تفسير سورة التحريم

تفسير البغوي

تفسير سورة سورة التحريم من كتاب معالم التنزيل المعروف بـتفسير البغوي.
لمؤلفه البغوي . المتوفي سنة 516 هـ

حَالٍ إِلَى حَالٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي كُلِّ أَرْضٍ مِنْ أُرْضِهِ وَسَمَاءٍ مِنْ سَمَائِهِ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ وَأَمْرٌ مِنْ أَمْرِهِ وَقَضَاءٌ مِنْ قَضَائِهِ. لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ.
سورة التحريم
مدنية [وهي اثنتا عشرة آية] [١]
[سورة التحريم (٦٦) : آيَةً ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١)، وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا.
«٢٢٣٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِد [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل ثنا عبيد الله بن إسماعيل ثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هُشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الحلواء والعسل وكان إذا صلى العصر دخل عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِي: أَهَدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ فَسَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا شَرْبَةً فَقُلْتُ أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ، وَقُلْتُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ فَقُولِي لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ [٢] فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَا فَقُولِي لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ، وَكَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي لَهُ جرست نحلة العرفط [٣]، سأقول ذَلِكَ وَقَوْلِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ، فلما دخل على سودة قالت سَوْدَةُ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ كِدْتُ أَنْ أَبَادِيهِ بِالَّذِي قُلْتِ لِي وَإِنَّهُ لَعَلَى الْبَابِ فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، قَالَ: «لَا» قالت: فَمَا بَالُ هَذِهِ الرِّيحِ قَالَ: «سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ» قَالَتْ: جرست نحله العرفط، سأقول ذَلِكَ وَقَوْلِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَدَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ فقالت مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَّا أَسْقِيكَ مِنْهُ قَالَ: «لا حاجة لي به» قالت تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ، قَالَتْ:
قُلْتُ لَهَا اسْكُتِي.
٢٢٣٥- إسناده صحيح على شرط البخاري، فقد تفرد عن عبيد الله، ويقال: عبيد.
- أبو أسامة هو حماد بن أسامة، هشام هو ابن عروة بن الزبير.
- وهو في «صحيح البخاري» ٦٩٧٢ عن عبيد الله بن إسماعيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٤٧٤ ح ٢١ وأبو داود ٣٧١٥ وأبو يعلى ٤٨٩٦ من طرق عن أبي أسامة به.
- وأخرجه الواحدي في «الأسباب» ٨٣٢ من طريق علي بن مسهر عن هشام بن عروة به.
(١) زيد في المطبوع.
(٢) بقلة أو صمغة فيها حلاوة، واحدها: مغفور.
(٣) جرست: أكلت، العرفط: نبت له ريح كريح الخمر.
115
«٢٢٣٦» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ [بْنِ] [١] الصَّبَّاحِ ثنا الْحَجَّاجُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: زَعْمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عَبِيدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ سُمِعَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تقول: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زينب بنت جحش فيشرب عِنْدَهَا عَسَلًا فَتَوَاصَيْتُ [٢] أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَا بَأْسَ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ» فَنَزَلَتْ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ إِلَى قَوْلِهِ: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ. وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً لِقَوْلِهِ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا.
«٢٢٣٧» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ موسى أنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ قَالَ: «لَا وَلَكِنْ كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ فلا تخبري بهذا أحدا» يبتغي بذلك مرضات أَزْوَاجِهِ.
«٢٢٣٨» وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ حَفْصَةَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زِيَارَةِ أَبِيهَا فَأَذِنَ لَهَا، فَلَمَّا خَرَجَتْ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَارِيَتِهِ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ فَأَدْخَلَهَا بَيْتَ حَفْصَةَ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَلَمَّا رَجَعَتْ حَفْصَةُ وَجَدَتِ الْبَابَ مُغْلَقًا، فَجَلَسَتْ عِنْدَ الْبَابِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجْهُهُ يَقْطُرُ عَرَقًا، وَحَفْصَةُ تَبْكِي فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ؟» فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَذِنْتَ لِي مِنْ أَجْلِ هَذَا أَدْخَلْتَ أَمَتَكَ بَيْتِي ثُمَّ وَقَعْتَ عَلَيْهَا فِي يَوْمِي وَعَلَى فِرَاشِي أَمَا رَأَيْتَ لِي حُرْمَةً وَحَقًّا، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا بِامْرَأَةٍ مِنْهُنَّ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَتْ هِيَ جَارِيَتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ لِي اسْكُتِي فَهِيَ حَرَامٌ عليّ ألتمس بذلك رضاك، فلا تخبري بذلك امرأة
٢٢٣٦- إسناده صحيح على شرط البخاري، حيث تفرد عن الحسن البخاري. ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- حجاج هو ابن محمد، ابن جريج، هو عبد الملك بن عبد العزيز، عطاء هو ابن أبي رباح.
- وهو في «شرح السنة»
٢٣٥١ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٥٢٦٧ عن الحسن بن محمد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦٦٩١ ومسلم ١٤٧٤ وأبو داود ٣٧١٤ والنسائي ٦/ ١٥١ و٧/ ١٣ و٧١ وأحمد ٦/ ٢٢١ من طرق عن الحجاج به.
- وأخرجه البخاري ٤٩١٢ من طريق هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ ابْنِ جريج به. [.....]
٢٢٣٧- إسناده صحيح على شرط البخاري، حيث تفرد البخاري عن هشام بن يوسف، وباقي الإسناد على شرط الشيخين.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٩١٢ عن إبراهيم بن موسى بهذا الإسناد.
٢٢٣٨- ورد من وجوه متعددة بألفاظ متقاربة، وهو صحيح بشواهده.
- أخرجه الواحدي ٨٣١ من طريق عبد الله بن شبيب قال: حدثنا إسحاق بن محمد حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قال: حدثني أبو النَّضِرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الله عن علي بن عباس عن ابن عباس عن عمر قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم بأم ولده مارية.... فذكره بنحوه.
- وفي إسناده عبد الله بن شبيب، وهو ضعيف.
- وأخرجه الطبري ٣٤٩٧ من طريق مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله عن ابن عباس قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: من المرأتان؟ قال: عائشة وحفصة، وكان بدء الحديث في شأن أم إبراهيم القبطية.... فذكره بنحوه، وإسناده ضعيف، فيه عنعنة ابن إسحاق.
- وله شواهد كثيرة موصولة ومرسلة، وهي مستوفاة في «أحكام القرآن» ٢١٥٦ بتخريجي.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع «فتواطيت».
116
مِنْهُنَّ» فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَعَتْ حَفْصَةُ الْجِدَارَ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: أَلَّا أُبَشِّرُكِ إِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ أَمَتَهُ مارية، وقد أراحنا الله مِنْهَا وَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ بِمَا رَأَتْ وَكَانَتَا مُتَصَافِيَتَيْنِ مُتَظَاهِرَتَيْنِ عَلَى سَائِرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ فَلَمْ تَزَلْ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ يَعْنِي العسل ومارية تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَأَمْرَهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ وَيُرَاجِعَ أَمَتَهُ، فقال:
[سورة التحريم (٦٦) : الآيات ٢ الى ٣]
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ، أَيْ بَيَّنَ وَأَوجَبَ أَنْ تُكَفِّرُوهَا إِذَا حَنِثْتُمْ وَهِيَ مَا ذَكَرَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [٨٩] وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ، وليكم ونصاركم، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي لَفْظِ التَّحْرِيمِ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ هُوَ بِيَمِينٍ فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُكِ فَإِنَّ نَوَى بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِنَّ نَوَى بِهِ ظِهَارًا فَظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَ ذَاتِهَا أَوْ أَطْلَقَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لِجَارِيَتِهِ فَإِنَّ نَوَى عِتْقًا عُتِقَتْ، وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَ ذَاتِهَا أَوْ أَطْلَقَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ اليمين، فإن قَالَ لِطَعَامٍ حَرَّمْتُهُ عَلَى نَفْسِي فَلَا شَيْءِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَمِينٌ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لِزَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مَا لَمْ يَقْرَبْهَا، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا وَإِنْ حَرَّمَ طَعَامًا فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَأْكُلْ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
«٢٢٣٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا معاذ بن فضالة ثنا هُشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فِي الْحَرَامِ يُكَفِّرُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الْأَحْزَابِ: ٢١].
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً، وَهُوَ تَحْرِيمُ فَتَاتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ لِحَفْصَةَ: «لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا» وَقَالَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَسَرَّ أَمْرَ الْخِلَافَةِ بَعْدَهُ فَحَدَّثَتْ بِهِ حَفْصَةُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ:
أَسَرَّ إِلَيْهَا أَنَّ أَبَاكِ وَأَبَا عَائِشَةَ يَكُونَانِ خَلِيفَتَيْنِ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي. وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مهران: أسر إليها أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي. فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ، أَخْبَرَتْ بِهِ حَفْصَةُ عَائِشَةَ، وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَيْ أَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَى أَنَّهَا أَنْبَأَتْ بِهِ، عَرَّفَ بَعْضَهُ، قرأ [أبو] [١] عَبْدُ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَالْكِسَائِيُّ عَرَفَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ عَرَفَ بَعْضَ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَتْهُ مِنْ إِفْشَاءِ سِرِّهِ، أَيْ غَضِبَ مِنْ ذَلِكَ عليها وجازاها به،
٢٢٣٩- إسناده صحيح على شرط البخاري، فقد تفرد عن معاذ.
- هشام هو ابن عبد الله، يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ.
- وهو في «شرح السنة» ٢٣٥٠ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٩١١ عن معاذ بن فضالة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٢٦٦ ومسلم ١٤٧٣ من طريقين عن يحيى بن كثير به.
(١) سقط من المطبوع.
117
مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ لِأَعْرِفَنَّ لَكَ مَا فَعَلْتَ، أَيْ لِأُجَازِيَنَّكَ عَلَيْهِ، وَجَازَاهَا بِهِ عَلَيْهِ بِأَنْ طَلَّقَهَا.
«٢٢٤٠» فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ قَالَ: لَوْ كَانَ فِي آلِ الْخَطَّابِ خَيْرٌ لَمَا طَلَّقَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ وَأَمَرَهُ بمراجعتها فاعتزل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا وَقَعَدَ فِي مَشْرُبَةِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ مَارِيَةَ، حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ.
«٢٢٤١» وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ وَإِنَّمَا هَمَّ بِطَلَاقِهَا فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ: لَا تُطَلِّقْهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا من جملة نِسَائِكَ فِي الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُطَلِّقْهَا.
وَقَرَأَ: الْآخَرُونَ عَرَّفَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ عَرَّفَ حَفْصَةَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ، أَيْ أَخْبَرَهَا بِبَعْضِ الْقَوْلِ الَّذِي كَانَ مِنْهَا، وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ، يَعْنِي لَمْ يُعَرِّفْهَا إِيَّاهُ، وَلَمْ يُخْبِرْهَا بِهِ. قَالَ الْحَسَنُ: مَا اسْتَقْصَى كَرِيمٌ قَطُّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ.
٢٢٤٠- لم أقف عليه بهذا السياق. وأخرج أبو يعلى ١٧٢ والبزار ١٥٠٢ و١٥٠٣ والطبراني في «الكبير» ٢٣/ ١٨٩ والطحاوي في «المشكل» ٤٦١٣ من حديث ابن عمر قال: «دخل عمر على حفصة، وهي تبكي فقال لها: ما يبكيك، لعل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم طلقك، إنه قد كان طلقك مرة، ثم راجعك من أجلي، ولله لأن كان طلقك مرة أخرى لا كلمتك أبدا».
- وانظر ما بعده.
٢٢٤١- أصل الحديث صحيح، لكن قول مقاتل «لم يطلقها» باطل، لم يتابع عليه.
- ذكره المصنف هاهنا عن مقاتل بن حيان معلقا، وسنده إليه في أول الكتاب، وهذا واه بمرة، ليس بشيء، وقد خولف مقاتل.
- فأخرج الحاكم ٤/ ١٥ وابن سعد في «الطبقات» ٨/ ٨٤ والدارمي ٢٢٦٥ والطحاوي في «المشكل» ٤٦١٥ من حديث أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم طلق حفصة تطليقة، فأتاه جبريل فقال: يا محمد طلقت حفصة تطليقة، وهي صوامة قوامة وهي زوجتك في الدنيا وفي الجنة».
- وأخرج الطحاوي ١٦١٤ من طريق موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن عامر «أن رسول الله ﷺ طلق حفصة، فأتاه جبريل فقال: راجعها فإنها صوّامة قوّامة».
- وأخرج الطبراني ١٧ (٨٠٤) نحوه من حديث عقبة بلفظ «أن رسول الله ﷺ طلق حفصة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فوضع التراب على رأسه، وقال: ما يعبأ الله بك يا ابن الخطاب بعدها، فنزل جبريل عليه السلام على النبي ﷺ فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر».
- قال الهيثمي في «المجمع» ٤/ ٣٣٤: وفيه عمرو بن صالح الحضرمي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
- وأخرج الحاكم ٤/ ١٥ (٦٧٥٣) وابن سعد ٨/ ٦٧ والطبراني ١٨/ (٩٣٤) عن قيس بن زيد «أن النبي ﷺ طلق حفصة بنت عمر فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون فبكت وقالت: والله ما طلقني عن شبع، وجاء النبي ﷺ فقال: قال لي جبريل عليه السلام: راجع حفصة، فإنها صوّامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة».
- وسكت عليه الحاكم، وكذا الذهبي، وكذا الحافظ في «تخريج الكشاف» ٤/ ٥٦٣ ورجاله ثقات غير قيس بن زيد فهو تابعي صغير مجهول- وأن عثمان بن مظعون توفي قبل أحد، وقبل أن يتزوج النبي ﷺ حفصة.
- وأخرج أبو داود ٢٢٨٣ والنسائي ٦/ ٢١٣ وابن ماجه ٢٠١٦ والدارمي ٢٢٦٤ وأبو يعلى ١٧٤ والحاكم ٢/ ١٩٧ وابن حبان ٤٢٧٥ والطحاوي في «المشكل» ٤٦١١ والبيهقي ٧/ ٣٢١- ٣٢٢ من طرق عن يحيى بن زكريا عن ابن أبي داود عن صالح بن صالح عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أن النبي ﷺ طلق حفصة ثم راجعها».
- الخلاصة: قول مقاتل «لم يطلقها» باطل، ليس بشيء، والصحيح أنه طلقها كما في الروايات المذكورة، وهو خبر حسن صحيح بطرقه وشواهده لكن بالألفاظ التي أوردتها، وانظر «أحكام القرآن» ٢١٣٨ بتخريجي.
118
«٢٢٤٢» وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِ حَفْصَةَ أَرَادَ أَنْ يَتَرَاضَاهَا فَأَسَرَّ إِلَيْهَا شَيْئَيْنِ: تَحْرِيمَ الْأَمَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَتَبْشِيرَهَا بِأَنَّ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَفِي أَبِيهَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وَأَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَيْهِ، عرف حَفْصَةَ وَأَخْبَرَهَا بِبَعْضِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْأَمَةِ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ يَعْنِي ذِكْرَ الْخِلَافَةِ، كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَشِرَ ذَلِكَ فِي النَّاسِ، فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ، أي أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حَفْصَةَ بِمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، قالَتْ، حَفْصَةُ، مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا، أَيْ مَنْ أَخْبَرَكَ بِأَنِّي أَفْشَيْتُ السِّرَّ؟ قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ.
[سورة التحريم (٦٦) : آية ٤]
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤)
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ، أَيْ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِيذَاءِ يُخَاطِبُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما، أَيْ زَاغَتْ وَمَالَتْ عَنِ الْحَقِّ وَاسْتَوْجَبْتُمَا التَّوْبَةَ. قَالَ ابْنُ زيد: مالت قلوبكما بِأَنْ سَرَّهُمَا مَا كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اجْتِنَابِ جَارِيَتِهِ.
«٢٢٤٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ [عَنِ] [١] الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الله بن أبي ثور أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما، حتى حج فحججت مَعَهُ وَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِإِدَاوَةٍ
٢٢٤٢- لا أصل له.
- أخرجه ابن سعد ٨/ ١٤٩- ١٥٠ عن ابن عباس بنحوه، وفيه الواقدي، وهو متروك.
- وأخرج الدارقطني ٤/ ١٥٣ والطبراني في «الكبير» ١٢٦٤٠ من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وجل: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً قال: اطلعت حفصة عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مع أم إبراهيم عليه السلام فقال: «لا تخبري عائشة»، وقال لها: «إن أباك وأباها سيملكان، أو سيليان بعدي، فلا تخبري عائشة» فانطلقت حفصة فأخبرت عائشة....».
- وفي إسناده الكلبي، وهو كذاب.
- وورد من حديث علي، أخرجه ابن عدي ٣/ ٤٣٦، وكرره عن ابن عباس ومدارهما على سيف بن عمر، وهو متروك متهم، وبه أعله ابن عدي.
- والصواب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لم يخبر على من سيخلفه، وإنما هناك أمارات على أنه أبو بكر، والله أعلم.
- الخلاصة: هذا خبر باطل لا أصل له، والصحيح في ذلك ما رواه الشيخان من وجوه شربه عليه السلام العسل عند زينب، وكذا يليه في الصحة خبر مارية المتقدم برقم ٢٢٣٨.
- وانظر «الكشاف» ١٢٠٧ و «فتح القدير» ٢٥٥١ و «الجامع لأحكام القرآن» ٦٠٣٦ بتخريجي والله الموفق.
٢٢٤٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو اليمان هو الحكم بن نافع، شعيب هو ابن أبي حمزة، الزهري هو محمد بن مسلم.
- وهو في «شرح السنة» ٣٩٦٥ بهذا الإسناد مختصرا.
- وهو في «صحيح البخاري» ٥١٩١ عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٤٦٨ ومسلم ١٤٧٩ ح ٣٤ و٣٥ والترمذي ٣٣١٨ وأحمد ١/ ٣٣ و٣٤ مختصرا وابن حبان ٤٢٦٨ والبيهقي ٧/ ٣٧- ٣٨ من طريق الزهري به.
- وانظر ما تقدم عند آية: ٢٨ من سورة الأحزاب.
(١) زيادة عن المخطوط.
119
فتبَّرَّزَ ثُمَّ جَاءَ، فَسَكَبْتُ عَلَى يديه من الإداوة، فَتَوَضَأَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللتان قال الله عزّ وجلّ لَهُمَا: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما؟ فقال: وا عجبا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ هَمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْزِلُ يَوْمًا وأنزل يوما فإذا نزلت حدثته بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ، ذَلِكَ اليوم من الأمر أَوْ غَيْرِهِ وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أدب نساء الأنصار فصحت عَلَيَّ امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أراجعك فو الله أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لِتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ. فَأَفْزَعَنِي فقلت خابت من فعلت منهن بعظيم، ثم جمعت علي ثيابي فدخلت على حفصة، فقلت: أَيْ حَفْصَةُ أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ حتى الليل؟ فقالت: نَعَمْ، فَقُلْتُ: خِبْتِ [١] وَخَسِرْتِ أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِغَضَبِ رسوله فتهلكي لا تستكثري عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ، وَلَا تَهْجُرِيهِ وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ، وَلَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جارتك هي أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عَائِشَةَ، قَالَ عُمَرُ: وَكُنَّا تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ [٢] الْخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا فَنَزَلَ صَاحِبِي [الْأَنْصَارِيُّ] [٣] يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَرَجَعَ [إِلَيْنَا] [٤] عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ:
أَثَمَّ هُوَ، فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ؟ فَقُلْتُ: ما هو أجاءت غَسَّانُ؟ قَالَ: لَا بَلْ أَعْظَمُ منه وأطول طَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، فَقُلْتُ: قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ، فَجَمَعْتُ علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم مشربة له فَاعْتَزَلَ فِيهَا فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يبكيك أولم أَكُنْ حَذَّرْتُكِ؟ أَطَلَّقَكُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ:
لَا أَدْرِي هَا هُوَ ذَا [مُعْتَزِلٌ] [٥] في المشربة، فخرجت فجئت الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَدَ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ فَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ: قَدْ كَلَّمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أجد فجئت فقلت للغلام: استأذن لعمر، فدخل ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَاسْتَأْذَنَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ: قَدْ ذَكَّرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ منصرفا فإذا الْغُلَامُ يَدْعُونِي، فَقَالَ: قَدْ أَذِنَ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَرَهُ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنِي، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنِي، وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا لَا يَغُرَّنَّكَ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أوضأ منك وأحب إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عَائِشَةَ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسُّمَةً أُخْرَى، فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ يتبسم فرفعت بصري في بيته فو الله مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ تعالى فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ فَإِنَّ فَارِسَ والروم قد وسع
(١) تصحف في المطبوع «خابت».
(٢) تصحف في المطبوع «تبعث».
(٣) زيادة عن المخطوط وصحيح البخاري. [.....]
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
120
عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا مِنَ الدُّنْيَا وَهُمْ لا يعبدون الله تعالى، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: «أَوْ فِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ يقول: مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عاتبه الله تعالى، فلما مضت تسعا وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ كُنْتَ أَقْسَمْتَ أَنْ لا تدخل علينا شهرا فإنما أَصْبَحْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أعدها عدا؟ فقال: الشهر تسعا وَعِشْرُونَ، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ أنزل الله آية التَّخْيِيرَ فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، فَاخْتَرْتُهُ ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ.
«٢٢٤٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهَا حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ تعالى أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ فَبَدَأَ بِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
«إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يأمراني بفراقه، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ [الأحزاب: ٢٨ و٥٩] إِلَى تَمَامِ الْآيَتَيْنِ، فَقُلْتُ: أَوَ فِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
«٢٢٤٥» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أنا محمد بن عيسى ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حدثني زهير بن حرب ثنا عمر بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ ثَنَا عِكْرِمَةُ بن عمار عن سماك أبي [١] زُمَيْلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَمَلَائِكَتَهُ وَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ. وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ وَأَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى بِكَلَامٍ إِلَّا رجوت أن يكون اللَّهَ يُصَدِّقُ قَوْلِي الَّذِي أَقُولُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ [التحريم: ٥].
وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ. قَوْلُهُ: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ، أَيْ تَتَظَاهَرَا وَتَتَعَاوَنَا عَلَى أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ أَهْلُ الكوفة بتخفيف الظاء، والآخرون
٢٢٤٤- إسناده صحيح على شرطهما، وانظر ما قبله.
- وهو في «شرح السنة» ٢٣٤٧ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٧٨٥ عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٤٧٥ من طريق يونس بن يزيد عن الزهري به.
٢٢٤٥- إسناده على شرط مسلم.
- سماك هو ابن الوليد.
- وهو في «صحيح مُسْلِمٌ» ١٤٧٩ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى ١٦٤ من طريق عكرمة بن عمار به.
- وانظر ما تقدم في سورة الأحزاب عند آية: ٢٩.
(١) تصحف في المطبوع «بن».
121
بِتَشْدِيدِهَا، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ، أي وليه وناصره قوله: وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هم المخلصون الذين ليسوا بمنافقين. قوله: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ، قَالَ مُقَاتِلٌ: بَعْدَ اللَّهِ وَجِبْرِيلَ وَصَالِحُ المؤمنين ظَهِيرٌ، أي: أعوان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مِنَ الْوَاحِدِ الَّذِي يُؤَدِّي عَنِ الْجَمْعِ، كَقَوْلِهِ: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: ٦٩].
[سورة التحريم (٦٦) : آية ٥]
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥)
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ، أَيْ وَاجِبٌ مِنَ اللَّهِ إِنْ طَلَّقَكُنَّ رَسُولُهُ، أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ، خَاضِعَاتٍ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، مُؤْمِناتٍ، مُصَدِّقَاتٍ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، قانِتاتٍ، طَائِعَاتٍ، وَقِيلَ:
دَاعِيَاتٍ وَقِيلَ مُصَلِّيَاتٍ، تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ، صَائِمَاتٍ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: مُهَاجِرَاتٍ وَقِيلَ:
يَسِحْنَ مَعَهُ حَيْثُ مَا سَاحَ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً، وَهَذَا فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْقُدْرَةِ لَا عَنِ الْكَوْنِ لِأَنَّهُ قَالَ: إِنْ طَلَّقَكُنَّ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُهُنَّ وَهَذَا كَقَوْلِهِ: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ [محمد: ٣٨]، وهذا إخبار عن القدرة لأن [ليس] [١] في الوجود أمة هي [٢] خَيْرٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلم.
[سورة التحريم (٦٦) : الآيات ٦ الى ٩]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ، قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ بِالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَأَهْلِيكُمْ نَارًا، يَعْنِي مُرُوهُمْ بِالْخَيْرِ وَانْهُوهُمْ عَنِ الشَّرِّ، وَعَلِّمُوهُمْ وَأَدِّبُوهُمْ تَقُوهُمْ بِذَلِكَ نَارًا، وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ، يَعْنِي خَزَنَةَ النَّارِ، غِلاظٌ، فِظَاظٌ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، شِدادٌ، أَقْوِيَاءُ يَدْفَعُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ بِالدَّفْعَةِ الْوَاحِدَةِ سَبْعِينَ أَلْفًا فِي النَّارِ وَهُمُ الزَّبَانِيَةُ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ فِيهِمُ الرَّحْمَةَ، لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً، قَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ نَصُوحاً بِضَمِّ النُّونِ، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِفَتْحِهَا أَيْ تَوْبَةً ذَاتَ نُصْحٍ تَنْصَحُ صَاحِبَهَا بِتَرْكِ الْعَوْدِ إِلَى مَا تاب منه.
واختلفوا في معناه قَالَ عُمَرُ وَأُبَيٌّ وَمُعَاذٌ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ أَنْ يَتُوبَ ثُمَّ لَا يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ، كَمَا لَا
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع «هم».
يَعُودُ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ. قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ نَادِمًا عَلَى مَا مَضَى مُجْمِعًا عَلَى أَلَّا يَعُودَ فِيهِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ أَنْ يَسْتَغْفِرَ بِاللِّسَانِ وَيَنْدَمَ بِالْقَلْبِ وَيُمْسِكَ بِالْبَدَنِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: تَوْبَةً تَنْصَحُونَ بِهَا أَنْفُسَكُمْ قَالَ الْقُرَظِيُّ: يَجْمَعُهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ وَالْإِقْلَاعُ [١] بِالْأَبْدَانِ وَإِضْمَارُ تَرْكِ الْعَوْدِ بِالْجَنَانِ وَمُهَاجَرَةُ سَيِّئِ الْإِخْوَانِ. عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، أَيْ لَا يُعَذِّبُهُمُ اللَّهُ بِدُخُولِ النَّارِ، نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ، عَلَى الصِّرَاطِ، يَقُولُونَ، إِذْ طَفِئَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩)، ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلصَّالِحِينَ والصالحات من النساء.
[سورة التحريم (٦٦) : الآيات ١٠ الى ١٢]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢)
فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ، واسمها واعلة، وَامْرَأَتَ لُوطٍ، وَاسْمُهَا وَاهِلَةُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَالِعَةُ وَوَالِهَةُ، كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ، وَهُمْا نُوحٌ وَلُوطٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَخانَتاهُما، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ وَإِنَّمَا كَانَتْ خِيَانَتُهُمَا أَنَّهُمَا كَانَتَا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمَا، فَكَانَتِ امْرَأَةُ نُوحٍ تَقُولُ لِلنَّاسِ: إِنَّهُ مَجْنُونٌ وَإِذَا آمَنَ بِهِ أَحَدٌ أَخْبَرَتْ بِهِ الْجَبَابِرَةَ، وَأَمَّا امْرَأَةُ لُوطٍ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَدُلُّ [٢] قَوْمَهُ عَلَى أَضْيَافِهِ إِذَا نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ بِاللَّيْلِ أَوْقَدَتِ النَّارَ، وَإِذَا نَزَلَ بِالنَّهَارِ دَخَّنَتْ لِيَعْلَمَ قَوْمُهُ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَسَرَّتَا النِّفَاقَ وَأَظْهَرَتَا الْإِيمَانَ، فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً لَمْ يَدْفَعَا عَنْهُمَا مَعَ نُبُوَّتِهِمَا عَذَابَ اللَّهِ، وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ، قَطَعَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ طَمَعَ كُلِّ مَنْ يَرْكَبُ الْمَعْصِيَةَ أَنْ يَنْفَعَهُ صلاح غيره، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ مَعْصِيَةَ غَيْرِهِ لَا تَضُرُّهُ إِذَا كَانَ مُطِيعًا.
فَقَالَ: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ، وَهِيَ آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا غَلَبَ مُوسَى السَّحَرَةَ آمَنَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَلَمَّا تَبَيَّنَ لِفِرْعَوْنَ إِسْلَامُهَا أَوْتَدَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا بِأَرْبَعَةِ أَوْتَادٍ وَأَلْقَاهَا فِي الشَّمْسِ. قَالَ سَلْمَانُ: كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ تُعَذَّبُ بِالشَّمْسِ فَإِذَا انْصَرَفُوا عنها ظلتها الْمَلَائِكَةُ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ، فَكَشْفَ اللَّهُ لَهَا عَنْ بَيْتِهَا فِي الْجَنَّةِ حَتَّى رَأَتْهُ وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّ فِرْعَوْنَ أَمَرَ بِصَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ لِتُلْقَى عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَتَوْهَا بِالصَّخْرَةِ قَالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ فَأَبْصَرَتْ بَيْتَهَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، وَانْتُزِعَ رُوحُهَا فَأُلْقِيَتِ الصَّخْرَةُ عَلَى جَسَدٍ لَا رُوحَ فِيهِ، وَلَمْ تَجِدْ أَلَمًا. وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ كَيْسَانَ: رَفَعَ اللَّهُ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِلَى الْجَنَّةِ فَهِيَ فِيهَا تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ. وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، قَالَ مُقَاتِلٌ وَعَمَلِهِ يَعْنِي الشِّرْكَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَعَمَلِهِ، قَالَ: جِمَاعُهُ. وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
، الْكَافِرِينَ.
(١) تصحف في المطبوع «الأقلام».
(٢) زيد في المطبوع «على».
سورة التحريم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التحريم) من السُّوَر المدنيَّة، نزلت بعد سورة (الحُجُرات)، وقد عاتَبَ اللهُ فيها النبيَّ صلى الله عليه وسلم بسبب تحريمه العسلَ على نفسه إرضاءً لزوجاته، وورَد فيها النهيُ عن أن يُحرِّمَ أحدٌ شيئًا على نفسه لإرضاء أحدٍ؛ فلا قُرْبةَ في ذلك، وكذا فيها تنبيهٌ لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ولكل المؤمنين على التزام الأدب مع الله، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
66
نوعها
مدنية
ألفاظها
254
ترتيب نزولها
107
العد المدني الأول
12
العد المدني الأخير
12
العد البصري
12
العد الكوفي
12
العد الشامي
12

قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اْللَّهُ لَكَۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَۚ وَاْللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١ قَدْ فَرَضَ اْللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَٰنِكُمْۚ وَاْللَّهُ مَوْلَىٰكُمْۖ وَهُوَ اْلْعَلِيمُ اْلْحَكِيمُ ٢ وَإِذْ أَسَرَّ اْلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِۦ وَأَظْهَرَهُ اْللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُۥ وَأَعْرَضَ عَنۢ بَعْضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتْ مَنْ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ اْلْعَلِيمُ اْلْخَبِيرُ ٣ إِن تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اْللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ اْلْمُؤْمِنِينَۖ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 1-4]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يمكُثُ عند زَيْنبَ بنتِ جَحْشٍ، ويَشرَبُ عندها عسَلًا، فتواصَيْتُ أنا وحَفْصةُ: أنَّ أيَّتَنا دخَلَ عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلْتقُلْ: إنِّي أجدُ منك رِيحَ مَغافيرَ، أكَلْتَ مَغافيرَ؟! فدخَلَ على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: «لا، بل شَرِبْتُ عسَلًا عند زَيْنبَ بنتِ جَحْشٍ، ولن أعُودَ له»؛ فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اْللَّهُ لَكَۖ} [التحريم: 1] إلى {إِن تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ} [التحريم: 4] لعائشةَ وحَفْصةَ، {وَإِذْ أَسَرَّ اْلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَٰجِهِۦ} [التحريم: 3] لقوله: «بل شَرِبْتُ عسَلًا»». أخرجه البخاري (٥٢٦٧).

* قوله تعالى: {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5]:

عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «اجتمَعَ نساءُ النبيِّ ﷺ في الغَيْرةِ عليه، فقلتُ لهنَّ: {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5]؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٩١٦).

وعنه رضي الله عنه، قال: «لمَّا اعتزَلَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، قال: دخَلْتُ المسجدَ، فإذا الناسُ ينكُتون بالحصى، ويقولون: طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، وذلك قبل أن يُؤمَرْنَ بالحِجابِ، فقال عُمَرُ: فقلتُ: لَأعلَمَنَّ ذلك اليومَ، قال: فدخَلْتُ على عائشةَ، فقلتُ: يا بنتَ أبي بكرٍ، أقَدْ بلَغَ مِن شأنِكِ أن تُؤذِي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما لي وما لك يا بنَ الخطَّابِ؟! عليك بعَيْبتِك، قال: فدخَلْتُ على حَفْصةَ بنتِ عُمَرَ، فقلتُ لها: يا حَفْصةُ، أقَدْ بلَغَ مِن شأنِكِ أن تُؤذِي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ واللهِ، لقد عَلِمْتِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يُحِبُّكِ، ولولا أنا لطلَّقَكِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فبكَتْ أشدَّ البكاءِ، فقلتُ لها: أين رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في خِزانتِه في المَشْرُبةِ، فدخَلْتُ، فإذا أنا برَباحٍ غلامِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قاعدًا على أُسْكُفَّةِ المَشْرُبةِ، مُدَلٍّ رِجْلَيهِ على نَقِيرٍ مِن خشَبٍ، وهو جِذْعٌ يَرقَى عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وينحدِرُ، فنادَيْتُ: يا رَباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فنظَرَ رَباحٌ إلى الغُرْفةِ، ثم نظَرَ إليَّ، فلَمْ يقُلْ شيئًا، ثم قلتُ: يا رَباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فنظَرَ رَباحٌ إلى الغُرْفةِ، ثم نظَرَ إليَّ، فلَمْ يقُلْ شيئًا، ثم رفَعْتُ صوتي، فقلتُ: يا رَباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فإنِّي أظُنُّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ظَنَّ أنِّي جِئْتُ مِن أجلِ حَفْصةَ، واللهِ، لَئِنْ أمَرَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بضَرْبِ عُنُقِها، لَأَضرِبَنَّ عُنُقَها، ورفَعْتُ صوتي، فأومأَ إليَّ أنِ ارْقَهْ، فدخَلْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو مضطجِعٌ على حصيرٍ، فجلَسْتُ، فأدنى عليه إزارَه، وليس عليه غيرُه، وإذا الحصيرُ قد أثَّرَ في جَنْبِه، فنظَرْتُ ببصَري في خِزانةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقَبْضةٍ مِن شَعِيرٍ نحوِ الصَّاعِ، ومِثْلِها قَرَظًا، في ناحيةِ الغُرْفةِ، وإذا أَفِيقٌ معلَّقٌ، قال: فابتدَرتْ عَيْناي، قال: «ما يُبكِيك يا بنَ الخطَّابِ؟»، قلتُ: يا نبيَّ اللهِ، وما ليَ لا أبكي وهذا الحصيرُ قد أثَّرَ في جَنْبِك، وهذه خِزانتُك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قَيْصَرُ وكِسْرَى في الثِّمارِ والأنهارِ، وأنت رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وصَفْوتُه، وهذه خِزانتُك؟! فقال: «يا بنَ الخطَّابِ، ألَا تَرضَى أن تكونَ لنا الآخرةُ ولهم الدنيا؟»، قلتُ: بلى، قال: ودخَلْتُ عليه حينَ دخَلْتُ وأنا أرى في وجهِه الغضَبَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما يشُقُّ عليك مِن شأنِ النِّساءِ؟ فإن كنتَ طلَّقْتَهنَّ، فإنَّ اللهَ معك وملائكتَه وجِبْريلَ وميكائيلَ، وأنا وأبو بكرٍ والمؤمنون معك، وقلَّما تكلَّمْتُ - وأحمَدُ اللهَ - بكلامٍ إلا رجَوْتُ أن يكونَ اللهُ يُصدِّقُ قولي الذي أقولُ، ونزَلتْ هذه الآيةُ آيةُ التخييرِ: {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5]، {وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اْللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ اْلْمُؤْمِنِينَۖ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، وكانت عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ وحَفْصةُ تَظاهرانِ على سائرِ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أطلَّقْتَهنَّ؟ قال: «لا»، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي دخَلْتُ المسجدَ والمسلمون ينكُتون بالحَصى، يقولون: طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، أفأنزِلُ فأُخبِرَهم أنَّك لم تُطلِّقْهنَّ؟ قال: «نعم، إن شِئْتَ»، فلَمْ أزَلْ أُحدِّثُه حتى تحسَّرَ الغضَبُ عن وجهِه، وحتى كشَرَ فضَحِكَ، وكان مِن أحسَنِ الناسِ ثَغْرًا، ثم نزَلَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ونزَلْتُ، فنزَلْتُ أتشبَّثُ بالجِذْعِ، ونزَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كأنَّما يمشي على الأرضِ، ما يَمَسُّه بيدِه، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّما كنتَ في الغُرْفةِ تِسْعةً وعِشْرينَ؟ قال: «إنَّ الشهرَ يكونُ تِسْعًا وعِشْرينَ»، فقُمْتُ على بابِ المسجدِ، فنادَيْتُ بأعلى صوتي: لم يُطلِّقْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، ونزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا ‌جَآءَهُمْ ‌أَمْرٞ مِّنَ اْلْأَمْنِ أَوِ اْلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى اْلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي اْلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ اْلَّذِينَ يَسْتَنۢبِطُونَهُۥ مِنْهُمْۗ} [النساء: 83]، فكنتُ أنا استنبَطْتُ ذلك الأمرَ، وأنزَلَ اللهُ عز وجل آيةَ التخييرِ». أخرجه مسلم (١٤٧٩).

* سورة (التحريم):

سُمِّيت سورة (التحريم) بهذا الاسم؛ لِما ذُكِر فيها من تحريمِ النبي صلى الله عليه وسلم على نفسِه ما أحلَّ اللهُ له؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اْللَّهُ لَكَۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَۚ وَاْللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [التحريم: 1].
* سورة (اْلنَّبِيِّ):
للسبب السابق نفسه.

* سورة {لِمَ تُحَرِّمُ}:
وتسميتها بهذا الاسمِ من قبيل تسمية السورة بأولِ كلمة فيها.

1. عتابٌ ومغفرة (١-٢).

2. إفشاء سرِّ الزوجية، وعواقبه (٣-٥).

3. الرعاية مسؤولية ومكافأة (٦-٩).

4. العِظات من سِيَر الأقدمين (١٠-١٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /245).

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: الحثُّ على تقديرِ التدبير في الآداب مع الله ومع رسوله، لا سيما للنساء؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم في حُسْنِ عِشْرته، وكريم صُحْبته، وبيان أن الأدبَ الشرعي تارة يكون باللِّين، وأخرى بالسوط وما داناه، ومرة بالسيف وما والاه.

واسماها (التحريم، والنبيُّ): موضِّحٌ لذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /99).