تفسير سورة الرّوم

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة الروم من كتاب مجاز القرآن المعروف بـمجاز القرآن.
لمؤلفه أبو عبيدة معمر بن المثنى . المتوفي سنة 209 هـ

«سورة الرّوم» (٣٠)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

«الم غُلِبَتِ الرُّومُ» (١، ٢) ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتى مجازهن مجاز حروف التهجي ومجاز موضعه فى المعنى كمجار ابتداء فواتح سائر السور..
«فِي بِضْعِ سِنِينَ» (٤) والبضع ما بين ثلاث سنين وخمس سنين..
«وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ» (٦) «وَعْدَ اللَّهِ» منصوب من موضعين أحدهما: على قولك: وهم من بعد غلبهم سيغلبون، وعدا من الله فصار فى موضع مصدر «سيغلبون» وقد ينصبون المصدر إذا كان غير مصدر الفعل الذي قبله لأنه فى موضع مصدر ذلك الفعل والثاني: لأنه قد يجوز أن يكون فى موضع «فعل» وفى موضع «يفعل» منه قال أبو عمرو بن العلاء والبيت لكعب:
تسعى الوشاة جنابيها وقيلهم إنك يا ابن أبى سلمى لمقتول
(١٤٧) أي ويقولون فلذلك نصب «وقيلهم»..
«وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها» (٩) أي استخرجوها، ومنه قولهم:
أثار ما عندى: أي استخرجه، وأثار القوم: أي استخرجهم.
«وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ» (١٢) أي يتندمون ويكتئبون وييأسون.
قال العجّاج:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا قال نعم أعرفه وأبلسا
(٢١٧).
«فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ» (١٥) مجازه: يفرحون ويسرّون وليس شىء أحسن عند العرب من الرياض المعشبة ولا أطيب ريحا قال الأعشى:
ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل «١» [٦٩٢]
يوما بأطيب منها نشر رائحة ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
وقال العجّاج:
والحمد لله الذي أعطى الحبر موالى الحقّ إنّ المولى شكر
«٢» [٦٩٣] ويقال فى المثل «٣» : مليت بيوتهم حبرة فهم ينتظرون العبرة..
«مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ» (٢٣) وهى من مصادر النوم بمنزلة قام يقوم مقاما، وقال يقول مقالا.
(١). - ٦٩٢) الأول هو ١٤ والثاني هو ١٦ من القصيدة السادسة فى ديوانه وهما مع بيت آخر فى الطبري ٢١/ ١٧ والقرطبي ١٤/ ١١.
(٢). - ٦٩٣: ديوانه ص ١٥ والطبري ٢١/ ١٨ والاقتضاب ص ٤٠٧.
(٣). - ١١ «المثل» : لم أجده فيما رجعت إليه إلا فى الجمهرة (١/ ٢١٨) مثلا مضروبا فى كلمة «حبرة» هكذا: كل حبرة تعقبها عبرة.
«كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ» (٢٦) أي مطيعون و «كلّ» لفظه لفظ الواحد ويقع معناه على الجميع فهو هاهنا جميع وفى الكلام: كل له مطيع أيضا.
«وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» (٢٧) مجازه أنه خلقه ولم يكن من البدء شيئا ثم يحييه بعد موته «وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» (٢٧) فجاز مجازه: وذلك هبّن عليه لأن «أفعل» يوضع فى موضع الفاعل قال:
لعمرك ما أدرى وإنى لأوجل على أيّنا تعدو المنيّة أوّل
«١» [٦٩٤] أي وإنى لواجل أي لوجل، وقال:
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
(٥٣١) أي بواحد وفى الأذان: الله أكبر أي الله كبير. وقال الشاعر:
أصبحت أمنحك الصّدود واننى قسما إليك مع الصدود لأميل
«٢» [٦٩٥] وقال الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعزّ وأطول
«٣» [٦٩٦] أي عزيزة «٤» طويلة. فان احتجّ محتجّ فقال إن الله لا يوصف بهذا وإنما يوصف به الخلق فزعم أنه وهو أهون على الخلق وإن الحجة عليه قول الله
(١). - ٦٩٤: لمعن بن أوس من كلمة فى ديوانه ص ٣٦ وفى حماسة البحتري ص ١٠١ وأمالى القالي ٣/ ٢١٨ والمعاني للعسكارى ١/ ١١٣ والعيني ٣/ ٤٣٩ والخزانة ٣/ ٥٠٦.
(٢). - ٦٩٥: من كلمة للأحوص بن محمد الأنصاري فى الأغانى ١٨/ ٩٦ والخزانة ١/ ٢٤٨ والبيت فى الكتاب ١/ ١٦٠ والسمط ص ٢٥٩ والقرطبي ١٤/ ٢١.
(٣). - ٦٩٦: مطلع قصيدة له فى النقائض رقم ٣٩ وهو فى ديوانه ص ٧١٤ والطبري ٢١/ ١٢ والقرطبي ١٤/ ٢١ والعيني ٤/ ٤٢ والخزانة ٣/ ١٤٧، ٤٨٠.
(٤). - ١٣- ٢- من ص ١٢٢ «أي عزيزة... ينقله» : رواه الطبري (٢١/ ٢٢) عن بعض أهل العربية لعله أبو عبيدة.
«وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً» (٣٣/ ١٩) وفى آية أخرى «وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما «١» » أي لا يثقله..
«فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها» (٣٠) أي صبغة الله التي خلق عليها الناس، وفى الحديث: كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه الذين يهوّدانه وينصرانه «٢» أي على الملة والصبغة وهى واحدة وهى العهد الذي كان أخذه الله منهم ونصبوها على موضع المصدر وإن شئت فعلى موضع الفعل قال:
إنّ نزارا أصبحت نزارا دعوة أبرار دعوا أبرارا
«٣» [٦٩٧].
«مُنِيبِينَ إِلَيْهِ» (٣١) أي راجعين تائبين..
«كانُوا شِيَعاً» (٣٢) أي أحزابا فرقا..
«كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» (٣٢) أي كل شيعة وفرقة بما عندهم.
«فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» (٣٤) مجازه مجاز التوعّد والتهدّد وليس بأمر طاعة ولا فريضة.
«إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ» (٣٦) أي يئسون قال حميد الأرقط:
قد وجدوا الحجّاج غير قانط
«٤» [٦٩٨]
(١). - ١- ٢ «ومن جعل... حفظهما» الذي ورد فى الفروق: رواه القرطبي (١٤/ ٢١) عن أبى عبيدة.
(٢). - ٤ «كل... ينصرانية» : قد أخرج البخاري هذا الحديث فى كتاب الجنائز، والتفسير والقدر ومسلم فى القدر وأبو داود فى السنة والترمذي فى القدر وابن ماجة فى الرهون وهو فى القرطبي ١٤/ ٢٦.
(٣). - ٦٩٧: وأنشد سيبويه هذا الرجز فى باب «ما يكون المصدر فيه توكيدا لنفسه نصبا» ونسبه إلى رؤبة (الكتاب ١/ ١٦٠) ولم أجده فى ديوان رؤبة وهو فى الشنتمرى ١/ ١٩١ وابن يعيش ١/ ١٤٥.
(٤). - ٦٩٨: فى الطبري ٢١/ ٢٦ والجمهرة ٣/ ١١٥. [.....]
«فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ» أي لا يزيد ولا ينمى..
«اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» (٤٠) مجازه: من يفعل من ذلكم شيئا، «من» من حروف الزوائد وقد أثبتنا تفسيره فى غير مكان وجاء «مِنْ ذلِكُمْ» وهو واحد وقبله جميع قال: «خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ» والعرب قد تفعل مثل ذلك قال رؤبة بن العجّاج:
فيها خطوط من سواد وبلق كأنه فى الجلد توليع البهق
«١» - ٥٠ يريد كأن ذاك ولم يرد خطوطا فيؤنثه ولا سوادا أو بلقا فيثنّيه وهذا كله يحاجهم به القرآن وليس باستفهام ب «هل» ومعناه: ما من شركائكم من يفعل ذلك ومجاز «سُبْحانَهُ» مجاز موضع التنزيه والتعظيم والتبرؤ قال الأعشى:
أقول لّما جاءنى فخره سبحان من علقمة الفاخر
(٤٤) يتبرؤ من ذلك له وتعالى أي علا عن ذلك..
«يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ «٢» » (٤٣) أي يتفرقون ويتخاذلون.
(١). - ٥٠: انظر ما جرى بين أبى عبيدة وبين رؤبة فى معنى هذا الرجز فى موضعه.
(٢). - ١٤ «يَصَّدَّعُونَ» وروى ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الكلمة فى فتح الباري ٨/ ٣٩٤.
«مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ» (٤٤) من يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث ومجازها هاهنا مجاز الجميع «ويمهد» أي يكتسب ويعمل ويستعد قال سليمان بن يزيد العدوى:
أمهد لنفسك حان السقم والتلف ولا تضيعنّ نفسا ما لها خلف
«١» [٦٩٩].
«فَتُثِيرُ سَحاباً» (٤٨) مجازه: تجمع وتستخرج..
«الْوَدْقَ» (٤٨) والقطر واحد قال:
فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل أبقالها
(٦٠٣).
«مِنْ خِلالِهِ» (٤٨) أي من بينه..
«فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (٥٠) المحيي الموتى هو الله ولم تقع هذه الصفة على رحمة الله ولكنها وقعت على أن الله هو محيى الموتى وهو على كل شىء قدير. والعرب قد تفعل ذلك فتصف الآخر وتترك الأول يقولون:
(١). - ٦٩٩: فى الطبري ٢٠/ ٣١.
رأيت غلام زيد أنه عنه لحليم أي أن زيدا عن غلامه وعن غيره لحليم.
«وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا» (٥١) الهاء هاهنا للأثر كقولك:
فرأوا الأثر مصفرّا ومعناه النبات..
«خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ» (٥٤) أي صغارا أطفالا..
«ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً» (٥٤) أي الكبر بعد القوة..
«كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ» (٥٩) يقال للسيف إذا جرب وصدىء: قد طبع السيف وهو أشد الصدأ «١».
(١). - ٧٠١: ديوانه ص ٨٦.
سورة الروم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الرُّومِ) من السُّوَر المكية، وهي السورة الوحيدة التي ذُكِر فيها (الرُّومُ)؛ ولهذا سُمِّيت بهذا الاسم، وقد اشتمَلتْ هذه السورة الكريمة على الإخبارِ بغيبِ المستقبَل؛ من أن (الرُّومَ) سيكونون غالبين بعد أن كانوا مغلوبين، وفي ذلك تأكيدٌ لصِدْقِ النبي صلى الله عليه وسلم، ومقصودُ السورة عظيم؛ ألا وهو: ردُّ الأمر كلِّه لله، مِن قبلُ ومِن بعدُ؛ مما يدعو كلَّ مؤمن إلى صدقِ التوكل عليه، والالتجاء إليه، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في الفجر.

ترتيبها المصحفي
30
نوعها
مكية
ألفاظها
817
ترتيب نزولها
84
العد المدني الأول
60
العد المدني الأخير
59
العد البصري
60
العد الكوفي
60
العد الشامي
60

* سورةُ (الرُّومِ):

سُمِّيت سورةُ (الرُّومِ) بذلك؛ لأنه ورَد فيها ذِكْرُ (الرُّومِ)، ولم يَرِدْ في غيرها من القرآن.

* أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورةَ (الرُّومِ) في الفجرِ:

عن أبي مالكٍ الأغَرِّ المُزَنيِّ رضي الله عنه، قال: «صلَّيْتُ مع النبيِّ ﷺ، فقرَأَ سورةَ الرُّومِ في الصُّبْحِ». أخرجه الطبراني (٨٨٤).

اشتمَلتْ سورة (الرُّومِ) على عِدَّةِ موضوعات؛ وهي:

1. الإخبار عن غيب المستقبَل (١-٧).

2. التفكير في مخلوقات الله يدل على وجوده، وهو الذي يُعِيد خَلْقَ الإنسان يوم القيامة (٨-١٦).

3. تنزيه الله وَحْده، وأدلة وجوده وربوبيَّتِه سبحانه وتعالى (١٧-٢٧).

4. إثبات الوَحْدانية، وبطلان الشِّرك، والأمر باتباع الإسلام (٢٨-٣٢).

5. لجوء الناس إلى الله عند الشدائد، وإعراضهم عند زوالها (٣٣-٣٧).

6. الحث على الإنفاق لذوي الأرحام، والتحذير من المال الحرام (٣٨-٤٠).

7. جزاء المفسدين والمؤمنين (٤١-٤٥).

8. الرِّياح والأمطار دالة على قدرة الله تعالى، وتشبيهُ الكفار بالموتى (٤٦-٥٣).

9. أطوار حياة الإنسان، قَسَمُ المجرمين في الآخرة (٥٤-٥٧).

10. الأمثال للعِبْرة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على الدعوة (٥٨-٦٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /4).

إثباتُ الأمرِ كلِّه لله عزَّ وجلَّ؛ فهو صاحب الحقِّ، المتصفُ بالرُّبوبية والألوهية وكلِّ صفات الكمال، والقادرُ على كل شيء، فيأتي البعثُ، ونصرُ أوليائه، وخِذْلان أعدائه؛ وهذا هو المقصود بالذات، واسمُ السورة واضح فيه؛ بما كان من السبب في نصرِ (الرُّوم) من الوعد الصادق، والسرِّ المكتوم، ومن أعظم ما اشتملت عليه: التصريحُ بأن الإسلامَ دِينٌ فطَر اللهُ الناسَ عليه، وأن مَن ابتغى غيرَه دِينًا فقد حاول تبديلَ ما خلَق الله، وأنَّى له ذلك؟!

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /349)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /41).