أراد القرآن أن يقول في جواب هذا الاستعجال لو كانت سنة الله قد مضت بأن يعجل للناس الشر إذا استعجلوه كتعجيله لهم الخير إذا استعجلوه لتعجله لهؤلاء ولكنه قد جرت سنته التي لا تتبدل بأن يمهل الظالمين ويؤخر حسابهم إلى أجل مسمى وعلى وفق النظام المسنون سيترك هؤلاء وشأنهم حتى يجيء وقتهم هذا هو الوضع الذي يوضع عليه الكلام في ألسنة الناس وفي طبيعة اللغة لتأدية المعنى الإجمالي الذي ترمي إليه الآية فانظر ماذا جرى كان الكلام في وضعه العادي مؤلفا من قضايا ثلاث اثنتان منها بمثابة المقدمات والثالثة بمنزلة النتجية فاقتصر القرآن على الأولى والأخيرة أما الوسطى وهي الاستدارك أو الاستثنائية كما يسميها علماء المنطق فقد طواها طيا وكانت المقدمة الأولى في وضعها الساذج تتألف من أربعة أطراف تعجيل من الله في الخير وفي الشهر واستعجال من الناس كذلك ولكن الكلام هاهنا ليس فيه إلا تعجيل واحد من الله واستعجال واحد من الناس وكانت المقابلة في التشبيه بحسب الظاهر إنما هي بين تعجيل وتعجيل أو بين استعجال واستعجال فأدير الكلام في الآية على وجه غريب وجعلت المشابهة بين تعجيل واستعجال وبعد هذا التصرف كله هل ترى كلاما مبتورا أو طريقا ملتويا يتغير فيه الفهم أم ترى مغزى الآية لائحا للعامة والخاصة كالبدر ليس دونه سحاب فارجع إلى طلب شيء من أسرار البيان وقل كيف جاء هذا الإشراق مع هذا الاختصار البليغ