تفسير سورة التحريم

التيسير في أحاديث التفسير

تفسير سورة سورة التحريم من كتاب التيسير في أحاديث التفسير
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
سورة " التحريم " مدنية

الربع الأخير من الحزب السادس والخمسين
في المصحف الكريم
وأول ما يلفت النظر في هذا الربع أن الآية الأولى منه لها علاقة وثيقة بقوله تعالى في سورة المائدة ( ٨٧ ) :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا ﴾، غير أن الصيغة التي وردت بها في هذا المقام، والسؤال الذي جاء في سياقها، وتوجيه الخطاب بالخصوص فيها إلى الرسول عليه السلام دون غيره، جعلها تكتسي صبغة خاصة، وتتضمن معنى جديدا زائدا على ما في آية " المائدة ". وهذا المعنى لا يخرج عن كونه عتابا رقيقا من الحق سبحانه وتعالى لنبيه عليه السلام في بعض شؤونه العائلية، وتنبيها خفيفا إلى الحل الأمثل في أمره، فقد كان الوحي الإلهي يتتبع خطوات الرسول بالتوجيه والرعاية باستمرار لا فرق في ذلك بين حياته العامة، وحياته الخاصة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : " أدّبني ربي فأحسن تأديبي ".
وكما أدّب رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجاته على ما فاه به بعضهن من الهفوات في حقه أوفي حق شريكاتهن، فاعتزلهن " من شدة موجدته عليهن " ها هو كتاب الله يدعوه إلى وضع حد لذلك الحادث الطارئ، واستيناف حياته العائلية في وئام وانسجام، بينه وبين زوجاته، وبين زوجاته بعضهن مع بعض، طبقا لما هو معهود في بيته الشريف.
وليس غريبا من أمر الرسول عليه السلام أن يتأثر شعوره الرقيق من هفوات بعض الزوجات، لما تثيره بينهن من الحساسيات، ما دام عليه السلام هو في وقت واحد " بشرا رسولا "، وإن كان عند ربه وعند الناس بشرا لا كالبشر، وخاتم الأنبياء والمرسلين، ﴿ وإنك لعلى خلق عظيم ﴾ ( القلم : ٤ ). كما أنه ليس غريبا أن يقف كتاب الله إلى جانب رسوله في هذه الحادثة بالتوجيه والتسديد، ثم بالتأييد المطلق والتعضيد.
وإلى الموقف الذي اتخذه الرسول عليه السلام من الامتناع عن معاشرة زوجاته، واعتزالهن فترة من الزمن في مشربة خاصة، يشير قوله تعالى :﴿ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم١ ﴾، وإلى السبب المباشر الذي حدا بالرسول إلى اتخاذ هذا الموقف يشير قوله تعالى :﴿ وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قالت نبأني العليم الخبير٣ ﴾، ولا يبعد أن يكون لذلك الموقف أسباب أخرى كانت قد أدت من قبل إلى شيء من التوتر بين زوجات الرسول بعضهن مع بعض، فلما طرأ هذا الحادث الأخير رأى رسول الله من الحكمة والحزم أن يقف منه موقفا حاسما، ويضع له حدا فاصلا، حتى لا يتكرر مثله مرة أخرى، وحتى لا يشغله شيء من هذا النوع عن مهام الرسالة العظمى، التي وكلها الله إليه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:الربع الأخير من الحزب السادس والخمسين
في المصحف الكريم
وأول ما يلفت النظر في هذا الربع أن الآية الأولى منه لها علاقة وثيقة بقوله تعالى في سورة المائدة ( ٨٧ ) :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا ﴾، غير أن الصيغة التي وردت بها في هذا المقام، والسؤال الذي جاء في سياقها، وتوجيه الخطاب بالخصوص فيها إلى الرسول عليه السلام دون غيره، جعلها تكتسي صبغة خاصة، وتتضمن معنى جديدا زائدا على ما في آية " المائدة ". وهذا المعنى لا يخرج عن كونه عتابا رقيقا من الحق سبحانه وتعالى لنبيه عليه السلام في بعض شؤونه العائلية، وتنبيها خفيفا إلى الحل الأمثل في أمره، فقد كان الوحي الإلهي يتتبع خطوات الرسول بالتوجيه والرعاية باستمرار لا فرق في ذلك بين حياته العامة، وحياته الخاصة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال :" أدّبني ربي فأحسن تأديبي ".
وكما أدّب رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجاته على ما فاه به بعضهن من الهفوات في حقه أوفي حق شريكاتهن، فاعتزلهن " من شدة موجدته عليهن " ها هو كتاب الله يدعوه إلى وضع حد لذلك الحادث الطارئ، واستيناف حياته العائلية في وئام وانسجام، بينه وبين زوجاته، وبين زوجاته بعضهن مع بعض، طبقا لما هو معهود في بيته الشريف.
وليس غريبا من أمر الرسول عليه السلام أن يتأثر شعوره الرقيق من هفوات بعض الزوجات، لما تثيره بينهن من الحساسيات، ما دام عليه السلام هو في وقت واحد " بشرا رسولا "، وإن كان عند ربه وعند الناس بشرا لا كالبشر، وخاتم الأنبياء والمرسلين، ﴿ وإنك لعلى خلق عظيم ﴾ ( القلم : ٤ ). كما أنه ليس غريبا أن يقف كتاب الله إلى جانب رسوله في هذه الحادثة بالتوجيه والتسديد، ثم بالتأييد المطلق والتعضيد.
وإلى الموقف الذي اتخذه الرسول عليه السلام من الامتناع عن معاشرة زوجاته، واعتزالهن فترة من الزمن في مشربة خاصة، يشير قوله تعالى :﴿ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم١ ﴾، وإلى السبب المباشر الذي حدا بالرسول إلى اتخاذ هذا الموقف يشير قوله تعالى :﴿ وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قالت نبأني العليم الخبير٣ ﴾، ولا يبعد أن يكون لذلك الموقف أسباب أخرى كانت قد أدت من قبل إلى شيء من التوتر بين زوجات الرسول بعضهن مع بعض، فلما طرأ هذا الحادث الأخير رأى رسول الله من الحكمة والحزم أن يقف منه موقفا حاسما، ويضع له حدا فاصلا، حتى لا يتكرر مثله مرة أخرى، وحتى لا يشغله شيء من هذا النوع عن مهام الرسالة العظمى، التي وكلها الله إليه.


وبعد أن ألقينا بعض الأضواء على الحادث الطارئ الذي أزعج هناء البيت النبوي الشريف، وجمعنا في نسق واحد الآيات التي ألمت بجميع أطرافه، وما تضمنته من توجيهات إلهية خاصة بالرسول الكريم وأزواجه الطاهرات، ننتقل إلى الآيات الكريمة الأخرى، التي لها طابع توجيهي عام لجميع المؤمنين والمؤمنات، وذلك قوله تعالى في الآية الثانية من هذه السورة :﴿ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم٢ إلى آخر الآية، وقوله تعالى في الآية السادسة منها :{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا... ٦ ﴾، إلى آخر الآية.
ففيما يخص الطريقة المثلى للتحلل من اليمين إذا ظهر عند التدبر في عواقبه أن غيره خير منه شرعا وطبعا ينبغي للمؤمن أن لا يتأخر عن فعل ما هو خير، بدلا مما حلف عليه، وفي نفس الوقت يكفّر عن يمينه، طبقا لما شرعه الله في " كفارة اليمين "، تعظيما لاسم الله الأقدس، الذي وقع الحلف به، وعملا بمقتضى الرعاية الإلهية، والحكمة الربانية، والعلم المحيط بخلجات النفوس، ﴿ والله مولاكم وهو العليم الحكيم٢ ﴾. وهذه الكفارة هي التي سبق بيانها بالتفصيل في الآية الواحدة والتسعين من سورة " المائدة " حيث قال تعالى :﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ﴾.
أما تأييد الله لرسوله ووقوفه إلى جانبه موقف التعضيد، هو وجنوده التي لا يحصيها إلا هو، فقد فصل كتاب الله القول فيه تفصيلا، فقال تعالى :﴿ وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير٤ ﴾، وفي هذه الآية الكريمة إنذار صريح بعاقبة التجني على رسوله الأمين، واشتباك في الحرب مع الله والملائكة والمؤمنين،
وفي خلال هذه الآيات البينات وجه كتاب الله الخطاب مباشرة إلى الزوجتين اللتين كان لهما أثر في إثارة هذا الحادث، يدعوهما من الآن فصاعدا إلى تجنب فلتات اللسان، والتحفظ في كل ما ينبغي فيه التحفظ والكتمان، حفظا لذات البين بين جميع أمهات المؤمنين، عليهن الرحمة والرضوان، فقال تعالى مشعرا لهما بوجوب المبادرة إلى التوبة مما فرط منهما في حق الرسول عليه السلام، وداعيا لهما إلى الاعتصام بحسن الظن وصفاء السريرة على الدوام :﴿ إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ﴾.
ثم قال تعالى :﴿ عسى ربك إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا٥ ﴾، ففي هذه الآية الكريمة أيضا تحذير صريح، لأمهات المؤمنين، من مضايقة الرسول عليه السلام، وشغله بأمور جانبية يتعذر معها الوئام والانسجام، وفيها توجيه خاص لأمهات المؤمنين " الثيبات منهن والأبكار "، إلى المزيد من التحلي بجميع الصفات الفاضلة التي تتناسب مع مقام زوجات الرسول، من " إسلام " يهيمن على الجوارح، و " إيمان " يعمر القلوب ويشرح الصدور، و " قنوت " يتجلى أثره في الطاعة والخشوع، و " توبة " تدفع إلى تدارك ما فات، والحذر مما هو آت، و " عبادة " تصل المخلوق بالخالق، و " سياحة " بالصوم أحيانا، والتأمل بالفكر والروح في ملكوت الله الواسع، وملكه الشاسع، أحيانا أخرى.
وبعد أن ألقينا بعض الأضواء على الحادث الطارئ الذي أزعج هناء البيت النبوي الشريف، وجمعنا في نسق واحد الآيات التي ألمت بجميع أطرافه، وما تضمنته من توجيهات إلهية خاصة بالرسول الكريم وأزواجه الطاهرات، ننتقل إلى الآيات الكريمة الأخرى، التي لها طابع توجيهي عام لجميع المؤمنين والمؤمنات، وذلك قوله تعالى في الآية الثانية من هذه السورة :﴿ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم٢ إلى آخر الآية، وقوله تعالى في الآية السادسة منها :{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا... ٦ ﴾، إلى آخر الآية.
وفيما يخص المثل الأعلى لتربية النفس والأهل والأولاد دعا كتاب الله الجميع إلى أن يجعلوا بينهم وبين ما يوجب عقاب الله وعذابه في الدنيا والآخرة وقاية فعالة وحجابا منيعا :﴿ قوا أنفسكم وأهليكم نارا ﴾، والأهل يشمل الزوجة والأولاد وما ألحق بهم، والوقاية السابقة خير من العلاج اللاحق، ووقاية النفس تكون بالسلوك الحسن الذي يقيها من الزلات والعثرات، ووقاية الأهل تكون بحسن توجيههم وتقويم اعوجاجهم، ووقاية الأولاد تكون بحسن تربيتهم، والعمل المتواصل على إعدادهم للحياة الصالحة دينا ودنيا منذ الطفولة الأولى. قال أبو بكر ( ابن العربي ) المعافري :﴿ فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية، وكما يؤدب ولده في مصلحتهم يؤدب أهله فيما يصلحه ويصلحهم أدبا خفيفا ". وقال أبو بكر الرازي الجصاص : " وهذا يدل على أن علينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الآداب، وهو مثل قوله تعالى :{ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ﴾ ( طه : ١٣٢ )، ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم :﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين ﴾ ( الشعراء : ٢١٤ )، ويدل على أن للأقرب فالأقرب منا مزية، في لزومنا تعليمهم، وأمرهم بطاعة الله تعالى، ويشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "، ومعلوم أن الراعي كما عليه حفظ من استرعي وحمايته والتماس مصالحه فكذلك عليه تأديبه وتعليمه. وبذلك يكون الأزواج والآباء " قوامين " بالمسؤولية الدينية والاجتماعية الملقاة على عواتقهم خير مقام، وتكون حياتهم الشخصية والعائلية في مأمن من الهزات والأزمات، وإلا حقت عليهم وعلى من يقع تحت ولايتهم كلمة العذاب، في الدنيا قبل الآخرة. قال تعالى :﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ ( طه : ١٢٤ ). وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما نحل والد ولدا خيرا من أدب حسن ".
ووصف كتاب الله " وقود النار " التي تهدد النفس والأهل والولد بكونه من الناس أولا، ومن الحجارة ثانيا، كما وصف المكلفين بايقادها من الملائكة بكونهم " غلاظا شدادا " على من استحقوا عذاب الله، جزاء تفريطهم في حقوق العباد وحقوق الله، وذلك قوله تعالى :﴿ وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون٦ ﴾.
ثم دعا كتاب الله جميع المؤمنين إلى التوبة مما اقترفوه من الذنوب " توبة نصوحا "، مبينا لهم أن باب التوبة مفتوح على مصراعيه في وجوههم دون واسطة أي مخلوق، فما عليهم إذا أغراهم الشيطان وانخدعت له النفس الأمارة بالسوء إلا أن يبادروا إلى ذكر الله واستحضاره، والإنابة إليه واستغفاره، ليستأنفوا حياتهم الأولى، حياة الطاعة والتقوى والخشوع والإنابة، وذلك قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾.
و " التوبة النصوح " فيما قاله العلماء : هي أن يقلع المؤمن عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على أن لا يفعل الذنب في المستقبل. روي عن الحسن أنه قال : " التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته، وتستغفر منه إذا ذكرته ". قال ابن كثير : " فأما إذا جزم بالتوبة وصمم عليها فإنها تجبّ ما قبله من الخطيئات، كما ثبت في الصحيح : " الإسلام يجبُّ ما قبله، والتوبة تجبّ ما قبلها ".
وقوله تعالى :﴿ يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير٨ ﴾، هذا وعد صادق من الله لنبيه وللمؤمنين، وامتنان عليهم بالنور الإلهي الذي سيشع عليهم، فيعرفون به من بين الأمم، ويهتدون به وسط الزحام الرهيب يوم الحشر إلى مقرهم في جنة الخلد، متميزين بذلك عن بقية الخلائق والأمم.
وقوله تعالى :﴿ يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبيس المصير٩ ﴾، هذا تجديد من الله لأوامره الصارمة، بمكافحة الكفر والنفاق، ومواجهة الكفار والمنافقين، بمنتهى الحزم والصرامة، حتى تقلم أظفارهم، ولا يستطيعوا إلحاق أي أذى بالإسلام والمسلمين.
ثم ضربت الآيات الكريمة المثل بنساء كافرات كن في بيوت الأنبياء، ومع ذلك لم تنفعهن معايشة الأنبياء ولا معاشرتهن لهم في الخلاص من عذاب الله، لأنهن لم يكن مؤمنات بالدين الذي جاء به أولئك الأنبياء، ومثال ذلك امرأة نوح عليه السلام، وامرأة لوط عليه السلام، فقال تعالى :﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما ﴾، أي : كانتا على غير دينهما، ﴿ فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين١٠ ﴾.
وضربت الآيات الكريمة المثل بنساء مؤمنات كن يعشن في بيوت الكفار، فعاملهن الله بالحسنى، وأكرمهن بالرحمة والغفران، والجنة والرضوان، دون أن تؤثر في مصيرهن مخالطتهن للكفار، ولا معاشرتهن لهم، إذ كن مؤمنات بدين الحق، ولا يشاركن أولئك الكفار في عقيدتهم الباطلة، فقال تعالى :﴿ وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين، ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربها وكتابه وكانت من القانتين١٢ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:وضربت الآيات الكريمة المثل بنساء مؤمنات كن يعشن في بيوت الكفار، فعاملهن الله بالحسنى، وأكرمهن بالرحمة والغفران، والجنة والرضوان، دون أن تؤثر في مصيرهن مخالطتهن للكفار، ولا معاشرتهن لهم، إذ كن مؤمنات بدين الحق، ولا يشاركن أولئك الكفار في عقيدتهم الباطلة، فقال تعالى :﴿ وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين، ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربها وكتابه وكانت من القانتين١٢ ﴾.
سورة التحريم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التحريم) من السُّوَر المدنيَّة، نزلت بعد سورة (الحُجُرات)، وقد عاتَبَ اللهُ فيها النبيَّ صلى الله عليه وسلم بسبب تحريمه العسلَ على نفسه إرضاءً لزوجاته، وورَد فيها النهيُ عن أن يُحرِّمَ أحدٌ شيئًا على نفسه لإرضاء أحدٍ؛ فلا قُرْبةَ في ذلك، وكذا فيها تنبيهٌ لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ولكل المؤمنين على التزام الأدب مع الله، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
66
نوعها
مدنية
ألفاظها
254
ترتيب نزولها
107
العد المدني الأول
12
العد المدني الأخير
12
العد البصري
12
العد الكوفي
12
العد الشامي
12

قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اْللَّهُ لَكَۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَۚ وَاْللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١ قَدْ فَرَضَ اْللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَٰنِكُمْۚ وَاْللَّهُ مَوْلَىٰكُمْۖ وَهُوَ اْلْعَلِيمُ اْلْحَكِيمُ ٢ وَإِذْ أَسَرَّ اْلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِۦ وَأَظْهَرَهُ اْللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُۥ وَأَعْرَضَ عَنۢ بَعْضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتْ مَنْ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ اْلْعَلِيمُ اْلْخَبِيرُ ٣ إِن تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اْللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ اْلْمُؤْمِنِينَۖ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 1-4]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يمكُثُ عند زَيْنبَ بنتِ جَحْشٍ، ويَشرَبُ عندها عسَلًا، فتواصَيْتُ أنا وحَفْصةُ: أنَّ أيَّتَنا دخَلَ عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلْتقُلْ: إنِّي أجدُ منك رِيحَ مَغافيرَ، أكَلْتَ مَغافيرَ؟! فدخَلَ على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: «لا، بل شَرِبْتُ عسَلًا عند زَيْنبَ بنتِ جَحْشٍ، ولن أعُودَ له»؛ فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اْللَّهُ لَكَۖ} [التحريم: 1] إلى {إِن تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ} [التحريم: 4] لعائشةَ وحَفْصةَ، {وَإِذْ أَسَرَّ اْلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَٰجِهِۦ} [التحريم: 3] لقوله: «بل شَرِبْتُ عسَلًا»». أخرجه البخاري (٥٢٦٧).

* قوله تعالى: {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5]:

عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «اجتمَعَ نساءُ النبيِّ ﷺ في الغَيْرةِ عليه، فقلتُ لهنَّ: {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5]؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٩١٦).

وعنه رضي الله عنه، قال: «لمَّا اعتزَلَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، قال: دخَلْتُ المسجدَ، فإذا الناسُ ينكُتون بالحصى، ويقولون: طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، وذلك قبل أن يُؤمَرْنَ بالحِجابِ، فقال عُمَرُ: فقلتُ: لَأعلَمَنَّ ذلك اليومَ، قال: فدخَلْتُ على عائشةَ، فقلتُ: يا بنتَ أبي بكرٍ، أقَدْ بلَغَ مِن شأنِكِ أن تُؤذِي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما لي وما لك يا بنَ الخطَّابِ؟! عليك بعَيْبتِك، قال: فدخَلْتُ على حَفْصةَ بنتِ عُمَرَ، فقلتُ لها: يا حَفْصةُ، أقَدْ بلَغَ مِن شأنِكِ أن تُؤذِي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ واللهِ، لقد عَلِمْتِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يُحِبُّكِ، ولولا أنا لطلَّقَكِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فبكَتْ أشدَّ البكاءِ، فقلتُ لها: أين رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في خِزانتِه في المَشْرُبةِ، فدخَلْتُ، فإذا أنا برَباحٍ غلامِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قاعدًا على أُسْكُفَّةِ المَشْرُبةِ، مُدَلٍّ رِجْلَيهِ على نَقِيرٍ مِن خشَبٍ، وهو جِذْعٌ يَرقَى عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وينحدِرُ، فنادَيْتُ: يا رَباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فنظَرَ رَباحٌ إلى الغُرْفةِ، ثم نظَرَ إليَّ، فلَمْ يقُلْ شيئًا، ثم قلتُ: يا رَباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فنظَرَ رَباحٌ إلى الغُرْفةِ، ثم نظَرَ إليَّ، فلَمْ يقُلْ شيئًا، ثم رفَعْتُ صوتي، فقلتُ: يا رَباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فإنِّي أظُنُّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ظَنَّ أنِّي جِئْتُ مِن أجلِ حَفْصةَ، واللهِ، لَئِنْ أمَرَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بضَرْبِ عُنُقِها، لَأَضرِبَنَّ عُنُقَها، ورفَعْتُ صوتي، فأومأَ إليَّ أنِ ارْقَهْ، فدخَلْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو مضطجِعٌ على حصيرٍ، فجلَسْتُ، فأدنى عليه إزارَه، وليس عليه غيرُه، وإذا الحصيرُ قد أثَّرَ في جَنْبِه، فنظَرْتُ ببصَري في خِزانةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقَبْضةٍ مِن شَعِيرٍ نحوِ الصَّاعِ، ومِثْلِها قَرَظًا، في ناحيةِ الغُرْفةِ، وإذا أَفِيقٌ معلَّقٌ، قال: فابتدَرتْ عَيْناي، قال: «ما يُبكِيك يا بنَ الخطَّابِ؟»، قلتُ: يا نبيَّ اللهِ، وما ليَ لا أبكي وهذا الحصيرُ قد أثَّرَ في جَنْبِك، وهذه خِزانتُك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قَيْصَرُ وكِسْرَى في الثِّمارِ والأنهارِ، وأنت رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وصَفْوتُه، وهذه خِزانتُك؟! فقال: «يا بنَ الخطَّابِ، ألَا تَرضَى أن تكونَ لنا الآخرةُ ولهم الدنيا؟»، قلتُ: بلى، قال: ودخَلْتُ عليه حينَ دخَلْتُ وأنا أرى في وجهِه الغضَبَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما يشُقُّ عليك مِن شأنِ النِّساءِ؟ فإن كنتَ طلَّقْتَهنَّ، فإنَّ اللهَ معك وملائكتَه وجِبْريلَ وميكائيلَ، وأنا وأبو بكرٍ والمؤمنون معك، وقلَّما تكلَّمْتُ - وأحمَدُ اللهَ - بكلامٍ إلا رجَوْتُ أن يكونَ اللهُ يُصدِّقُ قولي الذي أقولُ، ونزَلتْ هذه الآيةُ آيةُ التخييرِ: {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5]، {وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اْللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ اْلْمُؤْمِنِينَۖ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، وكانت عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ وحَفْصةُ تَظاهرانِ على سائرِ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أطلَّقْتَهنَّ؟ قال: «لا»، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي دخَلْتُ المسجدَ والمسلمون ينكُتون بالحَصى، يقولون: طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، أفأنزِلُ فأُخبِرَهم أنَّك لم تُطلِّقْهنَّ؟ قال: «نعم، إن شِئْتَ»، فلَمْ أزَلْ أُحدِّثُه حتى تحسَّرَ الغضَبُ عن وجهِه، وحتى كشَرَ فضَحِكَ، وكان مِن أحسَنِ الناسِ ثَغْرًا، ثم نزَلَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ونزَلْتُ، فنزَلْتُ أتشبَّثُ بالجِذْعِ، ونزَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كأنَّما يمشي على الأرضِ، ما يَمَسُّه بيدِه، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّما كنتَ في الغُرْفةِ تِسْعةً وعِشْرينَ؟ قال: «إنَّ الشهرَ يكونُ تِسْعًا وعِشْرينَ»، فقُمْتُ على بابِ المسجدِ، فنادَيْتُ بأعلى صوتي: لم يُطلِّقْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، ونزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا ‌جَآءَهُمْ ‌أَمْرٞ مِّنَ اْلْأَمْنِ أَوِ اْلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى اْلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي اْلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ اْلَّذِينَ يَسْتَنۢبِطُونَهُۥ مِنْهُمْۗ} [النساء: 83]، فكنتُ أنا استنبَطْتُ ذلك الأمرَ، وأنزَلَ اللهُ عز وجل آيةَ التخييرِ». أخرجه مسلم (١٤٧٩).

* سورة (التحريم):

سُمِّيت سورة (التحريم) بهذا الاسم؛ لِما ذُكِر فيها من تحريمِ النبي صلى الله عليه وسلم على نفسِه ما أحلَّ اللهُ له؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اْللَّهُ لَكَۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَۚ وَاْللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [التحريم: 1].
* سورة (اْلنَّبِيِّ):
للسبب السابق نفسه.

* سورة {لِمَ تُحَرِّمُ}:
وتسميتها بهذا الاسمِ من قبيل تسمية السورة بأولِ كلمة فيها.

1. عتابٌ ومغفرة (١-٢).

2. إفشاء سرِّ الزوجية، وعواقبه (٣-٥).

3. الرعاية مسؤولية ومكافأة (٦-٩).

4. العِظات من سِيَر الأقدمين (١٠-١٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /245).

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: الحثُّ على تقديرِ التدبير في الآداب مع الله ومع رسوله، لا سيما للنساء؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم في حُسْنِ عِشْرته، وكريم صُحْبته، وبيان أن الأدبَ الشرعي تارة يكون باللِّين، وأخرى بالسوط وما داناه، ومرة بالسيف وما والاه.

واسماها (التحريم، والنبيُّ): موضِّحٌ لذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /99).