تفسير سورة التحريم

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة التحريم من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا النَّبِي﴾ يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ﴾ نِكَاحه يعْنى نِكَاح مَارِيَة الْقبْطِيَّة أم إِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد رَسُول الله حرمهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَفسه ﴿تبتغي مرضات أَزْوَاجِكَ﴾ تطلب رِضَاء أَزوَاجك عَائِشَة وَحَفْصَة بِتَحْرِيم مَارِيَة الْقبْطِيَّة ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ لَك ﴿رَّحِيمٌ﴾ بِتِلْكَ الْيَمين
﴿قَدْ فَرَضَ الله﴾ قد بيَّن الله ﴿لَكُمْ تَحِلَّة أَيْمَانكُم﴾ كَفَّارَة أَيْمَانكُم فَكفر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينه وَضمّهَا إِلَى نَفسه ﴿وَالله مَوْلاَكُمْ﴾ حافظكم وناصرك ﴿وَهُوَ الْعَلِيم﴾ بتحريمك مَارِيَة الْقبْطِيَّة ﴿الْحَكِيم﴾ فِيمَا حكم من الْكَفَّارَة
﴿وَإِذَ أَسَرَّ النَّبِي إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ يَعْنِي حَفْصَة ﴿حَدِيثاً﴾ كلَاما أخْبرهَا فِي السِّرّ ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ فَلَمَّا أخْبرت حَفْصَة بسر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَائِشَة ﴿وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ﴾ أطلع الله نبيه على مَا أخْبرت حَفْصَة عَائِشَة ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾ بيَّن النَّبِي لحفصة بعض مَا قَالَت لعَائِشَة من خلَافَة أبي بكر وَعمر وَيُقَال من خلوته مَعَ مَارِيَة الْقبْطِيَّة ﴿وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ﴾ سكت عَن بعض تَحْرِيمه مَارِيَة الْقبْطِيَّة على نَفسه وَعَما أخْبرهَا من خلَافَة أبي بكر وَعمر من بعده وَلم يعلمهَا بذلك ﴿فَلَمَّا نبأها بِهِ﴾ أخبر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة بِمَا قَالَت لعَائِشَة ﴿قَالَتْ﴾ حَفْصَة ﴿مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا﴾ أخْبرك بِهَذَا أَنِّي قلت لعَائِشَة ﴿قَالَ﴾ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿نَبَّأَنِيَ﴾ أَخْبرنِي ﴿الْعَلِيم﴾ بِمَا قلت لعَائِشَة ﴿الْخَبِير﴾ بِمَا قلت لَك
﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى الله﴾ توبا إِلَى الله يَا عَائِشَة وَيَا حَفْصَة من إيذائكما رَسُول الله ومعصيتكما لَهُ ﴿فَقَدْ صَغَتْ﴾ مَالَتْ ﴿قُلُوبُكُمَا﴾ عَن الْحق ﴿وَإِن تَظَاهَرَا﴾ تعاونا ﴿عَلَيْهِ﴾ على إيذائه ومعصيته ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ﴾ حافظه وناصره ومعينه عَلَيْكُمَا ﴿وَجِبْرِيلُ﴾ معينه عَلَيْكُمَا ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ جملَة الْمُؤمنِينَ المخلصين أعوان لَهُ عَلَيْكُمَا مثل أَبى بكر وَعمر وَعُثْمَان وعَلى رضى الله عَنْهُم وَمن دونهم ﴿وَالْمَلَائِكَة بَعْدَ ذَلِك﴾ مَعَ هَؤُلَاءِ ﴿ظَهِيرٌ﴾ أعوان لَهُ عَلَيْكُمَا
﴿عَسى رَبُّهُ﴾ وَعَسَى من الله وَاجِب ﴿إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ﴾ يُزَوجهُ ﴿أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ﴾ فِي الطَّاعَة ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾ مقرات بالألسن ﴿مُّؤْمِنَاتٍ﴾ مصدقات بالألسن والقلوب بإيمانهن ﴿قَانِتَاتٍ﴾ مطيعات لله ولأزواجهن ﴿تَائِبَاتٍ﴾ من الذُّنُوب ﴿عَابِدَاتٍ﴾ موحدات الله ﴿سَائِحَاتٍ﴾ صائمات ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ أيمات مثل آسِيَة بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن ﴿وَأَبْكَاراً﴾ مَرْيَم بنت عمرَان أم عِيسَى
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿قوا أَنفُسَكُمْ﴾ ادفعوا عَن أَنفسكُم وقومكم ﴿وَأَهْلِيكُمْ﴾ وَأَوْلَادكُمْ ونسائكم ﴿نَاراً﴾ يَقُول أدبوهم وعلموهم الْخَيْر تقوهم بذلك نَارا ﴿وَقُودُهَا﴾ حطبها ﴿النَّاس وَالْحِجَارَة﴾ حِجَارَة الكبريت وَهِي أَشد الْأَشْيَاء حرا ﴿عَلَيْهَا﴾ على النَّار ﴿مَلَائِكَة﴾ يَعْنِي الزَّبَانِيَة ﴿غِلاَظٌ﴾ عُظَمَاء ﴿شِدَادٌ﴾ أقوياء ﴿لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ﴾ فِيمَا أَمرهم من عَذَاب أهل النَّار ﴿ويفعلون﴾ يعْنى الزَّبَانِيَة ﴿مَا يؤمرون﴾
﴿يَا أَيهَا الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿لاَ تَعْتَذِرُواْ الْيَوْم﴾ فَإِنَّهُ لَا يقبل معذرتكم ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون فى الدُّنْيَا
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿تُوبُوا إِلَى الله﴾ من الذُّنُوب ﴿تَوْبَةً نصُوحًا﴾ خَالِصا صَادِقا من قُلُوبكُمْ وَهُوَ النَّدَم بِالْقَلْبِ وَالِاسْتِغْفَار بِاللِّسَانِ والإقلاع بِالْبدنِ وَالضَّمِير على أَن لَا يعود إِلَيْهِ أبدا ﴿عَسى ربكُم﴾ عَسى من الله وَاجِب ﴿أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ أَن يغْفر لكم ذنوبكم بِالتَّوْبَةِ ﴿وَيُدْخِلَكُمْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار
477
الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿يَوْمَ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿لاَ يُخْزِى الله النَّبِي﴾ كَمَا يخزي الْكفَّار يَقُول لَا يعذب الله النَّبِي ﴿وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ﴾ وَلَا يعذب الَّذين آمنُوا بِهِ مثل أبي بكر وَأَصْحَابه ﴿نُورُهُمْ يسْعَى﴾ يضيء ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ على الصِّرَاط ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ﴾ بعد مَا ذهب نور الْمُنَافِقين ﴿رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا﴾ على الصِّرَاط ﴿نُورَنَا واغفر لَنَآ﴾ ذنوبنا ﴿إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من إتْمَام النُّور والغفران ﴿قدير﴾
478
﴿يَا أَيهَا النَّبِي جَاهِدِ الْكفَّار﴾ كفار مَكَّة بِالسَّيْفِ حَتَّى يسلمُوا ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾ منافقي أهل الْمَدِينَة بِاللِّسَانِ بالزجر والوعيد ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ وَاشْدُدْ على كلا الْفَرِيقَيْنِ بالْقَوْل وَالْفِعْل ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾ مصير الْمُنَافِقين وَالْكفَّار ﴿جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمصير﴾ صَارُوا إِلَيْهِ جَهَنَّم
ثمَّ خوف عَائِشَة وَحَفْصَة لإيذائهما النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِامْرَأَة نوح وَامْرَأَة لوط فَقَالَ ﴿ضَرَبَ الله﴾ بيَّن الله ﴿مَثَلاً﴾ صفة ﴿لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ بالمرأتين الكافرتين ﴿امْرَأَة نوح﴾ وَاهِلَة ﴿وَامْرَأَة لُوطٍ﴾ واعلة ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ﴾ مرسلين ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ فخالفتاهما فِي الدّين وأظهرتا الْإِيمَان بِاللِّسَانِ وأسرتا النِّفَاق بِالْقَلْبِ وَلم تخونا بِالْفُجُورِ لِأَنَّهُ لم تفجر امْرَأَة نَبِي قطّ ﴿فَلم يغنيا عَنْهُمَا﴾ لم ينفعهما ﴿مِنَ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿شَيْئاً﴾ صَلَاح زوجيهما مَعَ كفرهما ﴿وَقِيلَ ادخلا النَّار﴾ فِي الْآخِرَة ﴿مَعَ الداخلين﴾ فِي النَّار ثمَّ حثهما على التَّوْبَة وَالْإِحْسَان بِامْرَأَة فِرْعَوْن آسِيَة بنت مُزَاحم وَمَرْيَم بنت عمرَان فَقَالَ
﴿وَضَرَبَ الله مَثَلاً﴾ بَين الله صفة ﴿لِّلَّذِينَ آمنُوا﴾ بامرأتين مسلمتين ﴿امْرَأَة فِرْعَوْنَ﴾ آسِيَة بنت مُزَاحم ﴿إِذْ قَالَتْ﴾ فِي عَذَاب فِرْعَوْن لَهَا ﴿رَبِّ ابْن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجنَّة﴾ لكَي يهون عليَّ عَذَاب فِرْعَوْن ﴿وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ﴾ من دين فِرْعَوْن ﴿وَعَمَلِهِ﴾ عَذَابه ﴿وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْم الظَّالِمين﴾ الْكَافرين فَلم يَضرهَا كفر زَوجهَا مَعَ إيمَانهَا وإخلاصها
﴿وَمَرْيَم ابْنة عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ حفظت فرجهَا يَعْنِي جيب درعها من الْفَوَاحِش ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾ فَنفخ جِبْرِيل فِي جيب قميصها بأمرنا فَحملت بِعِيسَى ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبَّهَا﴾ بِمَا قَالَ لَهَا جِبْرِيل ﴿إنمآ أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكياً﴾ ﴿وَكُتُبِهِ﴾ وبكتبه التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر الْكتب وَيُقَال بِكَلِمَات رَبهَا بِعِيسَى ابْن مَرْيَم أَن يكون بِكَلِمَة من الله كن فَصَارَ مخلوقاً وبكتابه الْإِنْجِيل ﴿وَكَانَتْ مِنَ القانتين﴾ من المطيعين لله فى الشدَّة والرخاء وَيُقَال وَكَانَت من القانتين الذى تَعَالَى وتعاظم
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْملك وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاثُونَ وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَثَلَاثُونَ وحروفها ألف وثلاثمائة وَثَلَاثَة عشر
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
سورة التحريم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التحريم) من السُّوَر المدنيَّة، نزلت بعد سورة (الحُجُرات)، وقد عاتَبَ اللهُ فيها النبيَّ صلى الله عليه وسلم بسبب تحريمه العسلَ على نفسه إرضاءً لزوجاته، وورَد فيها النهيُ عن أن يُحرِّمَ أحدٌ شيئًا على نفسه لإرضاء أحدٍ؛ فلا قُرْبةَ في ذلك، وكذا فيها تنبيهٌ لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ولكل المؤمنين على التزام الأدب مع الله، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
66
نوعها
مدنية
ألفاظها
254
ترتيب نزولها
107
العد المدني الأول
12
العد المدني الأخير
12
العد البصري
12
العد الكوفي
12
العد الشامي
12

قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اْللَّهُ لَكَۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَۚ وَاْللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١ قَدْ فَرَضَ اْللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَٰنِكُمْۚ وَاْللَّهُ مَوْلَىٰكُمْۖ وَهُوَ اْلْعَلِيمُ اْلْحَكِيمُ ٢ وَإِذْ أَسَرَّ اْلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِۦ وَأَظْهَرَهُ اْللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُۥ وَأَعْرَضَ عَنۢ بَعْضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتْ مَنْ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ اْلْعَلِيمُ اْلْخَبِيرُ ٣ إِن تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اْللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ اْلْمُؤْمِنِينَۖ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 1-4]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يمكُثُ عند زَيْنبَ بنتِ جَحْشٍ، ويَشرَبُ عندها عسَلًا، فتواصَيْتُ أنا وحَفْصةُ: أنَّ أيَّتَنا دخَلَ عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلْتقُلْ: إنِّي أجدُ منك رِيحَ مَغافيرَ، أكَلْتَ مَغافيرَ؟! فدخَلَ على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: «لا، بل شَرِبْتُ عسَلًا عند زَيْنبَ بنتِ جَحْشٍ، ولن أعُودَ له»؛ فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اْللَّهُ لَكَۖ} [التحريم: 1] إلى {إِن تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ} [التحريم: 4] لعائشةَ وحَفْصةَ، {وَإِذْ أَسَرَّ اْلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَٰجِهِۦ} [التحريم: 3] لقوله: «بل شَرِبْتُ عسَلًا»». أخرجه البخاري (٥٢٦٧).

* قوله تعالى: {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5]:

عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «اجتمَعَ نساءُ النبيِّ ﷺ في الغَيْرةِ عليه، فقلتُ لهنَّ: {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5]؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٩١٦).

وعنه رضي الله عنه، قال: «لمَّا اعتزَلَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، قال: دخَلْتُ المسجدَ، فإذا الناسُ ينكُتون بالحصى، ويقولون: طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، وذلك قبل أن يُؤمَرْنَ بالحِجابِ، فقال عُمَرُ: فقلتُ: لَأعلَمَنَّ ذلك اليومَ، قال: فدخَلْتُ على عائشةَ، فقلتُ: يا بنتَ أبي بكرٍ، أقَدْ بلَغَ مِن شأنِكِ أن تُؤذِي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما لي وما لك يا بنَ الخطَّابِ؟! عليك بعَيْبتِك، قال: فدخَلْتُ على حَفْصةَ بنتِ عُمَرَ، فقلتُ لها: يا حَفْصةُ، أقَدْ بلَغَ مِن شأنِكِ أن تُؤذِي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ واللهِ، لقد عَلِمْتِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يُحِبُّكِ، ولولا أنا لطلَّقَكِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فبكَتْ أشدَّ البكاءِ، فقلتُ لها: أين رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في خِزانتِه في المَشْرُبةِ، فدخَلْتُ، فإذا أنا برَباحٍ غلامِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قاعدًا على أُسْكُفَّةِ المَشْرُبةِ، مُدَلٍّ رِجْلَيهِ على نَقِيرٍ مِن خشَبٍ، وهو جِذْعٌ يَرقَى عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وينحدِرُ، فنادَيْتُ: يا رَباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فنظَرَ رَباحٌ إلى الغُرْفةِ، ثم نظَرَ إليَّ، فلَمْ يقُلْ شيئًا، ثم قلتُ: يا رَباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فنظَرَ رَباحٌ إلى الغُرْفةِ، ثم نظَرَ إليَّ، فلَمْ يقُلْ شيئًا، ثم رفَعْتُ صوتي، فقلتُ: يا رَباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فإنِّي أظُنُّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ظَنَّ أنِّي جِئْتُ مِن أجلِ حَفْصةَ، واللهِ، لَئِنْ أمَرَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بضَرْبِ عُنُقِها، لَأَضرِبَنَّ عُنُقَها، ورفَعْتُ صوتي، فأومأَ إليَّ أنِ ارْقَهْ، فدخَلْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو مضطجِعٌ على حصيرٍ، فجلَسْتُ، فأدنى عليه إزارَه، وليس عليه غيرُه، وإذا الحصيرُ قد أثَّرَ في جَنْبِه، فنظَرْتُ ببصَري في خِزانةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقَبْضةٍ مِن شَعِيرٍ نحوِ الصَّاعِ، ومِثْلِها قَرَظًا، في ناحيةِ الغُرْفةِ، وإذا أَفِيقٌ معلَّقٌ، قال: فابتدَرتْ عَيْناي، قال: «ما يُبكِيك يا بنَ الخطَّابِ؟»، قلتُ: يا نبيَّ اللهِ، وما ليَ لا أبكي وهذا الحصيرُ قد أثَّرَ في جَنْبِك، وهذه خِزانتُك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قَيْصَرُ وكِسْرَى في الثِّمارِ والأنهارِ، وأنت رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وصَفْوتُه، وهذه خِزانتُك؟! فقال: «يا بنَ الخطَّابِ، ألَا تَرضَى أن تكونَ لنا الآخرةُ ولهم الدنيا؟»، قلتُ: بلى، قال: ودخَلْتُ عليه حينَ دخَلْتُ وأنا أرى في وجهِه الغضَبَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما يشُقُّ عليك مِن شأنِ النِّساءِ؟ فإن كنتَ طلَّقْتَهنَّ، فإنَّ اللهَ معك وملائكتَه وجِبْريلَ وميكائيلَ، وأنا وأبو بكرٍ والمؤمنون معك، وقلَّما تكلَّمْتُ - وأحمَدُ اللهَ - بكلامٍ إلا رجَوْتُ أن يكونَ اللهُ يُصدِّقُ قولي الذي أقولُ، ونزَلتْ هذه الآيةُ آيةُ التخييرِ: {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5]، {وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اْللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ اْلْمُؤْمِنِينَۖ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، وكانت عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ وحَفْصةُ تَظاهرانِ على سائرِ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أطلَّقْتَهنَّ؟ قال: «لا»، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي دخَلْتُ المسجدَ والمسلمون ينكُتون بالحَصى، يقولون: طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، أفأنزِلُ فأُخبِرَهم أنَّك لم تُطلِّقْهنَّ؟ قال: «نعم، إن شِئْتَ»، فلَمْ أزَلْ أُحدِّثُه حتى تحسَّرَ الغضَبُ عن وجهِه، وحتى كشَرَ فضَحِكَ، وكان مِن أحسَنِ الناسِ ثَغْرًا، ثم نزَلَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ونزَلْتُ، فنزَلْتُ أتشبَّثُ بالجِذْعِ، ونزَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كأنَّما يمشي على الأرضِ، ما يَمَسُّه بيدِه، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّما كنتَ في الغُرْفةِ تِسْعةً وعِشْرينَ؟ قال: «إنَّ الشهرَ يكونُ تِسْعًا وعِشْرينَ»، فقُمْتُ على بابِ المسجدِ، فنادَيْتُ بأعلى صوتي: لم يُطلِّقْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، ونزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا ‌جَآءَهُمْ ‌أَمْرٞ مِّنَ اْلْأَمْنِ أَوِ اْلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى اْلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي اْلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ اْلَّذِينَ يَسْتَنۢبِطُونَهُۥ مِنْهُمْۗ} [النساء: 83]، فكنتُ أنا استنبَطْتُ ذلك الأمرَ، وأنزَلَ اللهُ عز وجل آيةَ التخييرِ». أخرجه مسلم (١٤٧٩).

* سورة (التحريم):

سُمِّيت سورة (التحريم) بهذا الاسم؛ لِما ذُكِر فيها من تحريمِ النبي صلى الله عليه وسلم على نفسِه ما أحلَّ اللهُ له؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اْللَّهُ لَكَۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَۚ وَاْللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [التحريم: 1].
* سورة (اْلنَّبِيِّ):
للسبب السابق نفسه.

* سورة {لِمَ تُحَرِّمُ}:
وتسميتها بهذا الاسمِ من قبيل تسمية السورة بأولِ كلمة فيها.

1. عتابٌ ومغفرة (١-٢).

2. إفشاء سرِّ الزوجية، وعواقبه (٣-٥).

3. الرعاية مسؤولية ومكافأة (٦-٩).

4. العِظات من سِيَر الأقدمين (١٠-١٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /245).

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: الحثُّ على تقديرِ التدبير في الآداب مع الله ومع رسوله، لا سيما للنساء؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم في حُسْنِ عِشْرته، وكريم صُحْبته، وبيان أن الأدبَ الشرعي تارة يكون باللِّين، وأخرى بالسوط وما داناه، ومرة بالسيف وما والاه.

واسماها (التحريم، والنبيُّ): موضِّحٌ لذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /99).