المطوية في كلمة هنا وحرف هناك ثم أدار الأسلوب إدارة عجيبة وأمر عليها جندرة البيان صناع فأحكم بها خلقه وسواه ثم نفخ فيه من روحه فإذا هو مصقول أملس وإذا هو نير مشرق لا تشعر النفس بما كان فيه من حذف وطي ولا بما صار إليه من استغناء واكتفاء إلا بعد تأمل وفحص دقيق لا نكران أن العرب كانت تعرف شيئا من الحذف في كلامها وترى ذلك من الفضيلة البيانية متى قامت الدلائل اللائحة على ذلك المحذوف ولو كان من أجزاء الجملة ومقوماتها فإذا قيل للعربي أين أخوك قال في الدار وإذا قيل له من في الدار قال أخي ولو قال أخي في الدار لعد ذلك منه ضربا من اللغو والحشو لكن الشأو الذي بلغه القرآن في هذا الباب كغيره من أبواب البلاغة ليس في متناول الألسنة والأقلام ولا في متناول الأماني والأحلام خذ لذلك مثلا قوله تعالى ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغينهم يعمهون الآية مسوقة في شأن منكري البعث الذي قال لهم النبي إن رسول الله إليكم وإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقالوا متهكمين اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فلما لم يجبهم الله إلى اقتراحهم وأخر عنهم العذاب إلى ساعته المحدودة أطغاهم طول الأمن والدعة والعافية الحاضرة حتى نسوا ريب الدهر وأمنوا مكر الله فجعلوا يستعجلون بالشر استعجالهم بالخير ويقولون متى هو وما يحبسه لو كان آتيا


الصفحة التالية
Icon