تفسير سورة الرّوم

التفسير القيم

تفسير سورة سورة الروم من كتاب التفسير القيم من كلام ابن القيم المعروف بـالتفسير القيم.
لمؤلفه ابن القيم . المتوفي سنة 751 هـ

سورة الروم

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة الروم (٣٠) : آية ٢٨]
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨)
هذا دليل قياس. احتج الله سبحانه به على المشركين، حيث جعلوا له من عبده وملكه شركاء فأقام عليهم حجة يعرفون صحتها من نفوسهم، لا يحتاجون فيها إلى غيرهم.
ومن أبلغ الحجاج. أن يأخذ الإنسان من نفسه، ويحتج عليه بما هو في نفسه مقرر عندها، معلوم لها. فقال: هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من عبيدكم وإمائكم شركاء في المال والأهل؟ أي هل يشارككم عبيدكم في أموالكم وأهليكم فأنتم وهم في ذلك سواء؟ تخافون أن يقاسموكم أموالكم، ويشاطروكم إياها، ويستكثرون ببعضها عليكم، كما يخاف الشريك شريكه.
وقال ابن عباس: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا.
والمعنى: هل يرضي أحد منكم أن يكون عبده شريكه في ماله وأهله، حتى يساويه في التصرف في ذلك؟ فهو يخاف أن ينفرد في ماله بأمر يتصرف فيه، كما يخاف غيره من الشركاء والأحرار؟ فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم، فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي؟ فإن كان هذا الحكم باطلا في فطركم وعقولكم، مع أنه جائز عليكم، ممكن في حقكم، إذ ليس عبيدكم ملكا لكم حقيقة، وإنما هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، وأنتم وهم عباد لي، فكيف تستجيزون مثل هذا الحكم في حقي؟ مع أن جعلتموهم بي شركاء عبيدي وملكي وخلقي؟ فهكذا يكون تفصيل الآيات لأولي العقول.
[سورة الروم (٣٠) : آية ٤١]
ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١)
قال مجاهد: إذا ولي الظالم أساء بالظلم والفساد، فيحبس بذلك القطر، ويهلك الحرث والنسل. والله لا يحب الفساد. ثم قرأ ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
ثم قال: أما والله ما هو بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء جار، فهو بحر، وقال عكرمة: ظهر الفساد في البر والبحر، أما إني لا أقول لكم: بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء.
وقال قتادة: أما البر: فأهل العمور، وأما البحر: فأهل القرى والريف.
قلت: وقد سمى الله تعالى الماء العذب بحرا، فقال: ٢٥: ٥٣ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وليس في العالم بحر حلو واقفا، إنما هي الأنهار الجارية والبحر المالح والساكن. وتسمى القرى التي على المياه الجارية باسم تلك المياه.
432
وقال ابن زيد: ظهر الفساد في البر والبحر، قال: الذنوب.
قلت: أراد أن الذنب سبب الفساد الذي ظهر، وإن الفساد الذي ظهر هو الذنوب نفسها، فيكون اللام في قوله: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لام العاقبة والتعليل. وعلى الأول: فالمراد بالفساد: النقص والشر والآلام التي يحدثها الله في الأرض بمعاصي العباد فكلما أحدثوا ذنبا أحدث الله لهم عقوبة. كما قال بعض السلف: كلما أحدثتم ذنبا أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة.
والظاهر- والله أعلم- أن الفساد المراد به الذنوب وموجباتها.
ويدل عليه قوله تعالى: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا فهذا حالنا دائما، أذاقنا الله الشيء اليسير من أعمالنا، فلو أذاقنا كل أعمالنا لما ترك على ظهرها من دابة.
433
سورة الروم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الرُّومِ) من السُّوَر المكية، وهي السورة الوحيدة التي ذُكِر فيها (الرُّومُ)؛ ولهذا سُمِّيت بهذا الاسم، وقد اشتمَلتْ هذه السورة الكريمة على الإخبارِ بغيبِ المستقبَل؛ من أن (الرُّومَ) سيكونون غالبين بعد أن كانوا مغلوبين، وفي ذلك تأكيدٌ لصِدْقِ النبي صلى الله عليه وسلم، ومقصودُ السورة عظيم؛ ألا وهو: ردُّ الأمر كلِّه لله، مِن قبلُ ومِن بعدُ؛ مما يدعو كلَّ مؤمن إلى صدقِ التوكل عليه، والالتجاء إليه، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في الفجر.

ترتيبها المصحفي
30
نوعها
مكية
ألفاظها
817
ترتيب نزولها
84
العد المدني الأول
60
العد المدني الأخير
59
العد البصري
60
العد الكوفي
60
العد الشامي
60

* سورةُ (الرُّومِ):

سُمِّيت سورةُ (الرُّومِ) بذلك؛ لأنه ورَد فيها ذِكْرُ (الرُّومِ)، ولم يَرِدْ في غيرها من القرآن.

* أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورةَ (الرُّومِ) في الفجرِ:

عن أبي مالكٍ الأغَرِّ المُزَنيِّ رضي الله عنه، قال: «صلَّيْتُ مع النبيِّ ﷺ، فقرَأَ سورةَ الرُّومِ في الصُّبْحِ». أخرجه الطبراني (٨٨٤).

اشتمَلتْ سورة (الرُّومِ) على عِدَّةِ موضوعات؛ وهي:

1. الإخبار عن غيب المستقبَل (١-٧).

2. التفكير في مخلوقات الله يدل على وجوده، وهو الذي يُعِيد خَلْقَ الإنسان يوم القيامة (٨-١٦).

3. تنزيه الله وَحْده، وأدلة وجوده وربوبيَّتِه سبحانه وتعالى (١٧-٢٧).

4. إثبات الوَحْدانية، وبطلان الشِّرك، والأمر باتباع الإسلام (٢٨-٣٢).

5. لجوء الناس إلى الله عند الشدائد، وإعراضهم عند زوالها (٣٣-٣٧).

6. الحث على الإنفاق لذوي الأرحام، والتحذير من المال الحرام (٣٨-٤٠).

7. جزاء المفسدين والمؤمنين (٤١-٤٥).

8. الرِّياح والأمطار دالة على قدرة الله تعالى، وتشبيهُ الكفار بالموتى (٤٦-٥٣).

9. أطوار حياة الإنسان، قَسَمُ المجرمين في الآخرة (٥٤-٥٧).

10. الأمثال للعِبْرة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على الدعوة (٥٨-٦٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /4).

إثباتُ الأمرِ كلِّه لله عزَّ وجلَّ؛ فهو صاحب الحقِّ، المتصفُ بالرُّبوبية والألوهية وكلِّ صفات الكمال، والقادرُ على كل شيء، فيأتي البعثُ، ونصرُ أوليائه، وخِذْلان أعدائه؛ وهذا هو المقصود بالذات، واسمُ السورة واضح فيه؛ بما كان من السبب في نصرِ (الرُّوم) من الوعد الصادق، والسرِّ المكتوم، ومن أعظم ما اشتملت عليه: التصريحُ بأن الإسلامَ دِينٌ فطَر اللهُ الناسَ عليه، وأن مَن ابتغى غيرَه دِينًا فقد حاول تبديلَ ما خلَق الله، وأنَّى له ذلك؟!

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /349)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /41).