتح بابا من الإيحاش لقلب النبي العربي الكريم وبابا من الاطماع لأعدائه في نجح تدابيرهم ومحاولاتهم لقتله فانظر كيف أسعفنا بالاحتراس عن ذلك كله بقوله من قبل فقطع بهذه الكلمة أطماعهم وثبت بها قلب حبيبه إذ كانت بمثابة وعده إياه بعصمته من الناس ذلك إلى ما فيها من تنبيه على أصل وضع الكلام وعلى ما صنع به من التجوز المذكور آنفا في الإسناد وفي الصيغة وانظر كيف جيء بالأفعال في الجرائم التالية على صيغة الماضي بعد أن وطأ لها بهذه الكلمة من قبل فاستقام التاريخ على وضعه الطبيعي حين لم تبق هناك حاجة إلى مثل التعبير الأول وانظر إلى الآداب العالية في عرض الجريمة الثانية وهي جريمة الشرك فإنها لما كانت أغلظ من سابقتها وأشد نكرا في العقول نبه على ذلك ألطف تنبيه بحذف أحد ركنيها فلم يقل اتخذتم العجل إلها بل طوى هذا المفعول الثاني استبشاعا للتصريح به في صحبة الأول وبيانا لما بينهما من مفارقة وكم في هذا الحذف من تعبير وتهويل فرب صمت هو أنطق بالحكم وأنكى في الخصم ثم انظر إلى النواي التي أوثر فيها الإجمال على التفصيل إعراضا عن كل زيادة لا تمس إليها حاجة البيان في الحال فقد قال إن القرآن مصدق لما معهم ولم يبين مدى هذا التصديق أفي أصول الدين فحسب أم في الأصول والفروع جميعا أم في الأصول وبعض الفروع وإلى أي حد ذلك أن هذا كلام الملوك لا يتنزل إلا بقدر معلوم وماذا يعني الداعي إلى أصل الإيمان أن يتمد التطابق بين الأديان إلى فروعها


الصفحة التالية
Icon