تفسير سورة الرّوم

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة الروم من كتاب مجاز القرآن
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ آلم غُلِبَتِ الرُّومُ ﴾ ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتي مجازهن مجاز حروف التهجي ومجاز موضعه في المعنى كمجاز ابتداء فواتح سائر السور.
﴿ فيِ بِضْعِ سِنِينَ ﴾ والبضع ما بين ثلاث سنين وخمس سنين.
﴿ وَعْدَ الّلهِ لاَ يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ ﴾ ﴿ وعد الله ﴾ منصوب من موضعين أحدهما : على قولك : وهم من بعد غلبهم سيغلبون، وعداً من الله فصار في موضع مصدر ﴿ سيغلبون ﴾ وقد ينصبون المصدر إذا كان غير المصدر الفعل الذي قبله لأنه في موضع مصدر ذلك الفعل، والثاني : لأنه قد يجوز أن يكون في موضع " فعل " وفي موضع " يفعل " منه قال أبو عمرو بن العلاء والبيت لكعب :
تَسَعى الوُشاةُ جنَابَيها وقِيلَهمُ إنك يا بن أبي سُلْمَى لمَقتولُ
أي ويقولون فلذاك نصب " وقيلَهم ".
﴿ وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا ﴾ أي استخرجوها، ومنه قولهم : أثار ما عندي : أي استخرجه، وأثار القوم : أي استخرجهم.
﴿ وَيَوْمَ تَقومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ أي يتندمون ويكتئبون وييأسون.
قال العجاج :
يا صاح هل تعرف رَسْماً مُكرَساً قال نعم أعرفه وأَبْلسَا
﴿ في رَوْضَة يُحْبَرُونَ ﴾ مجازه : يفرحون ويسرون وليس شيء أحسن عند العرب من الرياض المعشبة ولا أطيب ريحاً قال الأعشى :
ما روضةٌ من رِياض الحَزْن مُعْشِيبةٌ خَضراءُ جادَ عليها مُسبِلٌ هَطِلٌ
يوماً بأَطْيبَ مِنها نَشْر رَائحةٍ ولا بأَحسنَ منها إذ دنَا الأُصُلُ
وقال العجاج :
والحمد لله الذي أعطى الحَبْر مَوالِيَ الحقِّ إنّ المَوْلَى شَكرْ
ويقال في المثل : مليت بيوتهم حبرةٍ فهم ينتظرون العبرة.
﴿ مَنَامُكُمْ بِالَّلْيِل وَالنَّهَارِ ﴾ وهي من مصادر النوم بمنزلة قام يقوم مقاما، وقال يقول مقالاً.
﴿ كُلٌّ لَّهُ قاَنتِونَ ﴾ أي مطيعون و ﴿ كلٌ ﴾ لفظه لفظ الواحد ويقع معناه على الجميع فهو هاهنا جميع وفي الكلام : كل له مطيع أيضاً.
﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ مجازه أنه خلقه ولم يكن من البدء شيئا ثم يحيه بعد موته ﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ فجاز مجازه : وذلك هين عليه لأن " أفعل " يوضع في موضع الفاعل قال :
لعمرك ما أدري وإني لأَوْجَلُ على أيَّنا تعدو المَنِيَّة أوَّلُ
أي وإني لواجلٌ أي لوجلٌ، وقال :
فتلك سبيلٌ لست فيها بأَوْحَدِ ***
أي بواحد وفي الأذان : الله أكبر أي الله كبير. وقال الشاعر :
أصبحتُ أمنحُك الصُّدُودَ وإنني قسماً إليك مع الصدود لأَميَلُ
وقال الفرزدق :
إن الذي سَمَكَ السماء بَنَى لنا بيتا دعائمُه أَعزُّ وأطوَلُ
أي عزيزة طويلة، فإن احتج محتجٌ فقال إن الله لا يوصف بهذا وإنما يوصف به الخلق فزعم أنه وهو أهون على الخلق وإن الحجة عليه قول الله ﴿ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسيراً ﴾ وفي آية أخرى ﴿ وَلاَ يَؤُدُهُ حِفْظُهمَا ﴾ أي لا يثقله.
﴿ فِطْرَةَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ أي صبغة الله التي خلق عليها الناس، وفي الحديث : كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه الذين يهودانه وينصرانه أي على الملة والصبغة وهي واحدة وهي العهد الذي كان أخذه الله منهم ونصبوها على موضع المصدر وإن شئت فعلى موضع الفعل قال :
إنّ نِزاراً أَصبحت نِزارا ً*** دعوة أبرارٍ دعوا أبرارا
﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾ أي راجعين تائبين.
﴿ كَانُوا شِيَعاً ﴾ أي أحزاباً فرقا.
﴿ كلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ أي كل شيعة وفرقة بما عندهم
فتمتعوا فسوف تعلمون مجازه مجاز التوعد والتهديد وليس بأمر طاعة ولا فريضة
﴿ إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ أي يئسون قال حميد الأرقط :
قد وجدوا الحَجْاج غير قانطِ ***
﴿ فلاَ يَرْبُو عِنْدَ اللّهِ ﴾ أي لا يزيد ولا يمني.
﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رِزَقَكْم ثمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِكُمْ هَلْ منْ شُرَكائِكْم مَن يَّفْعَلُ مِنْ ذلِكم مِّنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ مجازه : من يفعل من ذلكم شيئاً، " من " من حروف الزوائد وقد أثبتنا تفسيره في غير مكان وجاء " من ذلكم " وهو واحد وقبله جميع قال :﴿ خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحيكم ﴾ والعرب قد تفعل مثل ذلك قال رؤبة بن العجاج :
فيها خطوطُ مِن سَوادٍ وبَلَقْ كأنه في الجِلد توليع البَهَقْ
يريد كأن ذاك ولم يرد خطوطاً فيؤنثه ولا سواداً أو بلقاً فيثنيه وهذا كله يحاجهم به القرآن وليس باستفهام ب ﴿ هل ﴾ ومعناه : ما من شركائكم مني فعل ذلك، ومجاز ﴿ سبحانه ﴾ مجاز موضع التنزيه والتعظيم والتبرؤ قال الأعشى :
أقول لمّا جاءني فخرهُ سُبْحاَن مِن عَلْقَمة الفاخرِ
يتبرؤ من ذلك له ؛ وتعالى أي علا عن ذلك.
﴿ يَوْمَئِذِ يَّصَّدَّعُونَ ﴾ أي يتفرقون ويتخاذلون.
﴿ مَنْ عَمِل صَالِحاً فَلأِنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾ مَن يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث ومجازها هاهنا مجاز الجميع " ويَمهَد " أي يكتسب ويعمل ويستعد قال سليمان بن يزيد العدوي :
أمهِدْ لنفسك حان السُقم والتلَف ولا تُضِعينّ نفساً مالها خَلَفُ
﴿ فَتُثِيرُ سَحاَباً ﴾ مجازه : تجمع وتستخرج.
﴿ الوَدْقَ ﴾ والقطر واحد قال :
فلا مُزْنةٌ ودقت وَدْقَها ولا أرضٌ أبقل أبقالها
﴿ مِنْ خِلاَلِهِ ﴾ أي من بينه.
﴿ فَانْظُرْ إِلى آنَارِ رَحْمَةِ اللِه كَيْفَ يُحْيِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ المحيي الموتى هو الله ولم تقع هذه الصفة على رحمة الله ولكنها وقعت على أن الله هو محيي الموتى وهو على كل شيء قدير. والعرب قد تفعل ذلك فتصف الآخر وتترك الأول يقولون : رأيت غلام زيدٍ أنه عنه لحليم أي أن زيداً عن غلامه وعن غيره لحليم.
﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً ﴾ الهاء هاهنا للأثر كقولك : فرأوا الأثر مصفراً ومعناه النبات.
﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ﴾ أي صغاراً أطفالاً.
﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضُعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدَ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشِيبَةً ﴾ أي الكبر بعد القوة.
﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ ﴾ يقال للسيف إذا جرب وصديء : قد طبع السيف وهو أشد الصدأ.
سورة الروم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الرُّومِ) من السُّوَر المكية، وهي السورة الوحيدة التي ذُكِر فيها (الرُّومُ)؛ ولهذا سُمِّيت بهذا الاسم، وقد اشتمَلتْ هذه السورة الكريمة على الإخبارِ بغيبِ المستقبَل؛ من أن (الرُّومَ) سيكونون غالبين بعد أن كانوا مغلوبين، وفي ذلك تأكيدٌ لصِدْقِ النبي صلى الله عليه وسلم، ومقصودُ السورة عظيم؛ ألا وهو: ردُّ الأمر كلِّه لله، مِن قبلُ ومِن بعدُ؛ مما يدعو كلَّ مؤمن إلى صدقِ التوكل عليه، والالتجاء إليه، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في الفجر.

ترتيبها المصحفي
30
نوعها
مكية
ألفاظها
817
ترتيب نزولها
84
العد المدني الأول
60
العد المدني الأخير
59
العد البصري
60
العد الكوفي
60
العد الشامي
60

* سورةُ (الرُّومِ):

سُمِّيت سورةُ (الرُّومِ) بذلك؛ لأنه ورَد فيها ذِكْرُ (الرُّومِ)، ولم يَرِدْ في غيرها من القرآن.

* أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورةَ (الرُّومِ) في الفجرِ:

عن أبي مالكٍ الأغَرِّ المُزَنيِّ رضي الله عنه، قال: «صلَّيْتُ مع النبيِّ ﷺ، فقرَأَ سورةَ الرُّومِ في الصُّبْحِ». أخرجه الطبراني (٨٨٤).

اشتمَلتْ سورة (الرُّومِ) على عِدَّةِ موضوعات؛ وهي:

1. الإخبار عن غيب المستقبَل (١-٧).

2. التفكير في مخلوقات الله يدل على وجوده، وهو الذي يُعِيد خَلْقَ الإنسان يوم القيامة (٨-١٦).

3. تنزيه الله وَحْده، وأدلة وجوده وربوبيَّتِه سبحانه وتعالى (١٧-٢٧).

4. إثبات الوَحْدانية، وبطلان الشِّرك، والأمر باتباع الإسلام (٢٨-٣٢).

5. لجوء الناس إلى الله عند الشدائد، وإعراضهم عند زوالها (٣٣-٣٧).

6. الحث على الإنفاق لذوي الأرحام، والتحذير من المال الحرام (٣٨-٤٠).

7. جزاء المفسدين والمؤمنين (٤١-٤٥).

8. الرِّياح والأمطار دالة على قدرة الله تعالى، وتشبيهُ الكفار بالموتى (٤٦-٥٣).

9. أطوار حياة الإنسان، قَسَمُ المجرمين في الآخرة (٥٤-٥٧).

10. الأمثال للعِبْرة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على الدعوة (٥٨-٦٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /4).

إثباتُ الأمرِ كلِّه لله عزَّ وجلَّ؛ فهو صاحب الحقِّ، المتصفُ بالرُّبوبية والألوهية وكلِّ صفات الكمال، والقادرُ على كل شيء، فيأتي البعثُ، ونصرُ أوليائه، وخِذْلان أعدائه؛ وهذا هو المقصود بالذات، واسمُ السورة واضح فيه؛ بما كان من السبب في نصرِ (الرُّوم) من الوعد الصادق، والسرِّ المكتوم، ومن أعظم ما اشتملت عليه: التصريحُ بأن الإسلامَ دِينٌ فطَر اللهُ الناسَ عليه، وأن مَن ابتغى غيرَه دِينًا فقد حاول تبديلَ ما خلَق الله، وأنَّى له ذلك؟!

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /349)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /41).