أمر عليه السلام بأن يُحاجَّهم بكتابهم الناطقِ بأن تحريمَ ما حُرِّم عليهم تحريمٌ حادثٌ مترتِّبٌ على ظلمهم وبغيهم كلما ارتكبوا معصيةً من المعاصي التي اقترفوها حُرِّم عليهم نوعٌ من الطيبات عقوبةً لهم ويكلّفهم إخراجَه وتلاوتَه ليُبَكِّتَهم ويُلقِمَهم الحجَرَ ويُظهرِ كذِبَهم وإظهارُ اسم التوراةِ لكون الجملةِ كلاماً مع اليهود منقطعاً عما قبله وقوله تعالى
﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ أي في دعواكم أنه تحريمٌ قديمٌ وجواب الشرط محذوف لدلالة المذكور عليهِ أيْ إنْ كنتُم صادقين فأتوا بالتوراة فاتلوها فإن صدْقَكم مما يدعوكم إلى ذلك اْلبتةَ روي أنهم لم يجسَروا على إخراج التوراةِ فبُهتوا وانقلبوا صاغرين وفي ذلك من الحجة النيرة على صدق النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم وجوازِ النسخ الذي يجحَدونه مالا يخفى والجملةُ مستأنفةٌ مقرِّرة لما قبلها
﴿فَمَنِ افترَى عَلَى الله الكذبَ﴾ أي اختلقه عليه سبحانه بزعمه أنه حرَّم ما ذُكر قبل نزولِ التوراةِ على بني إسرائيلَ ومن تقدَّمهم من الأمم
﴿مِن بَعْدِ ذلك﴾ مّن بَعْدِ مَا ذُكر من أمرهم بإحضار التوراةِ وتلاوتِها وما ترتب عليه من التبكيت والإلزامِ والتقييدُ به للدَلالة على كمال القبحِ
﴿فَأُوْلَئِكَ﴾ إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلةِ والجمعُ باعتبارِ معناه كما أن الإفراد في الصلة باعتبار لفظِه وما فيه من معنى البعد للإيذانِ ببُعد منزلِتهم في الضلال والطُغيان أي فأولئك المُصِرُّون على الافتراء بعد ما ظهرت حقيقةُ الحال وضافت عليهم حَلْبةُ المُحاجَّة والجدالِ
﴿هُمُ الظالمون﴾ المفْرِطون في الظلم والعُدوان المُبْعِدون فيهما والجملةُ مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب مَسوقةٌ من جهته تعالى لبيان كمالِ عُتوِّهم وقيل هي في محل النصبِ داخلةٌ تحت القولِ عطفاً على قوله تعالى فَأْتُواْ بالتوراة
﴿قُلْ صَدَقَ الله﴾ أي ظهر وثبت صِدقُه تعالى فيما أنزل في شأن التحريمِ وقيل في قوله تعالى ﴿مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيّا﴾ الخ أو صَدَق في كلِّ شأنٍ من الشئون وهو داخلٌ في ذلك دخولاً أولياً وفيه تعريضٌ بكذبهم الصريح
﴿فاتبعوا مِلَّةَ إبراهيم﴾ أيْ ملةَ الإسلامِ التي هي في الأصل ملة إبراهيم عليه السلام فإنكم ما كنتم متّبعين لمِلّته كما تزعُمون أو فاتبعوا مثل مِلَّته حتى تتخلصوا من اليهودية التي اضطَرَّتْكم إلى التحريف والمكابرة وتلفيقِ الأكاذيبِ لتسوية الأغراضِ الدنيئةِ الدنيويةِ وألزمتكم تحريمَ طيباتٍ محلَّلةٍ لإبراهيمَ عليه السلام ومن تبعه والفاءُ للدِلالة على أن ظهورَ صدقِه تعالى موجبٌ للاتباع وتركِ ما كانوا عليه
﴿حَنِيفاً﴾ أي مائلاً عن الأديان الزائغةِ كلِّها
﴿وَمَا كَانَ مِنَ المشركين﴾ أي في أمر من أمور دينِه أصلاً وفرعاً وفيه تعريضٌ بإشراك اليهودِ وتصريحٌ بأنه عليه السلام ليس بينه وبينهم علاقةٌ دينيةٌ قطعاً والغرضُ بيانُ أن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم على دين إبراهيمَ عليه السلام في الأصول لأنه لا يدعو إلا إلى التوحيد والبراءةِ عن كل معبودٍ سواه سبحانه وتعالى والجملةُ تذييلٌ لما قبلَها
﴿إن أوَّلُ بيت وُضع لِلنَّاسِ﴾ شروعٌ في بيان كفرِهم ببعض آخر