تفسير سورة الرّوم

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الروم من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه الجصاص . المتوفي سنة 370 هـ

قوله تعالى :﴿ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِباً ليَرْبُوَ في أَمْوَالِ النَّاسِ فلا يَرْبُو عِنْدَ الله ﴾. رُوي عن ابن عباس ومجاهد في قوله :﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً ليَرْبُوَ في أَمْوَالِ النَّاسِ ﴾ :" هو الرجل يَهَبُ الشيء يريد أن يُثاب أفضل منه، فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يُؤْجَرُ صاحبه فيه ولا إثم عليه ".
﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله ﴾ وعن سعيد بن جبير قال :" هو الرجل يعطي ليُثاب عليه ".
وروى عبدالوهاب عن خالد عن عكرمة :﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً ليَرْبُو في أَمْوَالِ النَّاسِ ﴾ قال :" الربا رِبوَانِ : فربا حلال وربا حرام، فأما الربا الحلال فهو الذي يُهْدَى يُلْتَمَسُ به ما هو أفضل منه ".
وروى زكريا عن الشعبي :﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً ليَرْبُوَ في أَمْوَالِ النَّاسِ ﴾ قال :" كان الرجل يسافر مع الرجل فيخفّ له ويخدمه فيجعل له من ربح ماله ليجزيه بذلك ". وروى عبدالعزيز بن أبي رواد عن الضحاك :﴿ وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً ليَرْبُوَ في أَمْوَالِ النَّاسِ ﴾ قال :" هو الربا الحلال، الرجل يهدي ليُثاب أفضل منه، فذلك لا له ولا عليه، ليس فيه أجر وليس عليه فيه إثم ".
ورَوَى منصور عن إبراهيم :﴿ ولا تمنن تستكثر ﴾ [ المدثر : ٦ ] قال :" لا تُعْطِ لتزداد ". قال أبو بكر : يجوز أن يكون ذلك خاصّاً للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان في أعلى مراتب مكارم الأخلاق كما حُرِّم عليه الصدقة ؛ وقد رُوي عن الحسن في قوله تعالى :﴿ ولا تمنن تستكثر ﴾ [ المدثر : ٦ ] : لا تستكثر عملك فتمنَّ به على ربك.
قوله تعالى :﴿ الله الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ﴾ ؛ يعني أنه خلقكم ضعفاء حملاً في بطون الأمهات ثم أطفالاً لا تملكون لأنفسكم نفعاً ولا ضرّاً ثم جعلكم أقوياء ثم أعطاكم من الاستطاعة والعقل والدراية للتصرف في اختلاف المنافع ودفع المضارّ ثم جعلكم ضعفاء في حال الشيخوخة، كقوله تعالى :﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ [ يس : ٦٨ ] وقوله :﴿ ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئاً ﴾ [ النحل : ٧٠ ] فيبقى مسلوب القوى والفهم كالصبيّ، بل حاله دون حال الصبيّ لأن الصبي في زيادة من القوى والفهم من حين البلوغ وكمال حال الإنسانية وهذا يزداد على البقاء ضعفاً وجهلاً ؛ ولذلك سماه الله تعالى أرذل العمر، وجعل الشيب قريناً للضعف بقوله :﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وشَيْبَةً ﴾، وهو كقوله تعالى حاكياً عن نبيه زكريا عليه السلام :﴿ رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ﴾ [ مريم : ٤ ].
سورة الروم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الرُّومِ) من السُّوَر المكية، وهي السورة الوحيدة التي ذُكِر فيها (الرُّومُ)؛ ولهذا سُمِّيت بهذا الاسم، وقد اشتمَلتْ هذه السورة الكريمة على الإخبارِ بغيبِ المستقبَل؛ من أن (الرُّومَ) سيكونون غالبين بعد أن كانوا مغلوبين، وفي ذلك تأكيدٌ لصِدْقِ النبي صلى الله عليه وسلم، ومقصودُ السورة عظيم؛ ألا وهو: ردُّ الأمر كلِّه لله، مِن قبلُ ومِن بعدُ؛ مما يدعو كلَّ مؤمن إلى صدقِ التوكل عليه، والالتجاء إليه، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في الفجر.

ترتيبها المصحفي
30
نوعها
مكية
ألفاظها
817
ترتيب نزولها
84
العد المدني الأول
60
العد المدني الأخير
59
العد البصري
60
العد الكوفي
60
العد الشامي
60

* سورةُ (الرُّومِ):

سُمِّيت سورةُ (الرُّومِ) بذلك؛ لأنه ورَد فيها ذِكْرُ (الرُّومِ)، ولم يَرِدْ في غيرها من القرآن.

* أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورةَ (الرُّومِ) في الفجرِ:

عن أبي مالكٍ الأغَرِّ المُزَنيِّ رضي الله عنه، قال: «صلَّيْتُ مع النبيِّ ﷺ، فقرَأَ سورةَ الرُّومِ في الصُّبْحِ». أخرجه الطبراني (٨٨٤).

اشتمَلتْ سورة (الرُّومِ) على عِدَّةِ موضوعات؛ وهي:

1. الإخبار عن غيب المستقبَل (١-٧).

2. التفكير في مخلوقات الله يدل على وجوده، وهو الذي يُعِيد خَلْقَ الإنسان يوم القيامة (٨-١٦).

3. تنزيه الله وَحْده، وأدلة وجوده وربوبيَّتِه سبحانه وتعالى (١٧-٢٧).

4. إثبات الوَحْدانية، وبطلان الشِّرك، والأمر باتباع الإسلام (٢٨-٣٢).

5. لجوء الناس إلى الله عند الشدائد، وإعراضهم عند زوالها (٣٣-٣٧).

6. الحث على الإنفاق لذوي الأرحام، والتحذير من المال الحرام (٣٨-٤٠).

7. جزاء المفسدين والمؤمنين (٤١-٤٥).

8. الرِّياح والأمطار دالة على قدرة الله تعالى، وتشبيهُ الكفار بالموتى (٤٦-٥٣).

9. أطوار حياة الإنسان، قَسَمُ المجرمين في الآخرة (٥٤-٥٧).

10. الأمثال للعِبْرة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على الدعوة (٥٨-٦٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /4).

إثباتُ الأمرِ كلِّه لله عزَّ وجلَّ؛ فهو صاحب الحقِّ، المتصفُ بالرُّبوبية والألوهية وكلِّ صفات الكمال، والقادرُ على كل شيء، فيأتي البعثُ، ونصرُ أوليائه، وخِذْلان أعدائه؛ وهذا هو المقصود بالذات، واسمُ السورة واضح فيه؛ بما كان من السبب في نصرِ (الرُّوم) من الوعد الصادق، والسرِّ المكتوم، ومن أعظم ما اشتملت عليه: التصريحُ بأن الإسلامَ دِينٌ فطَر اللهُ الناسَ عليه، وأن مَن ابتغى غيرَه دِينًا فقد حاول تبديلَ ما خلَق الله، وأنَّى له ذلك؟!

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /349)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /41).