وآياتها ستون
كلماتها ٨١٩- حروفها ٣٥٣٤
ﰡ
﴿ الم١ غلبت الروم٢ في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون٣ في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون٤ بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم٥ وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون٦ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون٧ ﴾
﴿ الم ﴾ قد تكون من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، وربما يراد بها التحدي، إذ الألف واللام والميم منها ومن الحروف التي على شاكلتها يتألف الكتاب العزيز، وبها ينطق العرب، ومنها يتكون كلامهم، ومع هذا عجزوا عن الإتيان بما يشبه القرآن الكريم، وسيظلون عاجزين، فثبت أن الذكر الحكيم ليس من كلام البشر، وإنما هو من كلام رب القوى والقدر.
﴿ غلبت الروم ﴾ القوم المعروفون، أصحاب الامبراطورية التي تدين بالنصرانية، وتمتد دولتهم- حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم- إلى مشارف أرض الحجاز، غلبتهم دولة فارس المجاورة، وهزمتهم الملوك الأكاسرة.
﴿ غلبهم ﴾ هزيمتهم.
﴿ في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ﴾ وكانت هزيمتهم آنذاك في أرض أقرب ما تكون إلى الحجاز أو الشام أو إلى فارس، واعلموا أيها الناس أن الروم بعد تلك الهزيمة سيظفرون بعدوهم ويغلبونه.
﴿ في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ﴾ وسيتحقق ظفرهم بعدوهم في أمد أقل من عشر سنين، والله المعبود بحق يداول بين الناس، وهو المدبر المسيطر من قبل الغلب ومن بعده، له الحكم فيما مضى وفيما هو آت، وحين يظفر الروم بالفرس ستفرحون معاشر المؤمنين، فقد أنبأكم عالم الغيب بما غاب عن البشر، وحين يقع ما جاءكم من أنباء الغيب سيزداد المؤمنون إيمانا، ويستيقن الذين أوتوا الكتاب، ومن شرح الله صدره للحق أن القرآن وحي الله الحكيم، أو سيتوافق وقت ظفرهم مع يوم نصر لكم على عدوكم.
٢ سورة يس. الآية ٨٢..
وجمهور من المفسرين أطالوا القول في سبب نزول تلك الآيات، وأوردوا كثيرا من المأثور- يرفعونه- لكن ما ساقوه ليس فيه ما يبلغ درجة الصحيح، بل أكثره محكوم عليه بالغرابة.
وقد يكون من حكمة المولى اللطيف الخبير في سوق تلك البشرى أن تطمئن القلوب إلى أن من حولهم من الجبارين المتكبرين سيغلبون، وما من يد إلا يد الله فوقها، )والله من ورائهم محيط( ٢، وأن المولى سيمن على المستضعفين، ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين، وفيه عبرة الله يداول الأيام بين الناس، وأن كتابه يعلم من أحوال الأمم فليكونوا من ذلك على بصيرة.
٢ سورة البروج. الآية ٢٠..
هي الدنيا تقول بملء فيها | حذار حذار من سفكي وفتكي |
ولا يغرركم طول ابتسامي | فقولي مضحك والفعل مبكي |
أتمادى الجاهلون بحقيقة الآخرة، التاركون لها المنصرفون عنها، ولم يتفكروا بأفئدتهم ونفوسهم في أن خلق السماوات والأرضين وما فيهما ومن عليهما ما هو إلا خلق ملتبس بالحق الذي لا جور فيه، ولا لهو ولا غيث ؟ وأنه إلى حين ووقت علمه الله سبحانه، ﴿ وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ﴾ فكأن الغفلة عن الآخرة تسلم إلى تكذيبها وإنكارها، كما جاء في قول ربنا الحق :)بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون( ١.
٢ سورة الشعراء. الآيات: ١٣٢، ١٣٣، ١٣٤..
٣ سورة الفجر. الآيتان ٧، ٨..
٤ سورة الحجر. الآية ٨٢..
٥ سورة الأعراف. من الآية ٧٤..
٦ سورة الشعراء. الآيتان ١٢٨، ١٢٩..
٧ سورة الشعراء. الآيات: ١٣٦، ١٣٧، ١٣٨..
٨ سورة يونس. الآية ٤٤..
﴿ ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون١٢ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين١٣ ويم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون١٤ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون١٥ وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون١٦ ﴾
يوم يقوم الناس لرب العالمين، يذهل المجرمون، )هذا يوم لا ينطقون. ولا يؤذن لهم فيعتذرون( ١( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون( ٢، وهذا في حال من أحوال يوم التغابن والحسرة وأهواله، وفي حال أخرى يتركون ليشهدوا ويقروا بما كانوا قد عملوا، فإذا اعترفوا بذنوبهم فسحقا لهم. )وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير( ٣ وقد يستمرئون الزور والكذب حتى في اليوم الحق :)يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون( ٤ وذلك إفكهم وما كانوا يفترون.
)ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين( ٥ فعند ذلك يخرس لسانه ويقال لأركانه وجوارحه انطقي فتنطق :) حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون. وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون. وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين. فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين( ٦، وهكذا في حال يستطيعون أن يجادلوا عن أنفسهم، فإذا جادلوا بالباطل منعوا الكلام، واستنطقت جوارحهم، ونشرت صحائف أعمالهم، واستشهد الملائكة الكتبة الحفظة الذين كانوا ينسخون ويكتبون ما كان من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم.
٢ سورة يس. الآية ٦٥..
٣ سورة الملك. الآية ١٠..
٤ سورة المجادلة. الآية ١٨..
٥ سورة الأنعام. الآية ٢٣..
٦ سورة فصلت. الآيات من: ٢٠ إلى ٢٤..
﴿ يتفرقون ﴾ يتفرق المحشورون يوم الجمع إلى فريقين، فريق في الجنة وفريق في السعير.
﴿ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين ﴾ والمجرمون ليس لهم يوم الحساب من شافعين، ولا صديق حميم، فأما ما أشركوه بالله تعالى في العبادة فإنه خاذلهم يومئذ لا محالة :)واتخذوا من الله آلهة ليكونوا لهم عزا. كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا( ١ )وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين( ٢.
وأما من شاركوهم في الضلال، ودعوهم إلى الغي والخبال، فإنهم لا عنوهم إذ يتخاصمون في النار ).. كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون. وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون( ٣، ويقر المضللون أنهم هلكوا بطاعة الكبراء والمتسلطين )وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا. ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا( ٤، ولم يشفعوا لهم مع أنهم سبب كفرهم﴿ وكانوا ﴾ الواو قد تكون حالية، والفعل ليس لما مضى بل للدلالة على الاستمرار، وفي الآخرة لن يقترن الصالحون والمجرمون في مستقر واحد أبدا )فأما من طغى. وآثر الحياة الدنيا. فإن الجحيم هي المأوى. وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. فإن الجنة هي المأوى( ٥.
٢ سورة الأحقاف. الآية ٦..
٣ سورة الأعراف. من الآية ٣٨، والآية ٣٩..
٤ سورة الأحزاب. الآيتان: ٦٧-٦٨..
٥ سورة النازعات. الآيات: من ٣٧ إلى ٤١..
﴿ يتفرقون ﴾ يتفرق المحشورون يوم الجمع إلى فريقين، فريق في الجنة وفريق في السعير.
﴿ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين ﴾ والمجرمون ليس لهم يوم الحساب من شافعين، ولا صديق حميم، فأما ما أشركوه بالله تعالى في العبادة فإنه خاذلهم يومئذ لا محالة :)واتخذوا من الله آلهة ليكونوا لهم عزا. كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا( ١ )وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين( ٢.
وأما من شاركوهم في الضلال، ودعوهم إلى الغي والخبال، فإنهم لا عنوهم إذ يتخاصمون في النار ).. كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون. وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون( ٣، ويقر المضللون أنهم هلكوا بطاعة الكبراء والمتسلطين )وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا. ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا( ٤، ولم يشفعوا لهم مع أنهم سبب كفرهم﴿ وكانوا ﴾ الواو قد تكون حالية، والفعل ليس لما مضى بل للدلالة على الاستمرار، وفي الآخرة لن يقترن الصالحون والمجرمون في مستقر واحد أبدا )فأما من طغى. وآثر الحياة الدنيا. فإن الجحيم هي المأوى. وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. فإن الجنة هي المأوى( ٥.
٢ سورة الأحقاف. الآية ٦..
٣ سورة الأعراف. من الآية ٣٨، والآية ٣٩..
٤ سورة الأحزاب. الآيتان: ٦٧-٦٨..
٥ سورة النازعات. الآيات: من ٣٧ إلى ٤١..
﴿ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون ﴾ الذين صدق يقينهم، وصح إيمانهم، وصلحت أعمالهم، واستقامت على الدين حياتهم، يجزيهم ربهم بإيمانهم وصالح أعمالهم نعيم الجنات العاليات، ورياضها ذات الأنهار والبساتين المثمرات، وهم في هذا السلام والإكرام مسرورون خالدون، والعرب لا تعد المكان روضة إلا إذا جمع بين الماء والخضرة والنماء.
﴿ وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون ﴾ ومهما اتسعت الرحمة في الآخرة فإنها يختص بها أهل الإيمان، وصدق الله العظيم ).. وكان بالمؤمنين رحيما. تحيتهم يوم يلقونه سلام.. ( ١ فأما أهل الجحود وغمط النعمة، والمكذبون بالحق، ووعد الصدق، فما أبعدهم عن الرحمة، وليس لهم سوى نزل الحميم، ودركات الجحيم مستقرا وإقامة.
سبحوا الله تعالى ونزهوه، وأجلوه عن كل نقص ومجدوه كلما أمسيتم، وكلما أصبحتم، فهو كإرشاده سبحانه :)وسبحوه بكرة وأصيلا( ١ في البكور وفي الأصائل قدسوا ربكم المعبود بحق، وطهروه عما لا يليق به عز وجل، وأثنوا عليه واشكروا له مساء وصبحا كذلك، فإنه المحمود في الأرض وفي السماء، فإن ملأ السماء يسبحون بحمده ويقدسون له، والذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم )تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم.. ( ٢ )ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض.. ( ٣ )تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده.. ( ٤.
﴿ وعشيا ﴾ من الغروب إلى العتمة، وما بعد زوال الشفق الأحمر من الأفق الغربي، أو إلى طلوع الفجر، وهكذا يفرق بينه وبين المساء بأن المساء يكون من بعد الظهر إلى غروب الشمس، ونقلوا عن أمية بن أبي الصلت :
الحمد لله ممسانا ومصبحنا | بالخير صبحنا ربي ومسانا |
﴿ ويخرج الميت من الحي ﴾ وهو سبحانه بحكمته وقدرته قد يجعل الحي سببا يتولد عنه الميت، أعم من أن تكون الحياة حسية أو معنوية، فقد يلد المؤمن كافرا، والنابه خاملا، ونحن نشاهد أن الهشيم والحطام والحب يخرج من النبات الهائج الأخضر النضر، ﴿ ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ﴾ وربنا الفعال لما يريد هو المبدئ المعيد، ولقد أرانا من آثار إبداعه، وعلمنا من محكم تنزيله ما يزيد اليقين في اقتدار مولانا الملك المتين، )فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير( ٦ )ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير( ٧ )والذي نزل من السماء ماء فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون( ٨.
٢ سورة الشورى. من الآية ٥..
٣ سورة النور. من الآية ٤١..
٤ سورة الإسراء. من الآية ٤٤..
٥ ما بين العارضتين مما أورد ابن كثير..
٦ سورة الروم. الآية ٥٠..
٧ سورة فصلت. الآية ٣٩..
٨ سورة الزخرف. الآية ١١..
سبحوا الله تعالى ونزهوه، وأجلوه عن كل نقص ومجدوه كلما أمسيتم، وكلما أصبحتم، فهو كإرشاده سبحانه :)وسبحوه بكرة وأصيلا( ١ في البكور وفي الأصائل قدسوا ربكم المعبود بحق، وطهروه عما لا يليق به عز وجل، وأثنوا عليه واشكروا له مساء وصبحا كذلك، فإنه المحمود في الأرض وفي السماء، فإن ملأ السماء يسبحون بحمده ويقدسون له، والذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم )تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم.. ( ٢ )ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض.. ( ٣ )تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده.. ( ٤.
﴿ وعشيا ﴾ من الغروب إلى العتمة، وما بعد زوال الشفق الأحمر من الأفق الغربي، أو إلى طلوع الفجر، وهكذا يفرق بينه وبين المساء بأن المساء يكون من بعد الظهر إلى غروب الشمس، ونقلوا عن أمية بن أبي الصلت :
الحمد لله ممسانا ومصبحنا | بالخير صبحنا ربي ومسانا |
﴿ ويخرج الميت من الحي ﴾ وهو سبحانه بحكمته وقدرته قد يجعل الحي سببا يتولد عنه الميت، أعم من أن تكون الحياة حسية أو معنوية، فقد يلد المؤمن كافرا، والنابه خاملا، ونحن نشاهد أن الهشيم والحطام والحب يخرج من النبات الهائج الأخضر النضر، ﴿ ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ﴾ وربنا الفعال لما يريد هو المبدئ المعيد، ولقد أرانا من آثار إبداعه، وعلمنا من محكم تنزيله ما يزيد اليقين في اقتدار مولانا الملك المتين، )فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير( ٦ )ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير( ٧ )والذي نزل من السماء ماء فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون( ٨.
٢ سورة الشورى. من الآية ٥..
٣ سورة النور. من الآية ٤١..
٤ سورة الإسراء. من الآية ٤٤..
٥ ما بين العارضتين مما أورد ابن كثير..
٦ سورة الروم. الآية ٥٠..
٧ سورة فصلت. الآية ٣٩..
٨ سورة الزخرف. الآية ١١..
سبحوا الله تعالى ونزهوه، وأجلوه عن كل نقص ومجدوه كلما أمسيتم، وكلما أصبحتم، فهو كإرشاده سبحانه :)وسبحوه بكرة وأصيلا( ١ في البكور وفي الأصائل قدسوا ربكم المعبود بحق، وطهروه عما لا يليق به عز وجل، وأثنوا عليه واشكروا له مساء وصبحا كذلك، فإنه المحمود في الأرض وفي السماء، فإن ملأ السماء يسبحون بحمده ويقدسون له، والذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم )تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم.. ( ٢ )ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض.. ( ٣ )تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده.. ( ٤.
﴿ وعشيا ﴾ من الغروب إلى العتمة، وما بعد زوال الشفق الأحمر من الأفق الغربي، أو إلى طلوع الفجر، وهكذا يفرق بينه وبين المساء بأن المساء يكون من بعد الظهر إلى غروب الشمس، ونقلوا عن أمية بن أبي الصلت :
الحمد لله ممسانا ومصبحنا | بالخير صبحنا ربي ومسانا |
﴿ ويخرج الميت من الحي ﴾ وهو سبحانه بحكمته وقدرته قد يجعل الحي سببا يتولد عنه الميت، أعم من أن تكون الحياة حسية أو معنوية، فقد يلد المؤمن كافرا، والنابه خاملا، ونحن نشاهد أن الهشيم والحطام والحب يخرج من النبات الهائج الأخضر النضر، ﴿ ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ﴾ وربنا الفعال لما يريد هو المبدئ المعيد، ولقد أرانا من آثار إبداعه، وعلمنا من محكم تنزيله ما يزيد اليقين في اقتدار مولانا الملك المتين، )فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير( ٦ )ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير( ٧ )والذي نزل من السماء ماء فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون( ٨.
٢ سورة الشورى. من الآية ٥..
٣ سورة النور. من الآية ٤١..
٤ سورة الإسراء. من الآية ٤٤..
٥ ما بين العارضتين مما أورد ابن كثير..
٦ سورة الروم. الآية ٥٠..
٧ سورة فصلت. الآية ٣٩..
٨ سورة الزخرف. الآية ١١..
[ ﴿ ومن آياته أن خلقكم من تراب.. ﴾ أي من علامات ربوبيته ووحدانيته أن خلقكم من تراب، أي خلق أباكم منه، والفرع كالأصل... و﴿ أن ﴾ في موضع رفع بالابتداء ومن قدر على هذا فهو أهل للعبادة والتسبيح.. ]١. وفي غرائب القرآن : والانتشار إما بمعنى التردد في الحوائج كقوله :)فانتشروا في الأرض.. ( ٢ وإما بمعنى البث والتفريق، كقوله :).. وبث منهما رجالا كثيرا ونساء.. ( ٣.
٢ سورة الجمعة. من الآية ١٠..
٣ سورة النساء. من الآية ١..
ومن أنعم الكريم الوهاب، وبرهان اقتدار الحكيم الذي خلقنا من تراب، أن أنشأ لنا من جنسنا أزواجا نأنس إليهن، وتسكن النفوس وتستمتع إذ تقترن بهن، ويتراحم الأزواج بما أودع الله في قلوبهم وقلوبهن، ولقد علمنا الإسلام عظم مكانة الزوج من زوجته، والزوجة من زوجها ١، إن في ذلك لعبرة يعتبر بها من يتفكر، وحجة تزيد اليقين، ودليلا على جلال ربنا البر الرحيم.
[ وقال السدي : المودة : المحبة، والرحمة : الشفقة، ... وللرجال خلق البضع منهن، قال الله تعالى :)وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم.. ( ٢ فأعلم الله عز وجل الرجال أن ذلك الموضع خلق منهن للرجال، فعليها بذله في كل وقت يدعوها الزوج، فإن منعته فهي ظالمة وفي حرج عظيم، ويكفيك من ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها " وفي لفظ آخر :" إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح " ]٣ } أورد الألوسي ما حاصله : خلق أصل أزواجكم من حواء، وهي من ضلع آدم عليه السلام، ف﴿ من ﴾ على هذا تبعيضية، ويجوز أن تكون ابتدائية، والأنفس مجاز عن الجنس، أي خلق لكم من جنسكم لا من جنس آخر... ﴿ وجعل بينكم... ﴾ أي بين الأزواج، إما على تغليب الرجال على النساء في الخطاب، أو على حذف ظرف معطوف على الظرف المذكور، أي جعل بينكم وبينهن، كما في قوله تعالى :).. لا نفرق بين أحد من رسله.. ( ٤.. ﴿ مودة ورحمة ﴾.. أي جعل بينكم بالزواج الذي شرعه لكم توادا وتراحما من غير أن يكون بينكم سابقة معرفة، ولا مرابطة مصححة للتعاطف من قرابة أو رحم.. اه
ولقد وصى نبينا صلى الله عليه وسلم كثيرا بالنساء لأنهن عندنا بأمانة الله، واستحللنا فروجهن بكلمة الله، ولأنهن الحفيظات على أزواجهن، كما أثنى على الخيرات منهن الكتاب العزيز :).. فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله.. ( ٥ وهن الحانيات على أولادنا٦، في الصحيحين عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول :" نساء قريش خير نساء ركبن الإبل أحناه على طفل وأرعاه على زوج في ذات يده "
٢ سورة الشعراء. من الآية ١٦٦..
٣ مما أورد القرطبي..
٤ سورة البقرة. من الآية ٢٨٥، وكان المحذوف: لا نفرق بين أحد وآخر أو بين أحد وبين سائر رسله، والله أعلم..
٥ سورة النساء. من الآية ٣٤..
٦ روى أحمد وابن ماجة وغيرهما عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" حاملات والدات مرضعات رحيمات بأولادهن لولا ما يأتين إلى أزواجهن دخل مصلياتهن الجنة" صححه السيوطي، ووافقه العزيزي، يقول الشراح: ذكرت النساء عنده صلى الله عليه وسلم فأشار إلى مدحهن بذلك بشرط أن لا يسئن إلى أزواجهن"دخل مصلياتهن الجنة" جواب لولا: لولا إساءة العشرة وعدم القيام بواجب الأزواج لدخلن الجنة مع السابقين، إذ الحمل والإرضاع من المكارة الشديدة والمشاق، ويحتمل أن المراد: يدخلن الجنة بدون عذاب- وعبر بالماضي لتحقيق الوقوع- وغير مصلياتهن لا يدخلنها حتى يطهرن بالنار إن لم يعف عنهن..
٢ ما بين العارضتين أورده الألوسي..
[ قيل : في هذه الآية تقديم وتأخير، والمعنى : ومن آياته منامكم بالليل، وابتغاؤكم من فضله بالنهار، فحذف حرف الجر لاتصاله﴿ بالليل ﴾ وعطفه عليه، والواو تقوم مقام حرف الجر إذا اتصلت بالمعطوف عليه في الاسم الظاهر خاصة، فجعل النوم بالليل دليلا على الموت، والتصرف بالنهار دليلا على البعث ]١، إن في صنع الله تعالى لعبرا لمن يسمع فيعي ويخشع، ويستيقن بالحق ويتبع، كما جاء في القرآن الكريم :)وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا( ٢
٢ سورة الفرقان. الآية ٦٢..
وعلماء الإعراب يقولون : التقدير : يريكم البرق فترونه خوفا وطمعا، ونقل عن ابن بحر :﴿ خوفا ﴾ أن يكون البرق برقا خلبا لا يمطر- الذي لا غيث فيه كأنه خادع١- وأنشد قول الشاعر :
لا يكن برقك برقا خلبا | إن خير البرق ما الغيث معه |
٢ سورة الأعراف. من الآية ٥٤..
٣ سورة الأنبياء. من الآية ١٠٣..
٤ سورة القمر. الآيتان: ٧و ٨..
وربكم الذي يملك الكون كله، ومن في الكون عبيده، هو- دون سواه- بادئ خلق المخلوقين، المنشئ المصور المبدع لكل المخلوقات، وهو معيدها جل شأنه حين يجيء أمره. لا تتأخر عن ذلك ولا تتوانى، كما أخبرنا الحق المبين :)إن كانت إلا صيحة واحدة فإذاهم جميعا لدينا محضرون( ١، وبعثهم أحياء بعد موتهم يسير على المهيمن المقتدر هين، وما شيء عليه بعسير، قال أبو عبيدة : ومن جعل﴿ أهون ﴾ يعبر عن تفضيل شيء على شيء فقوله مردود بقوله تعالى :[ )زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير٢ ]٣.. ، والعرب تحمل[ أفعل ] على [ فاعل ]...
وأنشد أحمد بن يحيى :
تمنى رجال أن أموت وإن أمت | فتلك سبيل لست فيها بأوحد |
قال الخليل : المثل : الصفة، أي وله الوصف الأعلى.. ، كما قال :)مثل الجنة التي وعد المتقون.. ( ٤ أي صفتها.. اه.
وهو الذي يقهر ولا يقهر، لا يدافع، ولا يغالب، ولا يمانع، والذي دبر كل شيء بلطف وخبرة، موافقا للصواب على سنن الحكمة.
[ وروى البخاري.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " ]٥.
٢ سورة التغابن. الآية ٧..
٣ ما بين العارضتين أوردته لأنه استشهد بآيتين ليستا في إثبات البعث وهما:)وكان ذلك على الله يسيرا (،)ولا يؤوده حفظهما)يسره الله علي جل جلاله. ونقله عن أبي عبيدة صاحب الجامع لأحكام القرآن..
٤ سورة محمد- عليه السلام- من الآية ١٥..
٥ ما بين العلامتين[ ] أورده ابن كثير حـ ٣. ص ٤٣٠، ٤٣١..
ساق الله تعالى للمكلفين مثلا منتزعا من أنفسهم، وقال قتادة : هذا مثل ضربه الله للمشركين، والمعنى هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله ؟ ! فإذا لم ترضوا بهذا لأنفسكم فكيف جعلتم لله شركاء ؟ ! وجاء المثل في صورة استفهام إنكاري، كأنه قيل : هل شركاؤكم فيما رزقناكم من الأموال وغيرها كائنون من النوع الذي ملكته أيمانكم ؟ ! ف ﴿ شركاء ﴾ مبتدأ مؤخر، و﴿ لكم ﴾ خبر مقدم، و﴿ من ﴾ الأولى لابتداء الغاية، و﴿ من ﴾ الثانية للتبعيض، و﴿ من ﴾ الثالثة للتوكيد، ﴿ فأنتم فيه سواء ﴾ في موضع الجواب للاستفهام الإنكاري، [ تخافونهم أن تستبدوا بالتصرف فيه بدون رأيهم خيفة كائنة مثل خيفة من هو من نوعكم- يعني الأحرار... أي لا ترضون أن يشارككم فيما رزقناكم من الأموال ونحوها مماليككم وهم أمثالكم في البشرية غير مخلوقين لكم بل لله تعالى، فكيف تشركون به سبحانه في المعبودية التي هي من خصائصه تعالى الذاتية مخلوقه١ سبحانه، بل مصنوع مخلوقه جل وعلا حيث تصنعونه بأيديكم ثم تعبدونه ]٢، وفي غرائب القرآن : وفي قوله :﴿ في ما رزقناكم ﴾ إشارة إلى أن الذي هو لكم ليس في الحقيقة لكم، وإنما الله استخلفكم فيه ورزقكموه من فضله. اه مثل ذلك التبيين الواضح نبين الحجج بالغة قاطعة- إذ التمثيل تصوير للمعاني المعقولة بصورة المحسوس-﴿ لقوم يعقلون ﴾ يفكرون بعقولهم، ويتدبرون في أنفسهم وأحوالهم، وما جاءهم من ربهم - وخصهم بالذكر مع عموم تفصيل الآيات للكل- لأنهم المنتفعون بها.
٢ مما أورد الألوسي..
٢ سورة الأعراف. من الآية ٥..
﴿ وجهك ﴾ قصدك ووجهتك، وعزمك وقوتك- وخص الوجه بالذكر لأنه أشرف الأعضاء.
﴿ حنيفا ﴾ مخلصا، مقبلا على المنهاج، - وأصل الحنف : إقبال إحدى إبهامي الرجل على الأخرى- وكل من أسلم لأمر الله تعالى ولم يلتو فهو حنيف، أو الحنف : الاستقامة، وإنما قيل للمائل الرجل أحنف تفاؤلا بالاستقامة، ويقال للحنيف حنيف لعدوله عن الشرك.
﴿ فطرة ﴾ ابتداء، وإنشاء، وخلقة، وإعدادا، وتهيئة.
﴿ فطر الناس عليها ﴾ خلقهم قابلين لها.
﴿ لا تبديل لخلق الله ﴾ سنة الله تعالى في خلقه الناس قابلين لمعرفة الحق لا تتبدل.
﴿ القيم ﴾ الذي لا عوج فيه : وأمته قيمة بالحق، والذي يقومهم ويسوس أمرهم.
﴿ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون٣٠ * منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين٣١ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون٣٢ ﴾
وبعد أن قامت حجة الله تعالى على المشركين، وأنهم يرفضون ويأبون أن يكون عبيدهم شركاء لهم- فإذا بطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة، والخلق كلهم عبيد الله تعالى، فيبطل أن يكون شيء من العالم شريكا لله تعالى في شيء من أفعاله، فلم يبق إلا أنه واحد يستحيل أن يكون له شريك١وشهد الحق سبحانه أنهم إنما يتبعون في شركهم أهواءهم، ويقلدون آباءهم، وأن ما عبدوه مما لا يعقل سيكون وإياهم من حصب جهنم، وإن كان ممن يعقل يكفر بشركهم، ويتبرأ من زيفهم وغيهم، بعد هذا نادى نبيه والمؤمنين الإقبال على الدين، والتوجه إليه، وعدم التلفت إلى سبيل غير سبيله، وقووا مقصدكم وقوتكم على الجد في العمل له، مخلصين في تسديدكم نحوه، راغبين عن الشرك وأهله، ﴿ فطرة الله التي فطر الناس عليها ﴾ والزموا فطرة الله التي أنشأ عليها خلقه ممن هم من أجناس المكلفين، فقد أنشأهم سبحانه قابلين لمعرفة الله الحق، وهيأهم وأعدهم بما ركب فيهم من قوى مدركة توصلهم إلى العلم بجلال الصانع حين يعاينون إبداع الصنع، وإتقان الخلق- وفسرها الكثير هنا بقابلية الحق والتهييء لإدراكه، وقالوا : معنى لزومها : الجريان على موجبها، وعدم الإخلال به باتباع الهوى، وتسويل شياطين الإنس والجن٢-﴿ لا تبديل لخلق الله ﴾ تعليل للأمر بلزوم فطرته تعالى- قال الإمام : ويحتمل أن يقال : إن الله تعالى خلق خلقه للعبادة وهم كلهم عبيده﴿ لا تبديل لخلق الله ﴾ أي ليس كونهم عبيدا مثل كون المملوك عبدا للإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره، ويخرج عن ملكه بالعتق، بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية٣- مما في الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء٤ هل تحسون فيها من جدعاء٥ " ثم يقول أبو هريرة : واقرؤوا إن شئتم :﴿ فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ﴾، وفي رواية :" حتى تكونوا أنتم تجدعونها " قالوا : يا رسول الله ! أفرأيت من يموت صغيرا ؟ قال :" الله أعلم بما كانوا عاملين " لفظ مسلم، نقل عن طائفة من أهل الفقه والنظر : أن الفطرة الخلقة، وأنكروا أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار، قالوا : وإنما المولود على السلامة في الأغلب خلقة وطبعا وبنية ليس معها إيمان ولا كفر، ولا إنكار ولا معرفة، ثم يعتقدون الكفر والإيمان بعد البلوغ إذا ميزوا، فلما بلغوا استهوتهم الشياطين فكفر أكثرهم، وعصم الله أقلهم، قالوا : ولو كان الأطفال قد فطروا على شيء من الكفر والإيمان في أولية أمورهم ما انتقلوا عنه أبدا، وقد تجدهم يؤمنون ثم يكفرون، قالوا : ويستحيل- في المعقول- أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل كفرا أو إيمانا، لأن الله أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئا، قال الله تعالى :)والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا.. ( ٦.
قال ابن عطية : والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة : أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل التي هي معدة ومهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه، ويؤمن به، ومن مات صغيرا من أولاد المسلمين فهم مع آبائهم في الجنة، وقد روى البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا طويلا، وفيه قوله عليه السلام :" وأما الرجل الطويل فإبراهيم عليه السلام، وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة " قال : فقيل : يا رسول الله، وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" وأولاد المشركين "، وروى مسلم في صحيحه- بسنده- عن عياض المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته " إن ربي عز وجل أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا كل ما نحلته عبادي حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ثم إن الله عز وجل نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت ربي إذا يثلغ رأسي فيدعه خبزة قال استخرجهم كما استخرجوك واغزهم نغزك وأنفق فسننفق عليك وابعث جيشا نبعث خمسة مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك- قال- وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، ورجل عفيف متعفف ذو عيال- قال- وأهل النار خمسة : الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبع لا يبتغون أهلا ولا مالا، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك " وذكر البخيل والكذاب والشنظير الفحاش.
﴿ ذلك الدين القيم ﴾ ذلك الذي وصيتكم بلزومه، والثبات عليه، والتوجه بكليتكم إليه هو الدين الذي لا عوج فيه، وأمته قيمة بالحق- كما يشهد لذلك قول الله سبحانه :).. وذلك دين القيمة( ٧، وهو الذي يقوم نهج العباد، ويسوس أمرهم إلى ما يسعد عاجلهم ومصيرهم، ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ إذ لا يتفكرون، ولو تفكروا لعلموا٨ أن هذا هو النور، وليس بعده إلا الظلمات
٢ مما أورد الألوسي عن طائفة..
٣ مما أورد الألوسي عن طائفة..
٤ جمعاء: سليمة مجتمعة الأعضاء..
٥ مقطوعة عضو. وقد كان أهل الجاهلية يشقون آذان بعض الأنعام أو يسمون عضوا منها، ويقولون: هذه بحيرة، وهذه سائبة، وهذه وصيلة، وهذه حام، يتركونها ترعى ولا يأكلونها، ولا يركبونها..
٦ سورة النحل. من الآية ٧٨..
٧ سورة البينة. من الآية ٥..
٨ يمكن أن يكون الفعل﴿يعلمون﴾ منزل منزلة اللازم، وجائز أن يكون المفعول مقدرا، أي لا يعلمونه..
﴿ منيبين إليه واتقوه ﴾ ومع الأمر بالتوجه إلى الدين الخالص من شوائب الغلو والتفريط، والعنت والحرج، والإقبال على مرضاة الرب المعبود، والوفاء بأمانات الإسلام الذي تهدي إليه الفطرة، وتشهد له مواطن العبرة، وما ينبو عن نوره إلا سيقيم الفكرة، وأكثر البشر أعرضوا عنه لسفه عقولهم، واتباع أهوائهم- بعد هذا عهد إلينا ربنا أن ننيب إليه، ونرجع إلى السبيل الموصلة إلى ثوابه ورضوانه، وأن نحذر ونتقي ما يسخطه، ﴿ وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ﴾ وأن نتم عبادتنا وصلاتنا، ونتحاشى خطوات أعدائنا، ممن أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم.
﴿ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ﴾ من أولئك الذين عبدوا أربابا شتى، ولكل وثن أو إفك من يتابعه ويشايعه، وكل شيعة من تلك الشيع تحسب أنها على شيء، وتظن أنها هديت إلى ما ضل عنه الغير-﴿ وكانوا شيعا ﴾ أي فرقا تشايع كل فرقة إمامها الذي مهد لها دينها وقرره ووضع أصوله﴿ كل حزب بما لديهم ﴾ من الدين المعوج المؤسس على الرأي الزائغ والزعم الباطل﴿ فرحون ﴾ مسرورون ظنا منهم أنه حق-١، يقول صاحب تفسير غرائب القرآن... :﴿ لا تبديل لخلق الله ﴾ نفي في معنى النهي، ألا تبدلوا خلقه الذي فطركم عليه-.... وفيه فساد قول من زعم أن العبادة لتحصيل الكمال فإذا كمال العبد لم يبق عليه تكليف، وفساد الصابئة وبعض أهل الشك أن الناقص لا يصلح لعبادة الله وإنما الإنسان عبد الكوكب، والكواكب عبيد الله، وفساد قول النصارى والحلولية : إن الله يحل في بعض الأشخاص كعيسى وغيره فيصير إلها-٢.
٢ ما بين العارضتين منقول من روح المعاني..
من الناس شكور ومنهم كفور، وأهل الكفران أهل جحود ونكران، فهم إذا لحقهم هزال أو سوء حال، أو أذى أو ضيق وشدة، أو نقص في الأموال دعوا الله مخلصين، وعاهدوه إن نعمهم أن يكونوا من الصالحين، فإذا رحمهم وكشف ضرهم سارعوا إلى ضلالهم القديم، ونسبوا ما آتاهم الله من فضله إلى معبوداتهم الباطلة، من أصنام وكواكب وأنواء، أو وهم وغرور وأهواء، كالذين حدثنا القرآن الكريم عن مكرهم في حجج ربنا وبرهانه، ومسارعتهم في جحود ما آتاهم من فيضه وإحسانه، جاء في سورة يونس :( وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون. هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق.... )١ مما أورد الألوسي :﴿ منيبين إليه ﴾ راجعين إليه تعالى من دعاء غيره عز وجل من الأصنام وغيرها.. وتخصيص هذا الفعل ببعضهم لما أن بعضهم ليسوا كذلك، وتنكير :﴿ ضر ﴾ و﴿ رحمة ﴾ للتقليل، إشارة إلى أنهم لعدم صبرهم يجزعون لأدنى مصيبة، ويطغون لأدنى نعمة. اه.
-لما بين التوحيد بالدلائل وبالمثل بين أنه أمر وجداني يعرفونه في حال الضر والبلاء وإن كانوا ينكرونه في حال الرحمة والرخاء.. وإنما قال :﴿ إذا فريق منهم ﴾ ولم يقل :)إذا هم يشركون )كما في آخر العنكبوت، لأن الكلام هناك مع أهل الشرك، وههنا مع الناس كلهم، وليس كل الناس كذلك-٢
٢ ما بين العارضتين مما أورد النيسابوري..
٢ سورة إبراهيم. الآية ٢٩..
٣ يقول ابن كثير: قال بعضهم: والله لو توعدني حارس درب لخفت منه، فكيف والمتوعد ههنا هو الذي يقول للشيء كن فيكون؟!.
٢ سورة الأعراف. من الآية ٧١..
٣ سورة يونس. من الآية ٦٨..
٤ سورة يوسف. من الآية ٤٠..
٥ سورة الحج. من الآية ٧١..
﴿ وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون ﴾ وإن أذاقهم الله شيئا مما يسوؤهم، جزاء أدنى استوجبه بغيهم وعصيانهم، يئسوا من الفرج، وانقطع رجاؤهم في مجيء يسر بعد هذا العسر
٢ سورة يونس. الآية ٥٨..
كم من أريب ملهم قلبه | مستكمل العقل مقل عديم |
كحمار السوء إن أعلفته | رمح الناس وإن جاع نهق |
فأعط أيها النبي، وكل مكلف، وكل سامع، وابذل حق ذوي قرابتك، وحق من ضاقت يده عما يحتاج إليه، وحق المسافر المنقطع عن أهله وماله، ذلك البذل والوفاء بهذا الحق خير لمن يقصد مثوبة الله ورضاه، وسلوك المنهاج الذي يبلغه السعادة في أولاه وأخراه- أو النظر إليه يوم القيامة وهو الغاية القصوى-١، والذين يوفون بعهد الله هذا هم الرابحون الناجحون في العاجل والآجل، [ لما بيّن كيفية التعظيم لأمر الله أشار إلى الشفقة على خلق الله... وفيه أن الله إذا بسط الرزق فلا ينقص بالإنفاق، وإذا ضيق لم يزدد بالإمساك، فينبغي أن لا يتوقف الإنسان في الإحسان، وفي تخصيص الأصناف الثلاثة بالذكر دلالة على أنهم أولى بالإشفاق عليهم من سائر الأصناف... ﴿ للذين يريدون وجه الله ﴾ أي ذاته أو جهة قربته.. ]٢، مما أورد صاحب[ الجامع لأحكام القرآن.. ] :.. أمر من وسع عليه الرزق أن يوصل إلى الفقير كفايته ليمتحن شكر الغني، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد : هو وأمته.. وقد فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على الأقارب على عتق الرقاب، فقال لميمونة وقد أعتقت وليدة :" أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك ".. قال مجاهد وقتادة : صلة الرحم فرض من الله عز وجل، حتى قال مجاهد : لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة.. قال الحسن :﴿ حقه ﴾ المواساة في اليسر، وقول ميسور في العسر، ﴿ والمسكين ﴾ قال ابن عباس : أي أطعم السائل الطواف، ﴿ وابن السبيل ﴾ الضيف، فجعل الضيافة فرضا، [.. لما ذكر أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك، وحاصله.. أن امتثال أوامره تعالى مجلبة رضاه، والحياة الطيبة تتبعه، كما أن عصيانه سبحانه مجلبة سخطه، والجدب والضيق من روادفه، فإذا استبان ذلك فآت يا محمد ومن تبعه....
إذا جاءت الدنيا عليك فجد بها | على الناس طرا إنها تتقلب |
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت | ولا البخل يبقيها إذا هي تدبر |
٢ مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن..
٣ ما بين العلامتين[ ] مما نقل الألوسي..
وعادت الآيات الكريمة تجادل المشركين، وتقيم الحجة على بطلان ما زعموه من إفك مبين، وتذكر بفضل الخلاق الرزاق ذي القوة المتين، الرب المعبود بحق هو الذي أنعم بالخلق، وأمد بالرزق، ويتوفى الأحياء إذا جاء أجلهم، ويحييكم جميعا بعد موتكم، والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون، ولا يملكون لكم رزقا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، فكيف عدلتموهم بالله العزيز الوهاب، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد ؟ ! تنزه ربنا وتعالى مقامه عن النظراء والأنداد، والشركاء، والأضداد١، والصحابة والأولاد، نقل النيسابوري :﴿ من ﴾ الأولى والثانية والثالثة كل واحدة منهن مستقلة بتأكيد لتعجيز شركائهم، وتجهيل عبدتهم : قلت : الأولى للتبعيض، كأنه أقام فعل البعض مقام فعل الكل.. والثالثة لتأكيد الاستفهام، والمتوسطة للابتداء. اه.
٢ سورة مريم. الآيات٨٨، ٨٩، ٩٠..
٣ سورة الأعراف. الآية ٩٦..
٤ سورة الأعراف. الآية ٩٤، يقول علماء القرآن: وكأن في الكلام محذوفا مقدرا: أي من نبي كذبوه إلا أخذنا أهلها بالبلاء في أنفسهم وأموالهم..
٥ سورة السجدة. الآية ٢١..
٢ سورة النمل. من الآية ٥٢..
٣ سورة إبراهيم. الآية ٤٥..
٤ للدلالة على أن الشرك وحده لم يكن سبب تدمير جميعهم، بل هو سبب للتدمير في أكثرهم، وما دونه من المعاصي سبب له في قليل منهم. الألوسي..
٥ سورة فصلت. الآية ١٨..
وبعد أن حصحص الحق، وظهرت الحجة، وأعذر الله تعالى إليهم، وحضهم على الاعتبار بما جرى لأسلافهم من المشركين والمفترين، وصى أهل الرشد بالثبات على الهدى ولزوم الصراط المستقيم، والدين العدل، الخالد، المهيمن الظاهر على الدين كله، القوام أهله- كما شهد موحيه جل علاه- ).. وذلك دين القيمة( ١- اثبتوا عليه من قبل أن يجيء يوم البعث والحساب والفصل، والجزاء بالعدل والفضل، يومئذ لا يرد بأسه عن المجرمين أحد، ولا يمسك فضله عن المتقين أحد، يومئذ يتفرقون، فأما الذين كفروا وأجرموا فأولئك في العذاب محضرون مقيمون نازلون، وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون، جزاء بما كانوا يعملون، إذ قدموا في دنياهم البر الذي بسببه ينعمون، ويتفضل عليهم المولى بما لا يعدون ولا يحصون، وتناديهم الملائكة الكرام عليهم السلام :).. هذا يومكم الذي كنتم توعدون( ٢ وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة ).. أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين. الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون( ٣، وأصل﴿ يصدعون ﴾ يتصدعون٤، بمعنى يتفرقون، ففريق في الجنة وفريق في السعير
٢ سورة الأنبياء. من الآية ١٠٣..
٣ سورة الأعراف. من الآية ٥٠ والآية ٥١..
٤ قلبت التاء صادا، وأدغمت في الصاد..
﴿ ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ﴾ الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنما يمهدون بعملهم ويهيئون به ويعدون ويوطئون لأنفسهم مصيرا حسنا ومستقرا كريما، وأصل المهاد : فراش الطفل، والتمهيد التوطئة والتسوية بحيث لا ينغص من رقد عليه وآوى إليه-
من دليل اقتداره، وعظيم جلاله، أنه عز وجل يرسل أنواعا من الرياح مباركة، تبشر بالخير، ويسوق الله معها النعم التي ينشرها على الماء واليابسة جميعا، فمنها اللواقح، ومنها ما يخزي الله به الكافرين، ويهزمهم بها ويشفي صدور قوم مؤمنين- كالتي أهلكت بها عاد، وهزم بها جمع المشركين يوم الأحزاب- ومنها ما يسير به المولى سبحانه السفن، فتبلغ بالناس وأثقالهم ما لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وينالون من فضل ربهم ورزقه ما هو مقدور، ليقروا بالآلاء للوهاب الشكور، ﴿ ومن آياته أن يرسل الرياح ﴾ ومن برهان التفرد باستحقاق الطاعة والشكر له دون سواه إرسال الرياح وتسييرها بمراده هو لا بمراد غيره.
[ وحين ذكر ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ذكر ظهور الصلاح وبين أنه من دلائل الوحدانية... ولم يذكر أنه بسبب العمل الصالح لما مر من أن الكريم لا يذكر لإحسانه سببا.. أراد الجنوب والشمال والصبا، وهي رياح الرحمة، دون الدبور التي هي للعذاب.. ﴿ مبشرات ﴾ أي المطر لقوله :)بشرا بين يدي رحمته.. ( ١، وقيل : أي بتصحيح الأهوية وإصلاح الأبدان. ]٢.
٢ ما بين العلامتين[ ] مما أورد النيسابوري..
٢ سور الحج. من الآية ٥، والآيتان: ٦-٧..
٣ سورة فاطر. الآية ٩..
٤ سورة النجم. من الآية ٣١..
ظلوم جهول جنس المكلفين، إلا من هدى الله البر الرحيم، فإن الكثيرين إن مسهم الشر قنطوا، وإذا جاءتهم الحسنة بطروا، يتزلزل الإنسان، ويقل ثباته، وقد ينعدم توكله، فلأدنى سبب يكفر بنعمة الله، ولئن صرفنا وسيرنا ريحا ضارة١، باردة أو حارة، فرأوا الذي أنبتناه- بسبب الودق والمطر- قد ذهبت حضرته، وزالت الريح بهجته ونضرته، لتمادوا – بعد استبشارهم- يكفرون بربهم، واللام في﴿ لئن ﴾ موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط- إن-، والفاء في﴿ فرأوه ﴾ هي فاء الفصيحة، واللام في قوله تعالى :﴿ لظلوا ﴾ لام جواب القسم الساد مسد الجوابين- جواب القسم وجواب الشرط- نقل عن الخليل وغيره :﴿ لظلوا ﴾ بمعنى ليظلن، وحسن وقوع الماضي في موقع المستقبل لما في الكلام من معنى المجازاة، والمجازاة لا تكون إلا في المستقبل.. اه.
ولو عقلوا الصبر في البأساء، وشكروا في النعمة والرخاء، وأيقنوا أن الله تعالى يفعل ما يشاء، وأن حرثهم فضل من العزيز الوهاب، يسبغه على من يشاء، وينزعه ممن يشاء :)أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون. لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون. إنا لمغرمون. بل نحن محرومون( ٢. ثم سلى نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم حتى لا يحزن لعدم اهتدائهم بتذكيره، فإنه صلوات الله عليه وسلامه ليس مسؤولا عن أصحاب الجحيم، إنما هو مبلغ الحجة لمن يشاء منهم أن يستقيم، لكنهم أماتوا عقولهم، وأصموا آذانهم )إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم( ٣ فهؤلاء كالموتى ).. وما أنت بمسمع من في القبور. إن أنت إلا نذير( ٤، - لا نجعل لهم أسماعا يفهمون بها عنك ما تقول لهم٥، وإنما هذا مثل معناه : فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم فسلبهم فهم ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله، كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين قد سلب الله أسماعهم بأن تجعل لهم أسماعا، وقوله :﴿ ولا تسمع الصم الدعاء ﴾
٢ سورة الواقعة. الآيات: ٢٣ إلى ٢٧..
٣ سورة يونس. الآيتان ٩٦، ٩٧..
٤ سورة فاطر. من الآية ٢٢، والآية ٢٣..
٥ أورد صاحب روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني بحثا مستفيضا في سماع الموتى، وساق جملة من الأحاديث النبوية، وكيف اختلفت العلماء في هذا الشأن، وقد أربى البحث على ألف وخمسمائة كلمة، من شاء فليراجع جـ٢١ ص ٥٥ وما بعدها..
﴿ يقسم ﴾ يحلف.
﴿ الساعة ﴾ القيامة، لأن من أحوالها قيام الموتى من قبورهم.
﴿ المجرمون ﴾ المرتكبون الجرم العظيم.
﴿ يؤفكون ﴾ يصرفون عن الحق، ويصدون عن الصدق، ويستديمون الكذب.
﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم- المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون٥٥ وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون ٥٦ فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون٥٧ ﴾.
يوم القيامة يحلف الكافرون الظالمون أنهم ما أقاموا في الدنيا إلا ساعة، يتكشف عنهم غطاء الغفلة والغرور، فيدركون أن زخرف الحياة باطل، وزينتها ليست إلا حطاما، ومتاعها قليل سرعان ما ينقضي، والكثير الذي لا ينفع قليل، وذهب بعض المفسرين إلى أن المجرمين يحلفون ما لبثوا في قبورهم غير ساعة، كأنهم بالموت انكشف عنهم حجاب الجهالة والضلال، وعلموا سوء منقلبهم والمآل، فهم يتمنون طول الأمد حتى لا يساقوا إلى أليم العذاب والنكال، ﴿ كذلك كانوا يؤفكون ﴾ كذلك الفزع والندم كانوا يصرفون عن الحق في حياتهم الدنيا، ويصدون عن اليقين في الله العظيم ولقائه وحسابه وجزائه، [ وقيل : يعنون ما لبثوا بين فناء الدنيا والبعث وهو ما بين النفختين، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما بين النفختين أربعون " قيل : أربعون يوما يا أبا هريرة قال : أبيت، قيل : أربعون شهرا ؟ قال : أبيت، قيل أربعون سنة ؟ قال : أبيت، وعنى بقوله رضي الله تعالى عنه : أبيت : أمتنع عن بيان ذلك لكم، أو أبيت أن أسأل النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك، والغرض من سوق الآية الإغراق في وصف المجرمين بالتمادي في التكذيب... والغرض أن يحقر عندهم ما فيه من التمتعات وزخارف الدنيا كي يقلعوا عن العناد، ويرجعوا إلى سبيل الرشاد... والصارف لهم هو الله أو الشيطان أو الهوى، وأيا ما كان فليس ذلك إلا لسوء اختيارهم، وخباثة استعدادهم. ]١، مما جاء في الجامع لأحكام القرآن : والقول الآخر أنهم يعنون في الدنيا لزوالها وانقطاعها، كما قال تعالى :)كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها( ٢ كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار، وإن كانوا قد أقسموا على غيب وعلى غير ما يدرون.. وقد زعم جماعة من أهل النظر أن القيامة لا يجوز أن يكون فيها كذب لما هم فيه، والقرآن يدل على غير ذلك... قال الله جل وعز :)يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون( ٣ وقال :( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين. انظر كيف كذبوا( ٤. اه
٢ سورة النازعات. الآية ٤٦..
٣ سورة المجادلة. الآية ١٨..
٤ سورة الأنعام. الآية ٢٣، ومن الآية ٢٤..
﴿ البعث ﴾ إحياء الموتى.
﴿ وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ﴾ يرد العلماء على هؤلاء الكذابين- مثلما كانوا يدعونهم إلى الهدى في الدنيا- ويقولون لهم : في علم الله تعالى الذي لا يعزب عنه ولا يغيب شيء، وفي أم الكتاب مسطور مدة مكثكم جميعا إلى يوم القيامة، أو تقول لهم الملائكة هذا القول، ﴿ فهذا يوم البعث ﴾ فإن كنتم ارتبتم وشككتم ولم تستيقنوا من قبل بمجيء يوم البعث ووقوعه، فهذا يومكم الذي كنتم توعدون، ﴿ ولكنكم كنتم لا تعلمون ﴾ أنه حق، فاستهزأتم به وقلتم :).. ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين( ١
﴿ فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ﴾ يوم إذ يعرضون على ربهم، ويستصغرون مدة مكثهم، لا يغني عنهم اعتذارهم، ولا يقبل منهم ندمهم، وإنما كما بين القرآن الحكيم لا يسمعون إلا ما يقطع به رجاؤهم :)فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين( ١. ومهما أقروا واعترفوا بذنبهم، فلن يستجيب الله لدعائهم، وقد شهدت بذلك آيات محكمات، إذ يحسرون فيقولون :)ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون( ٢ فيزجرون من لدن رب العالمين :)اخسؤا فيها ولا تكلمون( ٣ ثم يسألهم وهو أعلم بهم :)كم لبثتم في الأرض عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون. أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون. فتعالى الله الملك الحق.. ( ٤، ﴿ ولا هم يستعتبون ﴾ لا يطلب إليهم أن يرضوا ربهم، بإزالة عتبه تعالى، والمراد : إزالة غضبه بالتوبة والطاعة، فقد حق عليهم العذاب، ولا حالهم حال من يستعتب ويرجع.
٢ سورة المؤمنون. الآية ١٠٧..
٣ سورة المؤمنون. من الآية ١٠٨..
٤ سورة المؤمنون. من الآية ١١٢، والآيات ١١٣، ١١٤، ١١٥، ومن الآية ١١٦..
ولقد بينا للناس في هذا القرآن من كل حال وصفة عجيبة، كالحديث عن البعث وما يكون فيه، وما يقول المرتابون، وما يقال لهم، واللام في ﴿ لقد ﴾ موطئة للقسم، وقيل :﴿ من كل مثل ﴾ من كل دليل عجيب، ﴿ ولئن جئتهم بآية ليقولن الذي كفروا إن أنتم إلا مبطلون ﴾ وكلما جئتهم بآية قرآنية أو معجزة كونية لم يكن قول الكافرين إلا السفاهة عليك وعلى المسلمين، وبدلا من الإذعان للحق، وتصديق الآيات، يؤذون المؤمنين، ويرمونهم باتباع الباطل، كما وصف الكتاب الحكيم شطط الجاحدين، وافتراءهم الزور على النبي والمؤمنين، ومرائهم فيما آتى الله نبيه من المعجزات وخوارق العادات، يقول المولى- تبارك اسمه- :)وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر( ١ كما قال سبحانه :)ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون. لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون( ٢.
٢ سورة الحجر. الآيتان. ١٤، ١٥..
٢ مما أورد الألوسي ثم تابع: وما ألطف ما قيل:
قال حمار الحكيم يوما | لو أنصف الدهر كنت أركب |