ويعرض عليه نهايتهم التعيسة في سلسلة من مشاهد القيامة :«الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا».. «بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً. إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً. وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً. لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً».. «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ : يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يا وَيْلَتى ! لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا..»
ويسليه بأن مثله مثل الرسل كلهم قبله :«وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ».. «وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ. وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً».
ويكلفه أن يصبر ويصابر، ويجاهد الكافرين بما معه من قرآن، واضح الحجة قوي البرهان عميق الأثر في الوجدان :«فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً»..
ويغريه على مشاق الجهاد بالتوكل على مولاه :«وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ، وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً»..
وهكذا تمضي السورة : في لمحة منها إيناس وتسرية وعطف وإيواء من اللّه لرسوله. وفي لمحة منها مشاقة وعنت من المشركين لرسول اللّه - ﷺ - وتتبير ونكال من اللّه الكبير المتعال. حتى تقرب من نهايتها، فإذا ريح رخاء وروح وريحان، وطمأنينة وسلام.. وإذا صورة «عباد الرحمن».. «الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً، وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً..» وكأنما تتمخض عنهم معركة الجهاد الشاقة مع البشرية الجاحدة الضالة المعاندة المشاقة وكأنما هم الثمرة الحلوة الجنية الممثلة للخير الكامن في شجرة البشرية ذات الأشواك.
وتختم السورة بتصوير هوان البشرية على اللّه، لولا تلك القلوب المؤمنة التي تلتجئ إليه وتدعوه :«قُلْ : ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ. فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً»..
هذه هي ظلال السورة وذلك هو محورها الذي تدور عليه، وموضوعها الذي تعالجه. وهي وحدة متصلة، يصعب فصل بعضها عن بعض. ولكن يمكن تقسيمها إلى أربعة أشواط في علاج هذا الموضوع.
يبدأ الشوط الأول منها بتسبيح اللّه وحمده على تنزيل هذا القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا. وبتوحيد اللّه المالك لما في السماوات والأرض، المدبر للكون بحكمة وتقدير، ونفي الولد والشريك. ثم يذكر اتخاذ المشركين مع ذلك آلهة من دونه لا يخلقون شيئا وهم يخلقون.. كل أولئك قبل أن يحكي مقولاتهم المؤذية عن الرسول - ﷺ - من تكذيبه فيما جاءهم به، وادعائهم أنه إفك افتراه، وأنه أساطير الأولين اكتتبها. وقبل أن يحكي اعتراضاتهم على بشرية الرسول وحاجته للطعام والمشي في الأسواق، واقتراحاتهم أن ينزل عليه ملك أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنة يأكل منها. وقحتهم في وصفه - ﷺ -


الصفحة التالية
Icon