تفسير سورة الرّوم

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الروم من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

إلا آية:﴿ فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ ﴾[الروم: ١٧].
.. إلى آخره. لما بشر المحسنين بالإعانة، أعقبه بما ينبيء عن تبشريهم بالنصر على الأعداء فقال ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ﴾: عن مشركي فارس، وكانوا أهل الكتاب ﴿ فِيۤ أَدْنَى ﴾: أقرب ﴿ ٱلأَرْضِ ﴾: من العرب أي: الشام ﴿ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ ﴾: مغلوبيتهم ﴿ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾: ما بين الثلاث إلى التسع أو العشر، فغلبوا في السنة السابعة ﴿ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ ﴾: قبل غلبهم ﴿ وَمِن بَعْدُ ﴾: بعد غلبهم ﴿ وَيَوْمَئِذٍ ﴾: يوم يغلبون على فارِس وكان يوم بدر ﴿ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ ﴾: تفاؤلا بغلبة إخوانهم من أهل الكتاب كما أن المشركين تفاءَلواْ بعكسه. *[حُكْم المرَاهَنَة]: واعلم أن مراهنة الصديق - رضي الله تعالى عنه - مع أُبيّ بن خلف في نجاز هذا الوعد بمائة قَلُوص، وأخذه - رضي الله عنه - من تركته لا تدل على جواز العقود الفاسدة في دار الحرب لكونه قبل تحريم القمار ﴿ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾: بالانتقام ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾: بالنصر ﴿ وَعْدَ ٱللَّهِ ﴾: مصدرٌ مؤكد لنفسه ﴿ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾: صحته ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾: من التمتع بها لا باطنها من أنها مزرعة الآخرة، أو زائلا منها ﴿ وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ ﴾: يحدثوا التفكر ﴿ فِيۤ أَنفُسِهِمْ ﴾: فيعلموا ﴿ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ ﴾: ملتبسا ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾: لا عبثا ﴿ وَأَجَلٍ ﴾: بأجل ﴿ مُّسَمًّى ﴾: لها ينتهي عنده وهو القيامة ﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ ﴾: القيامة سماها بها لأنها معظم نعيمها ﴿ لَكَافِرُونَ * أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ﴾: المكذبين ﴿ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾: كيف أهلكوا فيعتبروا ﴿ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ﴾: قلبوا ﴿ ٱلأَرْضَ ﴾: للزراعة ﴿ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ﴾: أي: أهل مكة ﴿ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾: من الحجج فكذبوهم ﴿ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾: بإهلاكهم ﴿ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾: بفعل ما استحقوا به ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ﴾: أي: عاقبتهم بعد الإهلاك العقوبة ﴿ #١٦٤٩; لسُّوۤأَىٰ ﴾: تأنيث أسوأ لأن ﴿ أَن ﴾: لأن ﴿ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ * ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ﴾: ينشيء ﴿ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾: بعد الموت ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾: للجزاء ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ﴾: يسكت آيسا متحيرا ﴿ ٱلْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مِّن شُرَكَآئِهِمْ ﴾: الأصنام ﴿ شُفَعَاءُ وَكَانُواْ ﴾: بعد اليأس ﴿ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ * وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ ﴾: للتأكيد ﴿ يَتَفَرَّقُونَ ﴾: المؤمنون والكفار ﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ ﴾: أرض ذات أزهار وأنهار ﴿ يُحْبَرُونَ ﴾: يسرون سرورا تهللت به وجوههم ﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾: لا يغيبون عنه ﴿ فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ ﴾: أي: سبحوه أو صلوا ﴿ حِينَ تُمْسُونَ ﴾: تدخلون في المساء، وفيه صلاتا العشاءين ﴿ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾: فيه صلاة الصبح ﴿ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾: اعتراض أي: بحمده أهلها ﴿ وَ ﴾: سبحوه ﴿ عَشِيّاً ﴾: صلاة العصر ﴿ وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾: تدخلون في الظهيرة، أي: وسط النهار، أي: صلوا الظهر ﴿ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ ﴾: كالإنسان ﴿ مِنَ ٱلْمَيِّتِ ﴾: كالنطفة ﴿ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ ﴾: كالنطفة ﴿ مِنَ ٱلْحَيِّ ﴾: كإلإنسان ﴿ وَيُحْي ٱلأَرْضَ ﴾: بالنبات ﴿ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾: يبسها ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: الإخراج ﴿ تُخْرَجُونَ ﴾: إلى البعث
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾: الدالة على كمال قدرته ﴿ أَنْ خَلَقَكُمْ ﴾: أصلكم ﴿ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴾: في الأرض ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ ﴾: جنس ﴿ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ ﴾: لتميلوا ﴿ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾: بمجرد الزواج بخلاف باقي الحيوانات ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾: فيه ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ ﴾: لغاتكم، أو أجناس نطقكم كيفية ﴿ وَأَلْوَانِكُمْ ﴾: هيأتكم مع اتحاد الوالدين ﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ ﴾: لا ستراحة القوى النفسانية والقوة الطبيعية ﴿ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ ﴾: للمعيشة فيهما، أو لف ونشر ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾: سماع اعتبار ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾: أنه ﴿ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ ﴾: حال كونه ﴿ خَوْفاً ﴾: من الصواعق ﴿ وَطَمَعاً ﴾: في المطر ﴿ وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾: يستعملون عقولهم فيها ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾: بمجرد إدارته ﴿ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ ﴾: بنفخ الصور للبعث ﴿ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾: أي: منها إلى سريعا ﴿ وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾: خلقا وملكا ﴿ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴾: منقادون ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ ﴾: رجعة ﴿ أَهْوَنُ ﴾: من البدء، نظرا إلى قياسكم أو: هين ﴿ عَلَيْهِ ﴾: وقيل: الضمير للخلق ﴿ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ﴾: الوصف ﴿ ٱلأَعْلَىٰ ﴾: كالتوحيد وكمال القدرة ﴿ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾: بصفة ما فيها دلالة ونطقا ﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾: في ملكه ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾: في فعله ﴿ ضَرَبَ ﴾: جعل ﴿ لَكُمْ ﴾: في فساد الشرك ﴿ مَّثَلاً ﴾: منتزعا ﴿ مِّنْ ﴾: أحوال ﴿ أَنفُسِكُمْ ﴾: هي ﴿ هَلْ ﴾: ترضون ﴿ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾: مما ليككم ﴿ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ ﴾: أي: فتكونون معهم مستويين في التصرف ﴿ تَخَافُونَهُمْ ﴾: أن تستفيدوا بتصرف فيه ﴿ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾: أي: كخفية الأحرار بعضهم من بعض، فكيف تجعلون عبيدي شركائي ﴿ كَذَلِكَ ﴾: التفصيل ﴿ نُفَصِّلُ ﴾: نبين ﴿ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾: يستعملون عقولهم فيها ﴿ بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ ﴾: بالشرك ﴿ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾: يكفيهم ﴿ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ ﴾: أراد إضلاله ﴿ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾: يخلصونهم من الضلالة ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ ﴾: أي: أنت مع أمتك، وخصه لأنه رأسهم ﴿ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾: مائلا من غيره تمثيل للاستقامة عليه، الْزَمْ ﴿ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ﴾: خلقته ﴿ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ﴾: أي: قبولهم للحق أو ملة الإسلام إذ كل مولود يولد عليها أي: ملة الإسلام ﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ﴾: أي: لا يقدر أحدٌ أو أن يبدله ﴿ ذَلِكَ ﴾: المأمور ﴿ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ ﴾: المستقيم ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾: ذلك لعدم تدبرهم ﴿ مُنِيبِينَ ﴾: أي: أقيموا راجعين مرة بعد أخرى، أو منقطعينَ ﴿ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾: والجموع كما في:﴿ رَبِّ ٱرْجِعُونِ ﴾[المؤمنون: ٩٩]، أو الخطاب له ولأمته ﴿ مِنَ ٱلَّذِينَ ﴾: بدل من المشركين ﴿ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ ﴾: لاختلاف أهوائهم ﴿ وَكَانُواْ شِيَعاً ﴾: فرقا ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾: ظنا بأنه الحق ﴿ وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ ﴾: شدة ﴿ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ ﴾: راجعين ﴿ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً ﴾: بالخلاص منه ﴿ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُواْ ﴾: لام العاقبة أو أمر تهديد ﴿ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾: عاقبتكم ﴿ أَمْ ﴾: بل ﴿ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً ﴾: حجة ﴿ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ ﴾: ينطق ﴿ بِمَا ﴾: بصحة ما ﴿ كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ * وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً ﴾: نعمة ﴿ فَرِحُواْ بِهَا ﴾: بطرا، ذاهلين به عن شكرها ﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾: شدة ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾: من المعاصي ﴿ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾: من الرحمة ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ ﴾: بسطه له ﴿ وَيَقْدِرُ ﴾: يضيق لمن يشاء اختبارا ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾: فإنهم ينتفعون بها ﴿ فَآتِ ﴾: أنت مع أمتك ﴿ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ ﴾: القرابة ﴿ حَقَّهُ ﴾: أي: من الصلة فلا يدل على وجوب النفقة للمحارم ﴿ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ﴾: من الصدقة ﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ ﴾: ثوابه ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * وَمَآ آتَيْتُمْ ﴾: أعطيتم وبالقصر أي: جئتم به ﴿ مِّن ﴾: إعطاء ﴿ رِّباً ﴾: عطية لتعطوا أكثر منها ﴿ لِّيَرْبُوَاْ ﴾: ليزيد المربى ﴿ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ ﴾: لا يثيب عليه، وإن لم يحرم، وقيل: هو في إعطاء الربا ﴿ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ ﴾: صدقة ﴿ تُرِيدُونَ ﴾: به ﴿ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ ﴾: ذووا الأضعاف والالتفات للتعظيم ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾: به
﴿ ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ ﴾: من نحو الفتن وقلة البركة ﴿ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ﴾: كالظلم والجدب والغرق، وموت دوابهما، وقلة اللؤلؤ، لقلة المطر أو في الصحاري والأمصار، أو المدن والجزائر ﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ ﴾: من المعاصي ﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ﴾: جزاء ﴿ ٱلَّذِي عَمِلُواْ ﴾: والباقي في الآخرة ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾: فلا نذيقهم الباقي ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ ﴾: ليعتبروا ﴿ كَانَ أَكْثَرُهُمْ ﴾: به ﴿ مُّشْرِكِينَ ﴾: أهلكناهم بشركهم ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ ﴾: كما مر ﴿ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ ﴾: المستقيم ﴿ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ ﴾: من جهته متعلق يأتي او مرد ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴾: يتفرقون إلى الجنة أو النار ﴿ مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾: أي: وباله ﴿ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾: يسوون منازلهم في الجنة ﴿ لِيَجْزِيَ ﴾: متعلق يصدعون ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ ﴾: لا لموجب ﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ ﴾: أفهم محبته للمؤمنين ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ ﴾: الشمال والصبا والجنوب ﴿ مُبَشِّرَاتٍ ﴾: بالمطر ليبشركم ﴿ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ ﴾: بالمطر ونتائجه، وأما الدبور فريح عذاب، ومنه: " اللهُمَّ اجعلهَا لاَ رِيْحًا " ﴿ وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ ﴾: إذا لا تسير بلا رياح ﴿ بِأَمْرِه ﴾: بإدارته ﴿ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ﴾: بالتجارة فيه ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾: نعمه ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾: من المعجزات فكذبوهم ﴿ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ ﴾: بالتكذيب ﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ ﴾: عليهم بتدميرهم ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ ﴾: تخرج ﴿ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي ﴾: جهة ﴿ ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ ﴾: سائرا ومطبقا وغيرهما ﴿ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً ﴾: قطعا ﴿ فَتَرَى ٱلْوَدْقَ ﴾: المطر ﴿ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ ﴾: وسطه ﴿ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ ﴾: المطر ﴿ مِّن قَبْلِهِ ﴾: تأكيد دل على بعد عهدهم بالمطر أو قبل الإرسال ﴿ لَمُبْلِسِينَ ﴾: آيسين ﴿ فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ ﴾: المحيي ﴿ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾: وَ الله ﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً ﴾: أي: مضرة كما مر ﴿ فَرَأَوْهُ ﴾: أي: أثر الريح وهو السحاب، مصفرة لا يمطر أو الزرع ﴿ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ ﴾: صاروا ﴿ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ﴾: نعمه حاصلة: يفرحون بالخصب يكفرون في الجدب ﴿ فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ ﴾: كما مر ﴿ وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ ﴾: قلوبا ﴿ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾: كما مر ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ﴾: بالضم والفتح لغتان، وقيل: للبدن والقل، أي: جعل أسكم من الضعف، أو من نطفة ضعيفة او أطفالا ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ ﴾: ضعف النطفة أو الطفولية ﴿ قُوَّةً ﴾: قوة الحياة، أو الشباب ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً ﴾: ضعف الكبر، ونكر لأنه ليس عين الأول ﴿ وَشَيْبَةً ﴾: سن الهرم ﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ﴾: ومنه الضعف والشباب وضدهما ﴿ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ﴾: بالكل ﴿ ٱلْقَدِيرُ ﴾: على الكل ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ﴾: يحلف ﴿ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾: الكافرون المنكرون للبعث لدهشتهم ﴿ مَا لَبِثُواْ ﴾: في قبورهم ﴿ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ ﴾: الصرف عن الصدق ﴿ كَانُواْ ﴾: في الدنيا ﴿ يُؤْفَكُونَ ﴾: يصرفون عن الحق ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ ﴾: ردا عليهم: ﴿ لَقَدْ لَبِثْتُمْ ﴾: على ما ﴿ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ ﴾: وهو﴿ وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ ﴾[المؤمنون: ١٠٠] أو هو متعلق العلم ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ ﴾: الذي أنكرتموه ﴿ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾: وقوعه ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ ﴾: في إنكاره ﴿ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾: أي: لا يطلب منهم إعتابهم، أي: إزالة العتب والغضب بالطاعة، أو عتباهم، أي: رجوعهم إليها ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا ﴾: جعلنا ﴿ لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ﴾: يرشدهم قطعا لمعذرتهم ﴿ وَلَئِن جِئْتَهُمْ ﴾: يا محمد ﴿ بِآيَةٍ ﴾: كآيات موسى ﴿ لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾: عنادا: ﴿ إِنْ ﴾: ما ﴿ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ ﴾: ذوو الأباطيل ﴿ كَذَلِكَ ﴾: الطبع ﴿ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾: لا يطلبون العلم ويصرون ﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾: بنصرك ﴿ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ﴾: لا يحملنك على الخفة والطيش ﴿ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ﴾: بالقيامة بإذائهم، والله أعلم.
سورة الروم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الرُّومِ) من السُّوَر المكية، وهي السورة الوحيدة التي ذُكِر فيها (الرُّومُ)؛ ولهذا سُمِّيت بهذا الاسم، وقد اشتمَلتْ هذه السورة الكريمة على الإخبارِ بغيبِ المستقبَل؛ من أن (الرُّومَ) سيكونون غالبين بعد أن كانوا مغلوبين، وفي ذلك تأكيدٌ لصِدْقِ النبي صلى الله عليه وسلم، ومقصودُ السورة عظيم؛ ألا وهو: ردُّ الأمر كلِّه لله، مِن قبلُ ومِن بعدُ؛ مما يدعو كلَّ مؤمن إلى صدقِ التوكل عليه، والالتجاء إليه، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في الفجر.

ترتيبها المصحفي
30
نوعها
مكية
ألفاظها
817
ترتيب نزولها
84
العد المدني الأول
60
العد المدني الأخير
59
العد البصري
60
العد الكوفي
60
العد الشامي
60

* سورةُ (الرُّومِ):

سُمِّيت سورةُ (الرُّومِ) بذلك؛ لأنه ورَد فيها ذِكْرُ (الرُّومِ)، ولم يَرِدْ في غيرها من القرآن.

* أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورةَ (الرُّومِ) في الفجرِ:

عن أبي مالكٍ الأغَرِّ المُزَنيِّ رضي الله عنه، قال: «صلَّيْتُ مع النبيِّ ﷺ، فقرَأَ سورةَ الرُّومِ في الصُّبْحِ». أخرجه الطبراني (٨٨٤).

اشتمَلتْ سورة (الرُّومِ) على عِدَّةِ موضوعات؛ وهي:

1. الإخبار عن غيب المستقبَل (١-٧).

2. التفكير في مخلوقات الله يدل على وجوده، وهو الذي يُعِيد خَلْقَ الإنسان يوم القيامة (٨-١٦).

3. تنزيه الله وَحْده، وأدلة وجوده وربوبيَّتِه سبحانه وتعالى (١٧-٢٧).

4. إثبات الوَحْدانية، وبطلان الشِّرك، والأمر باتباع الإسلام (٢٨-٣٢).

5. لجوء الناس إلى الله عند الشدائد، وإعراضهم عند زوالها (٣٣-٣٧).

6. الحث على الإنفاق لذوي الأرحام، والتحذير من المال الحرام (٣٨-٤٠).

7. جزاء المفسدين والمؤمنين (٤١-٤٥).

8. الرِّياح والأمطار دالة على قدرة الله تعالى، وتشبيهُ الكفار بالموتى (٤٦-٥٣).

9. أطوار حياة الإنسان، قَسَمُ المجرمين في الآخرة (٥٤-٥٧).

10. الأمثال للعِبْرة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على الدعوة (٥٨-٦٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /4).

إثباتُ الأمرِ كلِّه لله عزَّ وجلَّ؛ فهو صاحب الحقِّ، المتصفُ بالرُّبوبية والألوهية وكلِّ صفات الكمال، والقادرُ على كل شيء، فيأتي البعثُ، ونصرُ أوليائه، وخِذْلان أعدائه؛ وهذا هو المقصود بالذات، واسمُ السورة واضح فيه؛ بما كان من السبب في نصرِ (الرُّوم) من الوعد الصادق، والسرِّ المكتوم، ومن أعظم ما اشتملت عليه: التصريحُ بأن الإسلامَ دِينٌ فطَر اللهُ الناسَ عليه، وأن مَن ابتغى غيرَه دِينًا فقد حاول تبديلَ ما خلَق الله، وأنَّى له ذلك؟!

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /349)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /41).