تفسير سورة الطارق

البحر المحيط في التفسير

تفسير سورة سورة الطارق من كتاب البحر المحيط في التفسير
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ
سورة الطارق
هذه السورة مكية، ولما ذكر فيما قبلها تكذيب الكفار للقرآن، نبه هنا على حقارة الإنسان، ثم استطرد منه إلى أن هذا القرآن قول فصل جد، لا هزل فيه ولا باطل يأتيه. ثم أمر نبيه بإمهال هؤلاء الكفرة المكذبين، وهي آية موادعة منسوخة بآية السيف.

سورة الطّارق
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ١ الى ١٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩)
فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)
طَرَقَ يَطْرُقُ طُرُوقًا: أَتَى لَيْلًا، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعًا وَأَصْلُهُ الضَّرْبُ، لِأَنَّ الطَّارِقَ يَطْرُقُ الْبَابَ، وَمِنْهُ الْمِطْرَقَةُ: وَهِيَ الْمَبِيعَةُ، وَاتُّسِعَ فِيهِ فَكُلُّ مَا جَاءَ بِلَيْلٍ يُسَمَّى طَارِقًا، وَيُقَالُ: أَطْرَقَ فُلَانٌ: أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ، وَأَطْرَقَ بِعَيْنَيْهِ:
رَمَى بِهِمَا نَحْوَ الْأَرْضِ. دَفَقَ الْمَاءَ يَدْفُقُهُ دَفْقًا: صَبَّهُ، وَمَاءٌ دَافِقٌ عَلَى النَّسَبِ، وَيُقَالُ: دَفَقَ اللَّهُ رُوحَهُ، إِذَا دَعَا عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ. التَّرِيبَةُ: مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنَ الصَّدْرِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ
جَمَعَهَا بِمَا حَوْلَهَا فَقَالَ تَرَائِبُهَا، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَالزَّعْفَرَانُ عَلَى تَرَائِبِهَا شَرِقَتْ بِهِ اللَّبَّاتُ وَالنَّحْرُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَجَمْعُ تَرِيبَةٍ تَرِيبٌ، قَالَ الْمُثَقَّبُ الْعَبْدِيُّ:
448
وَمِنْ ذَهَبٍ يَبِينُ عَلَى تَرِيبٍ كَلَوْنِ الْعَاجِ لَيْسَ بِذِي غُصُونِ
الْهَزْلُ: ضِدُّ الْجِدِّ، وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
تَجِدُّ بِنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَتَهْزِلُ أَمْهَلْتُ الرَّجُلَ: انْتَظَرْتُهُ، وَالْمَهَلُ وَالْمُهْلَةُ: السَّكِينَةُ، وَمَهَّلْتُهُ أَيْضًا تَمْهِيلًا وَتَمَهَّلَ فِي أمره: اتأد، واستمهلته: انْتَظَرْتُهُ، وَيُقَالُ مَهْلًا: أَيْ رِفْقًا وَسُكُونًا. رُوَيْدًا: مَصْدَرُ أَرْوَدَ يُرْوِدُ، مُصَغَّرٌ تَصْغِيرَ التَّرْخِيمِ، وَأَصْلُهُ إِرْوَادًا. وَقِيلَ: هُوَ تَصْغِيرُ رَوْدٍ، مِنْ قَوْلِهِ: يَمْشِي عَلَى رَوْدٍ: أَيْ مَهَلٍ، وَيُسْتَعْمَلُ مَصْدَرًا نَحْوَ: رُوَيْدَ عَمْرٍو بِالْإِضَافَةِ: أَيْ إِمْهَالَ عَمْرٍو، كَقَوْلِهِ:
فَضَرْبَ الرِّقابِ «١»، وَنَعْتًا لِمَصْدَرٍ نَحْوُ: سَارُوا سَيْرًا رُوَيْدًا وَحَالًا نَحْوُ: سَارَ الْقَوْمُ رُوَيْدًا، وَيَكُونُ اسْمَ فِعْلٍ، وَهَذَا كُلُّهُ مُوَضَّحٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ، وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ، النَّجْمُ الثَّاقِبُ، إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ، فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ، إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ، فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ، وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ، وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ، إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ، وَما هُوَ بِالْهَزْلِ، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً، وَأَكِيدُ كَيْداً، فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً.
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، وَلَمَّا ذَكَرَ فِيمَا قَبْلَهَا تَكْذِيبَ الْكُفَّارِ لِلْقُرْآنِ، نَبَّهَ هُنَا عَلَى حَقَارَةِ الْإِنْسَانِ، ثُمَّ اسْتَطْرَدَ مِنْهُ إِلَى أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ قَوْلٌ فَصْلٌ جِدٌّ، لَا هَزْلَ فِيهِ وَلَا بَاطِلَ يَأْتِيهِ. ثُمَّ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِإِمْهَالِ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ الْمُكَذِّبِينَ، وَهِيَ آيَةُ مُوَادَعَةٍ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
وَالسَّماءِ: هِيَ الْمَعْرُوفَةُ، قَالَهُ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: السَّمَاءُ هُنَا الْمَطَرُ، وَالطَّارِقِ: هُوَ الْآتِي لَيْلًا، أَيْ يَظْهَرُ بِاللَّيْلِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَطْرُقُ الْجِنِّيَّ، أَيْ يَصُكُّهُ، مِنْ طَرَقْتُ الْبَابَ إِذَا ضَرَبْتَهُ لِيُفْتَحَ لَكَ. أَتَى بِالطَّارِقِ مُقْسِمًا بِهِ، وَهِيَ صِفَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ النَّجْمِ الثَّاقِبِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: النَّجْمُ الثَّاقِبُ، إِظْهَارًا لِفَخَامَةِ مَا أَقْسَمَ بِهِ لِمَا عُلِمَ فِيهِ مِنْ عَجِيبِ الْقُدْرَةِ وَلَطِيفِ الْحِكْمَةِ، وَتَنْبِيهًا عَلَى ذَلِكَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ «٢».
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْنَى الْآيَةِ: وَالسَّمَاءِ وَجَمِيعِ مَا يَطْرُقُ فيه مِنَ الْأُمُورِ وَالْمَخْلُوقَاتِ.
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، عَلَى جِهَةِ التَّنْبِيهِ، أَجَلَّ الطَّارِقَاتِ قَدْرًا وَهُوَ النَّجْمُ الثَّاقِبُ، وكأنه قال:
(١) سورة محمد: ٤٧/ ٤.
(٢) سورة الواقعة: ٥٦/ ٧٥- ٧٦.
449
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ حَتَّى الطَّارِقِ، انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ بَعْضًا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ وَالطَّارِقِ، إِذْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الطَّوَارِقِ. وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ: يُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ مُفَسَّرٌ بِالنَّجْمِ الثَّاقِبِ. وَالنَّجْمُ الثَّاقِبُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْجَدْيُ، وَعِنْدَ ابْنِ زَيْدٍ:
زُحَلُ. وَقَالَ هُوَ أَيْضًا وَغَيْرُهُ: الثُّرَيَّا، وَهُوَ الَّذِي تُطْلِقُ عَلَيْهِ الْعَرَبُ اسْمَ النَّجْمِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ: نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ لَا يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ مِنَ النُّجُومِ، فَإِذَا أَخَذَتِ النُّجُومُ أَمْكِنَتَهَا مِنَ السَّمَاءِ هَبَطَ فَكَانَ مَعَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَهُوَ طَارِقٌ حِينَ يَنْزِلُ، وَطَارِقٌ حِينَ يَصْعَدُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِأَنَّهَا كُلَّهَا ثَوَاقِبُ، أَيْ ظَاهِرَةُ الضَّوْءِ. وَقِيلَ:
الْمُرَادُ جِنْسُ النُّجُومِ الَّتِي يُرْمَى بِهَا وَيُرْجَمُ. وَالثَّاقِبُ، قِيلَ: الْمُضِيءُ يُقَالُ: ثَقَبَ يَثْقُبُ ثُقُوبًا وَثَقَابَةً: أَضَاءَ، أَيْ يَثْقُبُ الظَّلَامَ بِضَوْئِهِ. وَقِيلَ: الْمُرْتَفِعُ الْعَالِي، وَلِذَلِكَ قِيلَ هُوَ زُحَلُ لِأَنَّهُ أَرَقُّهَا مَكَانًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: ثَقَبَ الطَّائِرُ ارْتَفَعَ وَعَلَا.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِنْ خَفِيفَةً، كُلُّ رَفْعًا لَمَا خَفِيفَةً، فَهِيَ عِنْدُ الْبَصْرِيِّينَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَكُلُّ مُبْتَدَأٌ وَاللَّامُ هِيَ الدَّاخِلَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ وَإِنِ الْمُخَفَّفَةِ، وَمَا زَائِدَةٌ، وَحَافِظٌ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَعَلَيْهَا مُتَعَلِّقٌ بِهِ. وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ: إِنْ نَافِيَةً، وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا، وَمَا زَائِدَةٌ، وَكُلٌّ وحافظ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَقَتَادَةُ وَعَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَأَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ بِخِلَافٍ عَنْهُمَا: لَمَّا مُشَدَّدَةً وَهِيَ بِمَعْنَى إِلَّا، لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي هُذَيْلٍ وَغَيْرِهِمْ. تَقُولُ الْعَرَبُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَّا فَعَلْتَ كَذَا:
أَيْ إِلَّا فَعَلْتَ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ. فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةٌ، أَيْ مَا كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ. وَحَكَى هَارُونُ أنه قرىء: إِنَّ بِالتَّشْدِيدِ، كُلَّ بِالنَّصْبِ، فَاللَّامُ هِيَ الدَّاخِلَةَ فِي خَبَرِ إِنَّ، وَمَا زَائِدَةٌ، وَحَافِظٌ خَبَرُ إِنَّ، وَجَوَابُ الْقَسَمِ هُوَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ إِنَّ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْمُخَفَّفَةَ أَوِ الْمُشَدَّدَةَ أَوِ النَّافِيَةَ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُتَلَقَّى بِهِ الْقَسَمُ فَتَلَقِّيهِ بِالْمُشَدَّدَةِ مَشْهُورٌ، وَبِالْمُخَفَّفَةِ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ «١»، وَبِالنَّافِيَةِ وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما «٢». وَقِيلَ:
جَوَابُ الْقَسَمِ إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ، وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ، وَالظَّاهِرُ عُمُومُ كُلِّ نَفْسٍ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ مُكَلَّفَةٍ، عَلَيْها حافِظٌ: يُحْصِي أَعْمَالَهَا وَيَعُدُّهَا لِلْجَزَاءِ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ فِي الْآيَةِ وَعِيدٌ وَزَاجِرٌ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: حَفَظَةٌ مِنَ اللَّهِ يَذُبُّونَ عَنْهَا، وَلَوْ وَكَلَ المرء إلى نفسه لا ختطفته الْغِيَرُ وَالشَّيَاطِينُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ
(١) سورة الصافات: ٣٧/ ٥٦.
(٢) سورة فاطر: ٣٥/ ٤١.
450
وَالْفَرَّاءُ: حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ يَحْفَظُهَا حَتَّى يُسَلِّمَهَا إِلَى الْمَقَادِيرِ. وَقِيلَ: الْحَافِظُ: الْعَقْلُ يُرْشِدُهُ إِلَى مَصَالِحِهِ وَيَكُفُّهُ عَنْ مَضَارِّهِ. وَقِيلَ: حَافِظٌ مُهَيْمِنٌ وَرَقِيبٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ عَلَيْهَا حَافِظٌ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِوَصِيَّةِ الْإِنْسَانِ بِالنَّظَرِ فِي أَوَّلِ نَشْأَتِهِ الْأُولَى حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَنْ أَنْشَأَهُ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِهِ وَجَزَائِهِ، فَيَعْمَلَ لِذَلِكَ وَلَا يُمْلِي عَلَى حَافِظِهِ إِلَّا مَا يَسُرُّهُ في عاقبته. ومِمَّ خُلِقَ: اسْتِفْهَامٌ، وَمِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بخلق، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بفلينظر، وَهِيَ مُعَلَّقَةٌ. وَجَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ، وَهُوَ مَنِيُّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لَمَّا امْتَزَجَا فِي الرَّحِمِ وَاتَّحَدَا عَبَّرَ عَنْهُمَا بِمَاءٍ، وَهُوَ مُفْرَدٌ، وَدَافِقٌ قِيلَ:
هُوَ بِمَعْنَى مَدْفُوقٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ. وَعِنْدَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ: هُوَ عَلَى النسب، كلا بن وَتَامِرٍ، أَيْ ذِي دَفْقٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِمَعْنَى دَافِقٍ لَزِجٍ، وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ وَصْفَهُ لَا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِذَلِكَ، وَالدَّفْقُ: الصَّبُّ، فِعْلُهُ مُتَعَدٍّ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالدَّفْقُ:
دَفْعُ الْمَاءِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، تَدَفَّقَ الْوَادِي وَالسَّيْلُ إِذَا جَاءَ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ دَافِقًا، لِأَنَّ بَعْضَهُ يَدْفَعُ بَعْضًا، فَمِنْهُ دَافِقٌ وَمِنْهُ مَدْفُوقٌ، انْتَهَى. وَرُكِّبَ قَوْلُهُ هَذَا عَلَى تَدَفَّقَ، وَتَدَفَّقَ لَازِمٌ دَفَقْتُهُ فَتَدَفَّقَ، نَحْوَ: كَسَرْتُهُ فَتَكَسَّرَ، وَدَفَقَ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ مَا فَسَّرَ مِنْ قَوْلِهِ: وَالدَّفْقُ دَفْعُ الْمَاءِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، بَلِ الْمَحْفُوظُ أَنَّهُ الصَّبُّ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَخْرُجُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ: بِضَمِّ الصَّادِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَابْنُ مِقْسَمٍ:
مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَهُمَا وَأَهْلُ مَكَّةَ وَعِيسَى: بِضَمِّ الصَّادِ وَاللَّامِ وَالْيَمَانِيُّ: بِفَتْحِهِمَا. قَالَ الْعَجَّاجُ:
فِي صُلْبٍ مِثْلِ الْعَنَانِ الْمُؤَدَّمِ وَتَقَدَّمَتِ اللُّغَاتُ فِي الصُّلْبِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَإِعْرَابُهَا صَالِبٌ كَمَا قَالَ الْعَبَّاسُ:
تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: مَعْنَاهُ مِنْ بَيْنِ صُلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَتَرَائِبِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ وَقَتَادَةُ أَيْضًا: مِنْ بَيْنِ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ التَّرَائِبِ فِي الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ وَعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ: هِيَ أَضْلَاعُ الرَّجُلِ الَّتِي أَسْفَلَ الصُّلْبِ. وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالصَّدْرِ. وَقِيلَ: هِيَ التَّرَاقِي وَعَنْ مَعْمَرٍ: هِيَ عُصَارَةُ الْقَلْبِ وَمِنْهُ يَكُونُ الْوَلَدُ. وَنَقَلَ مَكِّيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ التَّرَائِبَ أَطْرَافُ الْمَرْءِ، رِجْلَاهُ وَيَدَاهُ وَعَيْنَاهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ تَحْكُمُ عَلَى اللُّغَةِ، انْتَهَى.
451
إِنَّهُ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْخَالِقِ الدَّالِّ عَلَيْهِ خُلِقَ. عَلى رَجْعِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: الضَّمِيرُ فِي رَجْعِهِ عَائِدٌ عَلَى الْإِنْسَانِ، أَيْ عَلَى رَدِّهِ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهِ، أَيْ مَنْ أَنْشَأَهُ أَوَّلًا قَادِرٌ عَلَى بَعْثِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: عَلَى رَدِّهِ مِنَ الْكِبَرِ إِلَى الشَّبَابِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمَاءِ، أَيْ عَلَى رَدِّ الْمَاءِ فِي الْإِحْلِيلِ أَوْ فِي الصُّلْبِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَوْلِ الضَّحَّاكِ يَكُونُ الْعَامِلُ فِي يَوْمَ تُبْلَى مضمر تَقْدِيرُهُ اذْكُرْ. وَعَلَى قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ: الْعَامِلُ نَاصِرٍ مِنْ قَوْلِهِ:
وَلا ناصِرٍ، وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ مَا النَّافِيَةِ لَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَنْصُورِ. وَقَالَ آخَرُونَ، وَمِنْهُمُ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْعَامِلُ رَجْعِهِ وَرُدَّ بِأَنْ فِيهِ فَصْلًا بَيْنَ الْمَوْصُولِ وَمُتَعَلِّقِهِ، وَهُوَ مِنْ تَمَامِ الصِّلَةِ، وَلَا يَجُوزُ. وَقَالَ الْحُذَّاقُ مِنَ النُّحَاةِ: الْعَامِلُ فِيهِ مُضْمَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ تَقْدِيرُهُ: يُرْجِعُهُ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَكُلُّ هَذِهِ الْفِرَقِ فَرَّتْ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ لَقَادِرٌ، لِأَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ تَخْصِيصُ الْقُدْرَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَحْدَهُ. وَإِذَا تُؤُمِّلَ الْمَعْنَى وَمَا يَقْتَضِيهِ فَصِيحُ كَلَامِ الْعَرَبِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَقَادِرٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَفِي كُلِّ وَقْتٍ. ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى وَخَصَّصَ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْوَقْتَ الْأَهَمَّ عَلَى الْكُفَّارِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ الْجَزَاءِ وَالْوُصُولِ إِلَى الْعَذَابِ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ إِلَى حَذَرِهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ، انْتَهَى. تُبْلَى قِيلَ:
تُخْتَبَرُ، وَقِيلَ: تُعْرَفُ وَتُتَصَفَّحُ وَتُمَيَّزُ صَالِحُهَا مِنْ فَاسِدِهَا، والسَّرائِرُ: مَا أَكَنَّتْهُ الْقُلُوبُ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالنِّيَّاتِ، وَمَا أَخْفَتْهُ الْجَوَارِحُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَالظَّاهِرُ عُمُومُ السَّرَائِرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّهَا التَّوْحِيدُ وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ
، وَكَانَ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ أَعْظَمَ السَّرَائِرِ، وَسَمِعَ الْحَسَنُ مَنْ يُنْشِدُ:
سَيَبْقَى لَهَا فِي مُضْمَرِ الْقَلْبِ وَالْحَشَا سَرِيرَةُ وُدٍّ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ
فَقَالَ: مَا أَغْفَلَهُ عَمَّا فِي السَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَالْبَيْتُ لِلْأَحْوَصِ. وَلَمَّا كَانَ الِامْتِنَاعُ فِي الدُّنْيَا إِمَّا بِقُوَّةٍ فِي الْإِنْسَانِ، وَإِمَّا بِنَاصِرٍ خَارِجٍ عَنْ نَفْسِهِ، نَفَى عَنْهُ تَعَالَى مَا يَمْتَنِعُ بِهِ وَأَتَى بِمِنَ الدَّالَّةِ عَلَى الْعُمُومِ فِي نَفْيِ الْقُوَّةِ وَالنَّاصِرِ. وَالسَّماءِ: أَقْسَمَ ثَانِيًا بِالسَّمَاءِ وَهِيَ الْمِظَلَّةُ. قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّحَابَ. ذاتِ الرَّجْعِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرَّجْعُ:
السَّحَابُ فِيهِ الْمَطَرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: تَرْجِعُ بِالرِّزْقِ كُلَّ عَامٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الرَّجْعُ مَصْدَرُ رُجُوعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَمِنْ مَنْزِلَةٍ إِلَى مَنْزِلَةٍ، تَذْهَبُ وَتَرْجِعُ، وَقِيلَ: الرَّجْعُ: الْمَطَرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْهُذَلِيِّ:
452
أَبْيَضُ كَالرَّجْعِ رَسُوبٌ إِذَا مَا نَاحَ فِي مُحْتَفَلٍ يَخْتَلِي
يَصِفُ سَيْفًا شَبَّهَهُ بِمَاءِ الْمَطَرِ فِي بَيَاضِهِ وَصَفَائِهِ، وَسُمِّيَ رَجْعًا كَمَا سُمِّيَ إِرْبًا، قَالَ الشَّاعِرُ:
ربا شمالا يَأْوِي لِقُلَّتِهَا إِلَّا السَّحَابُ وَإِلَّا الْإِرْبُ وَالسَّبَلُ
تَسْمِيَةٌ بِمَصْدَرِ آبَ وَرَجَعَ. تَزْعُمُ الْعَرَبُ أَنَّ السَّحَابَ يَحْمِلُ الْمَاءَ مِنْ بِحَارِ الْأَرْضِ ثُمَّ يُرْجِعُهُ إِلَى الْأَرْضِ إِذَا أَرَادُوا التَّفَاؤُلَ، وَسَمَّوْهُ رجعا وإربا ليرجع ويؤب. وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرْجِعُهُ وَقْتًا فَوَقْتًا، قَالَتِ الخنساء:
كالرجع في الموجنة السَّارِيَهْ وَقِيلَ: الرَّجْعُ: الْمَلَائِكَةُ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِرُجُوعِهِمْ بِأَعْمَالِ الْعِبَادِ. وَقِيلَ: السَّحَابُ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الرَّجْعَ هُوَ الْمَطَرُ، وَالصَّدْعُ: مَا تَتَصَدَّعُ عَنْهُ الْأَرْضُ مِنَ النَّبَاتِ، وَيُنَاسِبُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الرَّجْعُ: الْمَطَرُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ذَاتِ الِانْشِقَاقِ:
النَّبَاتِ. وَقَالَ أَيْضًا: ذَاتُ الْحَرْثِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الصَّدْعُ: مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ شِقَاقٍ وَلِصَابٍ وَخَنْدَقٍ وَتَشَقُّقٍ بِحَرْثٍ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ أُمُورٌ فِيهَا مُعْتَبَرٌ، وَعَنْهُ أَيْضًا: ذَاتُ الطُّرُقِ تُصَدِّعُهَا الْمُشَاةُ. وَقِيلَ: ذَاتُ الْأَمْوَاتِ لِانْصِدَاعِهَا عَنْهُمْ يَوْمَ النُّشُورِ. وَالضَّمِيرُ فِي إِنَّهُ، قَالُوا عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ. فَصْلٌ أَيْ فَاصِلٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، كَمَا قِيلَ لَهُ فُرْقَانٌ. وَأَقُولُ:
وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي إِنَّهُ عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي أَخْبَرَ فِيهِ بِبَعْثِ الْإِنْسَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَابْتِلَاءِ سَرَائِرِهِ: أَيْ إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ قَوْلٌ جَزْمٌ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ لَا هَزْلَ فِيهِ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ قَدْ عَادَ عَلَى مَذْكُورٍ، وَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي تَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنِ الْبَعْثِ، وَلَيْسَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا هَزْلٌ بَلْ هُوَ جِدٌّ كُلُّهُ. إِنَّهُمْ: أَيِ الْكَافِرُونَ، يَكِيدُونَ: أَيْ فِي إِبْطَالِ أَمْرِ اللَّهِ وَإِطْفَاءِ نُورِ الْحَقِّ، وَأَكِيدُ: أَيْ أُجَازِيهِمْ عَلَى كَيْدِهِمْ، فَسَمَّى الْجَزَاءَ كَيْدًا عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ «١»، إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ «٢»، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ «٣».
ثُمَّ أَمَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً: أَيِ انْتَظِرْ عُقُوبَتَهُمْ وَلَا تَسْتَعْجِلْ ذَلِكَ ثُمَّ أَكَّدَ أَمْرَهُ فَقَالَ: أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً: أَيْ إِمْهَالًا لَمَّا كَرَّرَ الْأَمْرَ تَوْكِيدًا خَالَفَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُطْلَقٌ، وَهَذَا الثَّانِيَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ: رُوَيْداً. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَهِّلْهُمْ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ الْهَاءِ مُوَافَقَةً لِلَفْظِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ.
(١) سُورَةُ آل عمران: ٣/ ٥٤.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ١٤.
(٣) سورة البقرة: ٢/ ١٥.
453
سورة الطارق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطَّارق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البلد)، وقد افتُتحت بالدلالة على عظمةِ الله، وتدبيره لهذا الكون، ودللت على بعثِ اللهِ الخلائقَ بعد موتهم، وإحصائه أعمالَهم، ومحاسبتِهم عليها؛ فليراجع الإنسانُ نفسَه قبل فوات الأوان! و(الطَّارق): هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

ترتيبها المصحفي
86
نوعها
مكية
ألفاظها
61
ترتيب نزولها
36
العد المدني الأول
16
العد المدني الأخير
17
العد البصري
17
العد الكوفي
17
العد الشامي
17

* سورة (الطَّارق):

سُمِّيت سورة (الطَّارق) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ اللهِ بـ{اْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، والطارق: هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ في الظُّهر والعصر بسورة (الطارق):

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ والعصرِ بـ{وَاْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ}، ونحوِهما مِن السُّوَرِ». أخرجه أبو داود (٨٠٥).

1. مظاهر قدرة الله في خَلْق الإنسان (١-١٠).

2. حقيقة القرآن الكريم (١١-١٤).

3. أحوال الكافرين المكذِّبين (١٥-١٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /101).

يقول ابنُ عاشور عن مقصودها: «إثباتُ إحصاءِ الأعمال، والجزاءِ على الأعمال.

وإثبات إمكان البعث بنقضِ ما أحاله المشركون؛ ببيانِ إمكان إعادة الأجسام.
وأُدمِج في ذلك التذكيرُ بدقيق صُنْعِ الله، وحِكْمته في خَلْق الإنسان.
والتنويه بشأن القرآن.
وصدق ما ذُكِر فيه من البعث؛ لأن إخبارَ القرآن به لمَّا استبعَدوه وموَّهوا على الناس بأن ما فيه غيرُ صدقٍ.

وتهديد المشركين الذين ناوَوُا المسلمين.
وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدُه بأن الله منتصرٌ له غيرَ بعيد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /258).