تفسير سورة الرّوم

المحرر في أسباب نزول القرآن

تفسير سورة سورة الروم من كتاب المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة المعروف بـالمحرر في أسباب نزول القرآن.
لمؤلفه خالد بن سليمان المزيني .

سورة الروم
١٣٣ - قال الله تعالى: (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الترمذي عن أبي سعيد قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت: الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ) - إلى قوله -: (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة، وقد ذكر هذا الحديث ومعه غيره الطبري وابن العربي والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
781
أما البغوي وابن عطية فلم يذكرا الحديث.
فأما الطبري والقرطبي فقد اقتصرا على سياق الأحاديث والمرويات في القصة.
وأما ابن العربي فإنه لما ساق الحديث الذي معنا أضاف إليه حديث ابن عباس، وحديث نِيار بن مكرم الأسلمي ثم قال: (فهذه أحاديث صحاح حسان غراب) اهـ.
وأما ابن كثير فقال: (نزلت هذه الآيات حين غلب سابور ملك الفرس على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم فاضطر هرقل ملك الروم حتى ألجأه إلى القسطنطينة، وحاصره فيها مدة طويلة ثم عادت الدولة لهرقل) اهـ.
وأما ابن عاشور فقال: (واتفقت الروايات على أن غلب الروم للفرس وقع بعد مضي سبع سنين من غلب الفرس على الروم الذي نزلت عنده هذه السورة.. ثم ذكر كلامًا قال بعده: أول أغراض هذه السورة سبب نزولها على ما سرَّ المشركين من تغلب الفرس على الروم، فقمع الله تعالى تطاول المشركين به وتحداهم بأن العاقبة للروم في الغلب على الفرس بعد سنين قليلة) اهـ.
وقال البغوي: (سبب نزول هذه الآية على ما ذكره المفسرون أنه كان بين فارس والروم قتال وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم لأن أهل فارس كانوا مجوساً أميين، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس لكونهم أهل كتاب فبعث كسرى جيشاً إلى الروم فذكر كلامًا... حتى قال: فغلبت فارس الروم فبلغ ذلك المسلمين بمكة فشق عليهم، وفرح به كفار مكة وقالوا للمسلمين: إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله تعالى هذه الآيات) اهـ.
782
والظاهر - واللَّه أعلم - أن الحديث الذي معنا لا يصح أن يكون سبباً للنزول لأمور:
١ - أن إسناده ضعيف، ومضطرب فلا ينهض للاحتجاج به على السببية.
٢ - أن سورة الروم مكية بكاملها.
قال ابن عطية: (هذه السورة مكية ولا خلاف أحفظه في ذلك) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وهي مكية كلها بالاتفاق، حكاه ابن عطية والقرطبي، ولم يذكرها صاحب الإتقان في السور المختلف في مكيتها ولا في بعض آيها) اهـ.
وإذا كانت مكية بالكامل، فكيف تنزل في يوم بدر كما يدل هذا الحديث؟
٣ - أن سياق القرآن يأبى ذلك. وجه ذلك: أن الحديث نص على أن ظهور الروم على فارس كان في يوم بدر فنزلت هذه الآية.
فإذا كان الأمر كذلك فكيف يبشر اللَّه المؤمنين بانتصار الروم على الفرس في بضع سنين، والنصر قد تم للروم في يوم بدر - حسبما يدل عليه الحديث -.
٤ - أني لم أجد في أقوال المفسرين من اعتمد الحديث الذي معنا سبباً للنزول بل أقوالهم تدل على خلافه.
فابن كثير يقول: إن الآيات نزلت حين غلب ملك الفرس على بلاد الشام.
وابن عاشور يذكر: أن السورة نزلت عندما غلب الفرسُ الرومَ.
وكلام البغوي وابن عطية يدل على هذا وهو أن القضية وقعت قبل الهجرة ونزل فيها القرآن حينذاك.
٥ - أن الطبري ذكر جملة من الآثار عن السلف كابن مسعود وابن عبَّاسٍ وعكرمة وغيرهم تعارض ما دلّ عليه حديث أبي سعيد من نزولها ببدر والله أعلم.
783
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سببًا للنزول لضعف سنده، وكون السورة بكاملها مكية، مع مخالفته للسياق القرآني وأقوال المفسرين من السلف والخلف، وإنما الآية نزلت في مكة بعد أن غلبت الفرسُ الرومَ فحزن لذلك المؤمنون وفرح الكافرون فبشر الله المؤمنين بأن الدائرة للروم على الفرس في بضع سنين فتم ما أخبر الله به واللَّه أعلم.
* * * * *
784
سورة لقمان
785
سورة الروم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الرُّومِ) من السُّوَر المكية، وهي السورة الوحيدة التي ذُكِر فيها (الرُّومُ)؛ ولهذا سُمِّيت بهذا الاسم، وقد اشتمَلتْ هذه السورة الكريمة على الإخبارِ بغيبِ المستقبَل؛ من أن (الرُّومَ) سيكونون غالبين بعد أن كانوا مغلوبين، وفي ذلك تأكيدٌ لصِدْقِ النبي صلى الله عليه وسلم، ومقصودُ السورة عظيم؛ ألا وهو: ردُّ الأمر كلِّه لله، مِن قبلُ ومِن بعدُ؛ مما يدعو كلَّ مؤمن إلى صدقِ التوكل عليه، والالتجاء إليه، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في الفجر.

ترتيبها المصحفي
30
نوعها
مكية
ألفاظها
817
ترتيب نزولها
84
العد المدني الأول
60
العد المدني الأخير
59
العد البصري
60
العد الكوفي
60
العد الشامي
60

* سورةُ (الرُّومِ):

سُمِّيت سورةُ (الرُّومِ) بذلك؛ لأنه ورَد فيها ذِكْرُ (الرُّومِ)، ولم يَرِدْ في غيرها من القرآن.

* أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورةَ (الرُّومِ) في الفجرِ:

عن أبي مالكٍ الأغَرِّ المُزَنيِّ رضي الله عنه، قال: «صلَّيْتُ مع النبيِّ ﷺ، فقرَأَ سورةَ الرُّومِ في الصُّبْحِ». أخرجه الطبراني (٨٨٤).

اشتمَلتْ سورة (الرُّومِ) على عِدَّةِ موضوعات؛ وهي:

1. الإخبار عن غيب المستقبَل (١-٧).

2. التفكير في مخلوقات الله يدل على وجوده، وهو الذي يُعِيد خَلْقَ الإنسان يوم القيامة (٨-١٦).

3. تنزيه الله وَحْده، وأدلة وجوده وربوبيَّتِه سبحانه وتعالى (١٧-٢٧).

4. إثبات الوَحْدانية، وبطلان الشِّرك، والأمر باتباع الإسلام (٢٨-٣٢).

5. لجوء الناس إلى الله عند الشدائد، وإعراضهم عند زوالها (٣٣-٣٧).

6. الحث على الإنفاق لذوي الأرحام، والتحذير من المال الحرام (٣٨-٤٠).

7. جزاء المفسدين والمؤمنين (٤١-٤٥).

8. الرِّياح والأمطار دالة على قدرة الله تعالى، وتشبيهُ الكفار بالموتى (٤٦-٥٣).

9. أطوار حياة الإنسان، قَسَمُ المجرمين في الآخرة (٥٤-٥٧).

10. الأمثال للعِبْرة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على الدعوة (٥٨-٦٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /4).

إثباتُ الأمرِ كلِّه لله عزَّ وجلَّ؛ فهو صاحب الحقِّ، المتصفُ بالرُّبوبية والألوهية وكلِّ صفات الكمال، والقادرُ على كل شيء، فيأتي البعثُ، ونصرُ أوليائه، وخِذْلان أعدائه؛ وهذا هو المقصود بالذات، واسمُ السورة واضح فيه؛ بما كان من السبب في نصرِ (الرُّوم) من الوعد الصادق، والسرِّ المكتوم، ومن أعظم ما اشتملت عليه: التصريحُ بأن الإسلامَ دِينٌ فطَر اللهُ الناسَ عليه، وأن مَن ابتغى غيرَه دِينًا فقد حاول تبديلَ ما خلَق الله، وأنَّى له ذلك؟!

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /349)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /41).