تفسير سورة التحريم

حومد

تفسير سورة سورة التحريم من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد.
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ - يَجْرِي قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ أَوْ
﴿ياأيها﴾ ﴿مَرْضَاةَ﴾ ﴿أَزْوَاجِكَ﴾
(١) - هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ إِثْرَ حَادِثٍ بَسِيطٍ وَقَعَ، وَكَانَ مِنْ نَتِيجَتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ حَلَفَ عَلَى أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ العَسَلَ (وَقِيلَ بَلْ حَلَفَ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَمَتَهُ مَارِيَةَ القِبْطِيَّةَ).
فَوَفْقاً لِلْرِوَايَةِ الأُولَى - كَمَا رَوَتْهَا أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهَا: كَانَ الرَّسُولُ ﷺ يُحِبُّ شُرْبَ العَسَلِ، وَكَانَ إِذَا انْصِرَفَ مِنَ العَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، وَكَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وفَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسََلاً، فَتَوَاطَأَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ عَلَى أَنْ يَقُلْنَ لِلنَّبِيِّ ﷺ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهنَّ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ. (والمَغَافِيرُ نَوْعٌ مِنْ صِمْغِ بَعْضِ الشَّجَرِ) أَكَلْتَ مَغَافِيرَ. وَكَانَتْ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ مُتَصَافِيتَيْنَ، مُتَظَاهِرَتِينِ عَلَى سَائِرِ أَزْواجِ النَّبِيِّ. فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ. فَقَالَ النَّبِيُّ لاَ، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. وَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ فَلا تُخْبِري أَحَداً بِذَلِكَ، وَلَكِنَّ حَفْصَةَ أَخْبَرَتْ عَائِشَةَ بِمَا تَمَّ.
وَوَفْقاً لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَصَابَ جَارِيتَ مَارِيَةَ (أُمَّ ابنِهِ إِبْرَاهِيمَ عَليهِ السَّلامُ) فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: أَيْ رَسُولَ اللهِ فِي بَيْتِي وَعَلَى فِرَاشِي؟ فَجَعَلَهَا النَّبِيُّ عَليهِ حَرَاماً.
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ يُعَاتِبُهُ فِيهَا عَلَى تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَهُ، وَأَمَرَهُ بِالتَّكْفِيرِ عَنْ يَمِينِهِ فَفَعَلَ.
وَمَعْنَى الآيَةِ الكَرِيمَةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِكَ شَيْئاً أَحَلَّهُ اللهُ لَكَ، وَأَنْتَ تُرِيدُ بِتَحْرِيمِهِ مرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ؟ وَاللهُ غَفُورٌ لِذُنُوبِ التَّائِبينَ مِنْ عِبَادِهِ، وَقَدْ غَفَرَ لَكَ امْتِناعَكَ عَمَّا أَحَلَّهُ اللهُ لَكَ، وَهُوَ رَحِيمٌ بِعِبادِهِ المُؤْمِنِينَ لاَ يُعَاقِبُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ أَنْ غَفَرَهُ لَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ.
﴿أَيْمَانِكُمْ﴾ ﴿مَوْلاَكُمْ﴾
(٢) - لَقَدْ شَرَعَ اللهُ تَعَالَى لَكُم التَحَلُّلَ مِنَ الأَيْمَانِ التي حَلَفْتُمُوهَا بالتَّكْفِير عَنْهَا، فَعَلَيْكَ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ أَنْ تُكَفِّرَ عَنِ اليَمِين التِي حَلَفْتَهَا فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ، وَاللهُ هُوَ مُتَوَلِّي أُمُورِكُمْ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ، وَهُوَ العَلِيمُ بِمَا يُصْلِحُ أُمُورَكُمْ فَيَشْرَعُهُ لَكُمْ، وَهُوَ الحَكِيمُ فِي شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
وَقَدْ كَفَّرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ يَمِينِهِ بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ.
تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ - تَحْلِيلَهَا بِالكَفَّارَةِ.
اللهُ مَوْلاَكُمْ - نَاصِرُكُمْ وَمُتَوَلِّي أُمُورِكُمْ.
﴿أَزْوَاجِهِ﴾
(٣) - وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى زَوْجِهِ حَفْصَةَ حَدِيثاً فَقَالَ لَهَا: إِنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ العَسَلَ عِنْدَ زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ، وَقَالَ لَنْ أَعُودَ إِلَى شُرْبِهِ وَقَدْ حَلَفْتُ، فَلاَ تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَداً. فَلَمَّا أَخْبَرَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ بِالحَدِيثِ الذِي اسْتَكْتَمَهَا النَّبِيُّ عَلَيهِ. وَأَطْلَعَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَا فَعَلَتْهُ حَفْصَةُ مِنْ إِفْشَائِهَا مَا اسْتَكْتَمَهَا النَّبِيُّ عَليْهِ أَخْبَرَ حَفْصَةَ بِبَعْضِ الحَدِيثِ الذِي أَفْشَتْهُ (وَهُوَ كُنْتُ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ)، وَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ بَعْضِ الحَدِيثِ الذِي أَفْشَتْهُ (وَهُوَ قَوْلُهُ وَقَدْ حَلَفْتُ فَلاَ تُخْبِرِي أَحَداً)، فَلَمْ يُخْبِرْهَا بِهِ تَكَرُّماً مِنْهُ لِكَيْلا يَزِيدَ فِي خَجَلِهَا مِنْهُ.
فَلَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ حَفصَةَ بِمَا دَارَ بَيْنَهَا وَبَينَ عَائِشَةَ قَالَتْ مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ وَهِيَ تَظُنُّ أَنَّ عَائِشَةَ قَدْ فَضَحَتْهَا وَنَقَلَتِ الحَدِيثَ إِلَى الرَّسُولِ. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ: أَخْبَرَنِي بِهِ رَبِّي العِلِيمُ بِالسِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَالخَبِيرُ بِكُلِّ مَا فِي الوُجُودِ.
نَبَّأَتْ بِهِ - أَخْبَرَتْ بِهِ غَيْرَهَا.
أَظْهَرَهُ اللهَ عَلَيهِ - أَطْلَعَهُ اللهُ عَلَى إِفْشَائِهِ.
﴿تَظَاهَرَا﴾ ﴿مَوْلاَهُ﴾ ﴿صَالِحُ﴾ ﴿الْمَلاَئِكَةُ﴾
(٤) - وَجَّهَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ خِطَابَهُ الكَرِيمَ إِلَى زَوْجَتي النَّبِيِّ اللَّتينِ تَظَاهَرَتَا عَلَيهِ (وَهُمَا حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ) فَقَالَ لَهُمَا: إِنْ تَتُوبَا مِنْ ذَنْبِكُمَا، وَتُقْلِعَا عَنْ مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ، تَكُنْ قُلُوبُكُمَا قَدْ مَالَتْ إِلَى الخَيْرِ، وَتَكُونَا قَدْ أَدَّيْتُمَا مَا يَجِبُ عَلَيْكُمَا نَحْوَ رَسُولِ اللهِ مِنْ إِجْلاَلٍ واحْتِرَامٍ، وَتَكْرِيمٍ لِمَقَامِهِ الكَرِيمِ.
صَغَتْ قُلُوبُكُمَا - مَالَتْ إِلَى الخَيْرِ.
تَظَاهَرَا - تَتَعَاوَنَا عَلَيْهِ بِمَا يَسُوؤُهُ.
ظَهِيرٌ - مُعِينٌ وَمُظَاهِرٌ.
مَوْلاَهُ - نَاصِرُهُ وَوَلِيُّهُ.
﴿أَزْوَاجاً﴾ ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾ ﴿مُّؤْمِنَاتٍ﴾ ﴿قَانِتَاتٍ﴾ ﴿تَائِبَاتٍ﴾ ﴿عَابِدَاتٍ﴾ ﴿سَائِحَاتٍ﴾ ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾
(٥) - ثُمَّ حَذَّرَهُمَا اللهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ إِذَا طَلَّقَهُنَّ فَإِنَّ اللهَ قَدْ يُبْدِلُهُ خَيْراً مِنْهُنَّ إِسْلاَماً وَإِيمَاناً وَمُوَاظَبَةً عَلَى العِبَادَةِ، وَإِقْلاَعاً عَنِ الذُّنْوبِ، وَسَمْعاً لأَوَامِرِ الرَّسُولِ، بَعْضُهُنَّ ثَيِّبَاتٌ سَبَقَ لَهُنَّ الزَّوَاجُ، وَبَعْضُهُنَّ أَبْكَارٌ لَمْ يَسْبِقْ لأَحَدٍ الزَّوَاجُ مِنْهُنَّ.
قَانِتَاتٍ - مُطِيعَاتٍ خَاضِعَاتٍ للهِ.
سَائِحَاتٍ - صَائِمَاتٍ أَوْ مُهَاجِرَاتٍ.
﴿ياأيها﴾ ﴿آمَنُواْ﴾ ﴿مَلاَئِكَةٌ﴾
(٦) - يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، وَاتَّقُوا مَعْصَيَتَهُ، وَأمُرُوا أَهْلَكُمْ بِالذّكْرِ والتَّقْوَى، وَعَلِّمُوهُمْ مَا فَرَضَ اللهُ عَلَيهِمْ، وَمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ، وَأمُرُوهُمْ بِطَاعَةِ اللهِ لِتُنقِذُوهُمْ وَأَنْفُسَكُمْ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، التِي يَكُونُ وَقُودُهَا النَّاسُ مِنَ الكَفَرَةِ، وَالحِجَارَةُ، وَتَقُومُ عَلَيهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، أَشِدَّاءُ َعَلَيهِمْ، لاَ يُخَالِفُونَ رَبَّهُمْ فِي أَمْرٍ بِهِ، وَيُبَادِرُونَ إِلَى فِعْلِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ.
قوا أَنْفُسَكُمْ - جَنِّبُوا أَنْفُسَكُم النَّارَ بِطَاعَةِ اللهِ.
غِلاَظٌ شِدَادٌ - قُسَاةٌ أَقْوِيَاءُ - وَهُمُ الزَّبَانِيَةُ.
﴿ياأيها﴾
(٧) - وَيُقَالُ لِلْكَافِرِينَ حِينَمَا يُقْذَفُونَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ: لاَ تَعْتَذِرُوا عَنْ كُفْرِكُمْ، وَعَمَلِكُمْ السَّيِّئِ، فَقَدْ فَاتَ أَوَانُ الإعْتَذَارِ، وَلاَتَ سَاعَةَ مَنْدَمٍ، إِنَّكُمْ إِنَّمَا تُلاَقُونَ الجَزَاءَ الأَوْفَى عَلَى أَعْمَالِكُم التِي عَمِلْتُمُوهَا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا.
﴿ياأيها﴾ ﴿جَنَّاتٍ﴾ ﴿الأنهار﴾ ﴿آمَنُواْ﴾ ﴿بِأَيْمَانِهِمْ﴾
(٨) - يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَتُوبُوا تَوْبَةً صَادِقَةً جَازِمَةً تَمْحُو مَا سَبَقَهَا مِنَ السَّيِّئَاتِ.
" وَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ فَقَالَ: هُوَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ حِينَ يَفْرُطُ مِنْكَ، فَتَسْتَغْفِرُ الله بِنَدَامَتِكَ مِنْهُ عِنْدَ الحَاضِرِ، ثُمَّ لاَ تَعُودُ إِليهِ أَبداً " (أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ).
ثُمَّ يُبَيِّنُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ إِنْ تَابُوا تَوْبَةً نَصُوحاً تَابَ اللهُ عَليهِمْ، وَغَفَرَ لَهُمْ، وَأَدخَلَهُمْ بِرَحْمَتِهِ جَنَّاتٍ تَجْرِي الأَنْهَارُ فِي جَنَبَاتِهَا فِي يَوْمِ القِيَامَةِ. وَهُوَ اليومُ الذِي يَرْفَعُ الله فِيهِ قَدْرَ رَسُولِهِ الكَرِيمِ، وَقَدْرَ المُؤْمِنينَ مَعَهُ. وَيَجْعَلُ نُورَهُمْ فِي ذَلِكَ اليَومِ يَسْعَى بَينَ أَيْدِيهِمْ، حِينَ يَمْشُونَ وَكُتُبُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَيَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ أَنْ يُبْقِي لَهُمْ نُورَهُمْ، فَلا يَطْفِئُهُ حَتَّى يجُوزُوا الصِّرَاطَ بِهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ رَبَّهُمْ مِنْ ذُنُوبِهِم السَّالِفَةِ، وََيَقُولُونَ: رَبَّنَا العَظِيمَ إِنَّكَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَلاَ يُعْجِزُكَ شَيءٌ.
تَوْبَةً نَصُوحاً - تَوْبَةً خَالِصَةً صَادِقَةً - أَوْ مَقْبُولَةً.
لاَ يُخْزِي اللهُ - لاَ يُذِلُّ، بَلْ يُعِزُّ رَسُولَهُ وَيَكْرِمُهُ.
﴿ياأيها﴾ ﴿جَاهِدِ﴾ ﴿المنافقين﴾ ﴿مَأْوَاهُمْ﴾
(٩) - يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ الذِينَ يَقِفُونَ فِي طَرِيقِ انتِشَارِ الدَّعْوَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ بِالسَّلاَحِ، وَحَارِبْهُمْ حَرْباً لاَ هَوادَةَ فِيهَا، وَجَاهِدِ المُنَافِقِينَ، الذِينَ يَتَظَاهَرُونَ بِالإِسَلاَمِ وَقُلُوبُهُمْ مُنْطَوِيَةٌ عَلَى الكُفر وَالشَّكِّ والرِّيبَةِ، وَيُقُومُونَ بِالدَّسِ وَالوَقِيعَةِ والتَّثْبِيطِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ بِالقَوْلِ وَالإِنْذَارِ، وَافْصَحْهُمْ، وَبَيِّنْ لَهُمْ سُوءَ مَصِيرِهِمْ وَمُنْقَلبِهِمْ فِي الآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُمْ وَيَرْجِعْ إِلَى اللهِ مُسْتَغْفِراً مُنِيباً، فَإِنَّ مَصِيرَهُ سَيَكُونُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَسَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمَصِيراً.
أغْلُظْ عَلَيْهِمْ - شَدِّدْ وَاقسُ عَلَيهِمْ.
﴿امرأت﴾ ﴿صَالِحَيْنِ﴾ ﴿الداخلين﴾
(١٠) - يَضْرِبُ اللهُ تَعَالَى مَثَلاً لِحَالِ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ الذِينَ يُخالِطُونَ المُسْلِمِينَ، وَيُعَاشِرُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَنْتَفِعُونَ بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ المُؤْمِنُونَ المُخْلِصُونَ مِنَ العِظَاتِ والدَّلاَئِلِ وَالبَرَاهِينِ، بِحَالِ امْرَأَةِ نُوحٍ وَامْرَأَةِ لُوطٍ، فَقَدْ كَانَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا زَوْجَةً لِنَبِّيٍّ صَالِحٍ مِنْ أَنْبِياءِ اللهِ، وَلَكِنَّهُمَا لَمْ تَنْفِعَا بِمَا كَانَا يَدْعُوَانِ إِليْهِ مِنَ الخَيْرِ وَالهُدَى وَالإِيْمَانِ بِاللهِ تَعَالَى، وَعَمِلَتَا أَعْمَالاً تَدُلُّ على الخِيَانَةِ وَالكُفْرِ، فَاتَّهَمَتِ امْرَأَةُ نُوحٍ زَوجَهَا بِالجُنُونِ، وَكَانَتْ إمْرَأَةُ لُوطٍ تُرْشِدُ قَوْمَهَا إِلَى ضُيُوفِ زَوْجِهَا لِيَفْعَلُوا مَعَهُمْ الخَبَائِثَ، فَأَهْلَكَهُمَا اللهُ مَعَ قَوْمِهِمَا، وَسَيَكُونُ مَصِيرُهُمَا النَّارَ فِي الآخِرَةِ، وَلَنْ يَنْفَعَهُمَا قُرْبُهُمَا مِنْ نَبِيَّينِ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ، وَلاَ انْتِسَابُهُمَا إِليهِمَا، وَيُقَالُ لَهُمَا: ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ إِليهَا.
فَخَانَتَاهُمَا - بِالنِّفَاقِ والنَّمِيمَةِ.
فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا - فَلَمْ يَدْفُعَا عَنْهُمَا وَلَمْ يَمْنَعَا عَنْهُمَا.
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿امرأت﴾ ﴿الظالمين﴾
(١١) - وَهَذَا مَثَلٌ آخَرُ ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ تَضُرُّهُمْ مُخَالَطَةُ الكَافِرِينَ إِذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِليهِمْ، فَقَدْ كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مُؤْمِنَةً مُخْلِصَةً للهِ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ طَاغِيَةً جَبَّاراً، فَمَا ضَرَّ امْرأَتَهُ كُفْرُ زَوْجِهَا حِينَ أَطَاعَتْ رَبَّهَا لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ اللهَ حَكِيمٌ عَادِلٌ، لاَ يُؤَاخِذُ أَحَداً بِذَنْبِ غَيْرِهِ. وَقَدْ سَأَلَت امْرأَةُ فِرْعَوْنَ رَبَّهَا أَنْ يَجْعَلَهَا قَرِيبَةً مِنْ رَحْمَتِهِ، وَأَنْ يَبْنِيَ لَهَا عِنْدَهُ بَيتاً فِي الجَنَّةِ، وَأَنْ يُنْقِذَهَا مِنْ فِرْعَوْنَ وَأَعْمَالِهِ الخَبِيثَةِ، وَأَنْ يُنَجِّيهَا مِنْ قَوْمِهِ الظَّالِمِينَ.
﴿ابنت﴾ ﴿عِمْرَانَ﴾ ﴿بِكَلِمَاتِ﴾ ﴿القانتين﴾
(١٢) - وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً آخَرَ لِلَّذِينَ آمَنُوا حَالَ مَرْيَمَ ابنة عِمْرَانَ، وَمَا أُوتِيَتْ مِنْ كَرَامَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فاصْطَفَاهَا اللهُ رَبُّهَا، وَأَرْسَلَ إِليهَا مَلَكاً كَرِيماً مَنْ مَلاَئِكَتِهِ تَمَثَّلَ لَهَا فِي صَورَةِ بَشَرٍ دَخَلَ عَلَيهَا، وَهِيَ فِي خَلْوَتِهَا، فَاسْتَعَاذَتْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهِ، فَبَشَّرَهَا بِأَنَّهَا سَيَكُونُ لَهَا وَلَدٌ يُولَدُ بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ، وَيَكُونَ نِبِيّاً كَرِيماً.
وَنَفَخَ فِيهَا المَلَكُ مِنْ رُوحِ اللهِ فَحَمَلَتْ بِعِيسَى، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَصَدَّقَتْ مَرْيَمُ بِشَرَائِعِ اللهِ، وَبِكُتُبِهِ التِي أَنْزَلَهَا عَلَى رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ، وَكَانَتْ فِي عِدَادِ القَانِتِينَ العَابِدِينَ المُطِيعِينَ للهِ تَعَالَى.
أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا - عَفَّتْ وَصَانَتْهُ مِنَ الرِّجَالِ.
مِنْ رَوحِنَا - رُوحاً مِنْ خَلْقِنَا بِلاَ تَوُسُّطٍ - أَيْ بِدُونِ أَبٍ.
مِنَ القَانِتِينَ - مِنَ القَوْمِ المُطِيعِينَ للهِ تَعَالَى.
سورة التحريم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التحريم) من السُّوَر المدنيَّة، نزلت بعد سورة (الحُجُرات)، وقد عاتَبَ اللهُ فيها النبيَّ صلى الله عليه وسلم بسبب تحريمه العسلَ على نفسه إرضاءً لزوجاته، وورَد فيها النهيُ عن أن يُحرِّمَ أحدٌ شيئًا على نفسه لإرضاء أحدٍ؛ فلا قُرْبةَ في ذلك، وكذا فيها تنبيهٌ لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ولكل المؤمنين على التزام الأدب مع الله، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
66
نوعها
مدنية
ألفاظها
254
ترتيب نزولها
107
العد المدني الأول
12
العد المدني الأخير
12
العد البصري
12
العد الكوفي
12
العد الشامي
12

قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اْللَّهُ لَكَۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَۚ وَاْللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١ قَدْ فَرَضَ اْللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَٰنِكُمْۚ وَاْللَّهُ مَوْلَىٰكُمْۖ وَهُوَ اْلْعَلِيمُ اْلْحَكِيمُ ٢ وَإِذْ أَسَرَّ اْلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَٰجِهِۦ حَدِيثٗا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِۦ وَأَظْهَرَهُ اْللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُۥ وَأَعْرَضَ عَنۢ بَعْضٖۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتْ مَنْ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ اْلْعَلِيمُ اْلْخَبِيرُ ٣ إِن تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اْللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ اْلْمُؤْمِنِينَۖ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 1-4]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يمكُثُ عند زَيْنبَ بنتِ جَحْشٍ، ويَشرَبُ عندها عسَلًا، فتواصَيْتُ أنا وحَفْصةُ: أنَّ أيَّتَنا دخَلَ عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلْتقُلْ: إنِّي أجدُ منك رِيحَ مَغافيرَ، أكَلْتَ مَغافيرَ؟! فدخَلَ على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: «لا، بل شَرِبْتُ عسَلًا عند زَيْنبَ بنتِ جَحْشٍ، ولن أعُودَ له»؛ فنزَلتْ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اْللَّهُ لَكَۖ} [التحريم: 1] إلى {إِن تَتُوبَآ إِلَى اْللَّهِ} [التحريم: 4] لعائشةَ وحَفْصةَ، {وَإِذْ أَسَرَّ اْلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَٰجِهِۦ} [التحريم: 3] لقوله: «بل شَرِبْتُ عسَلًا»». أخرجه البخاري (٥٢٦٧).

* قوله تعالى: {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5]:

عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «اجتمَعَ نساءُ النبيِّ ﷺ في الغَيْرةِ عليه، فقلتُ لهنَّ: {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5]؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٩١٦).

وعنه رضي الله عنه، قال: «لمَّا اعتزَلَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، قال: دخَلْتُ المسجدَ، فإذا الناسُ ينكُتون بالحصى، ويقولون: طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، وذلك قبل أن يُؤمَرْنَ بالحِجابِ، فقال عُمَرُ: فقلتُ: لَأعلَمَنَّ ذلك اليومَ، قال: فدخَلْتُ على عائشةَ، فقلتُ: يا بنتَ أبي بكرٍ، أقَدْ بلَغَ مِن شأنِكِ أن تُؤذِي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما لي وما لك يا بنَ الخطَّابِ؟! عليك بعَيْبتِك، قال: فدخَلْتُ على حَفْصةَ بنتِ عُمَرَ، فقلتُ لها: يا حَفْصةُ، أقَدْ بلَغَ مِن شأنِكِ أن تُؤذِي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ واللهِ، لقد عَلِمْتِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يُحِبُّكِ، ولولا أنا لطلَّقَكِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فبكَتْ أشدَّ البكاءِ، فقلتُ لها: أين رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في خِزانتِه في المَشْرُبةِ، فدخَلْتُ، فإذا أنا برَباحٍ غلامِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قاعدًا على أُسْكُفَّةِ المَشْرُبةِ، مُدَلٍّ رِجْلَيهِ على نَقِيرٍ مِن خشَبٍ، وهو جِذْعٌ يَرقَى عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وينحدِرُ، فنادَيْتُ: يا رَباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فنظَرَ رَباحٌ إلى الغُرْفةِ، ثم نظَرَ إليَّ، فلَمْ يقُلْ شيئًا، ثم قلتُ: يا رَباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فنظَرَ رَباحٌ إلى الغُرْفةِ، ثم نظَرَ إليَّ، فلَمْ يقُلْ شيئًا، ثم رفَعْتُ صوتي، فقلتُ: يا رَباحُ، استأذِنْ لي عندَك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فإنِّي أظُنُّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ظَنَّ أنِّي جِئْتُ مِن أجلِ حَفْصةَ، واللهِ، لَئِنْ أمَرَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بضَرْبِ عُنُقِها، لَأَضرِبَنَّ عُنُقَها، ورفَعْتُ صوتي، فأومأَ إليَّ أنِ ارْقَهْ، فدخَلْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو مضطجِعٌ على حصيرٍ، فجلَسْتُ، فأدنى عليه إزارَه، وليس عليه غيرُه، وإذا الحصيرُ قد أثَّرَ في جَنْبِه، فنظَرْتُ ببصَري في خِزانةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقَبْضةٍ مِن شَعِيرٍ نحوِ الصَّاعِ، ومِثْلِها قَرَظًا، في ناحيةِ الغُرْفةِ، وإذا أَفِيقٌ معلَّقٌ، قال: فابتدَرتْ عَيْناي، قال: «ما يُبكِيك يا بنَ الخطَّابِ؟»، قلتُ: يا نبيَّ اللهِ، وما ليَ لا أبكي وهذا الحصيرُ قد أثَّرَ في جَنْبِك، وهذه خِزانتُك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قَيْصَرُ وكِسْرَى في الثِّمارِ والأنهارِ، وأنت رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وصَفْوتُه، وهذه خِزانتُك؟! فقال: «يا بنَ الخطَّابِ، ألَا تَرضَى أن تكونَ لنا الآخرةُ ولهم الدنيا؟»، قلتُ: بلى، قال: ودخَلْتُ عليه حينَ دخَلْتُ وأنا أرى في وجهِه الغضَبَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما يشُقُّ عليك مِن شأنِ النِّساءِ؟ فإن كنتَ طلَّقْتَهنَّ، فإنَّ اللهَ معك وملائكتَه وجِبْريلَ وميكائيلَ، وأنا وأبو بكرٍ والمؤمنون معك، وقلَّما تكلَّمْتُ - وأحمَدُ اللهَ - بكلامٍ إلا رجَوْتُ أن يكونَ اللهُ يُصدِّقُ قولي الذي أقولُ، ونزَلتْ هذه الآيةُ آيةُ التخييرِ: {عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5]، {وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اْللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ اْلْمُؤْمِنِينَۖ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، وكانت عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ وحَفْصةُ تَظاهرانِ على سائرِ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أطلَّقْتَهنَّ؟ قال: «لا»، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي دخَلْتُ المسجدَ والمسلمون ينكُتون بالحَصى، يقولون: طلَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، أفأنزِلُ فأُخبِرَهم أنَّك لم تُطلِّقْهنَّ؟ قال: «نعم، إن شِئْتَ»، فلَمْ أزَلْ أُحدِّثُه حتى تحسَّرَ الغضَبُ عن وجهِه، وحتى كشَرَ فضَحِكَ، وكان مِن أحسَنِ الناسِ ثَغْرًا، ثم نزَلَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ونزَلْتُ، فنزَلْتُ أتشبَّثُ بالجِذْعِ، ونزَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كأنَّما يمشي على الأرضِ، ما يَمَسُّه بيدِه، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّما كنتَ في الغُرْفةِ تِسْعةً وعِشْرينَ؟ قال: «إنَّ الشهرَ يكونُ تِسْعًا وعِشْرينَ»، فقُمْتُ على بابِ المسجدِ، فنادَيْتُ بأعلى صوتي: لم يُطلِّقْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه، ونزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا ‌جَآءَهُمْ ‌أَمْرٞ مِّنَ اْلْأَمْنِ أَوِ اْلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى اْلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي اْلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ اْلَّذِينَ يَسْتَنۢبِطُونَهُۥ مِنْهُمْۗ} [النساء: 83]، فكنتُ أنا استنبَطْتُ ذلك الأمرَ، وأنزَلَ اللهُ عز وجل آيةَ التخييرِ». أخرجه مسلم (١٤٧٩).

* سورة (التحريم):

سُمِّيت سورة (التحريم) بهذا الاسم؛ لِما ذُكِر فيها من تحريمِ النبي صلى الله عليه وسلم على نفسِه ما أحلَّ اللهُ له؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اْللَّهُ لَكَۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَۚ وَاْللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [التحريم: 1].
* سورة (اْلنَّبِيِّ):
للسبب السابق نفسه.

* سورة {لِمَ تُحَرِّمُ}:
وتسميتها بهذا الاسمِ من قبيل تسمية السورة بأولِ كلمة فيها.

1. عتابٌ ومغفرة (١-٢).

2. إفشاء سرِّ الزوجية، وعواقبه (٣-٥).

3. الرعاية مسؤولية ومكافأة (٦-٩).

4. العِظات من سِيَر الأقدمين (١٠-١٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /245).

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: الحثُّ على تقديرِ التدبير في الآداب مع الله ومع رسوله، لا سيما للنساء؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم في حُسْنِ عِشْرته، وكريم صُحْبته، وبيان أن الأدبَ الشرعي تارة يكون باللِّين، وأخرى بالسوط وما داناه، ومرة بالسيف وما والاه.

واسماها (التحريم، والنبيُّ): موضِّحٌ لذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /99).