تفسير سورة يس

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة يس من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
مكية. إلا أن قوما قالوا إن قوله تعالى :﴿ ونكتب ما قدموا وآثارهم ﴾ [ يس : ١٢ ]، نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلون إلى جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ١ والآية على هذا مدنية. والصحيح أن الآية إنما نزلت بمكة ولكنها احتج بها عليهم في المدينة. ووافقها قول النبي صلى الله عليه وسلم في المعنى. فمن هنا زعم من زعم أنها في بني سلمة. ولهذه السورة فضائل منها ما جاء في الحديث من أنه : " من قرأها فكأنما قرأ القرآن عشر مرات بغير يس ومن قرأها عند موته سقي من أنهار الجنة ومن قرأها في أول نهاره فمات في آخره مات شهيدا وكذلك من قرأها في ليلة " ٢ وقال ابن أبي كثير٣ بلغنا أنه من قرأها ليلا لم يزل في فرج حتى يصبح. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لكل شيء قلب وأن قلب القرآن يس " ٤ وروت عائشة عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " إن في القرآن سورة تشفع لقارئها ويغفر لمستمعها وهي يس " ٥ وفيها مواضع ٦.
١ ذكره الواحدي في أسباب النزول ص ٢٧٤..
٢ الحديث ذكره الترمذي في سننه عن أنس بغير هذا اللفظ، كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء في فضل يس ٥/ ١٦٢..
٣ ابن أبي كثير: هو إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير المدني. كان ثقة وهو صاحب الخمسة مائة حديثا. انظر طبقات ابن سعد ٧/ ٣٢٧..
٤ الحديث ذكره الترمذي في سننه، كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء في فضل يس ٥/ ١٦٢..
٥ راجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٥/ ١، ٢..
٦ أوصلها ابن الفرس إلى خمس آيات..

– قوله تعالى :﴿ وما علمناه الشعر وما ينبغي له ﴾ :
استدل بعضهم بهذه الآية على ذم الشعر لأن الله تعالى رفع منزلة نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد كان صلى الله عليه وسلم لا يقول الشعر ولا يزنه وكان إذا حاول إنشاد بيت قديم كسره. وإنما كان يحرز المعاني فقط. من ذلك أنه أنشد يوما بيت طرفة :
ستبيح لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك من لم تزوده بالأخبار١
وأنشد وقد قيل له من أشعر الناس فقال الذي يقول :
ألم ترياني كلما جئت طارقا وجدت بها وإن لم تطيب طيبا٢
وأنشد يوما :
أتجعلوا نهبي ونهب العب يد بين الأقرع وعيينة٣
وقد كان عليه الصلاة والسلام ربما أنشد البيت مستقيما في النادر.
وروي أنه أنشد بيت ابن رواحة :
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع ٤
وقال الحسن : أنشد النبي صلى الله عليه وسلم : كفا بالإسلام والشيب للمرء ناهيا. فقال أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما : نشهد أنك رسول الله إنما قال الشاعر : كفا الشيب. وإصابته الوزن أحيانا لا يوجب أنه يعلم الشعر. وكذلك قد أتى أحيانا في نثر كلامه ما يدل على الوزن كقوله يوم حنين : " أنا النبي لا أكذب، أنا ابن عبد المطلب ". وكذلك يأتي في آيات من القرآن وفي كل كلام، وليس ذلك بشعر. ويؤكد حجة من كره الشعر قول عائشة : كان الشعر أبغض الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يتمثل بشعر بني قيس طرفة فيكسره فقال له أبو بكر ليس هكذا قال الشاعر فقال : " ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي " ٥ وقد ذهب قوم إلى أن الشعر لا عيب فيه. قالوا وإنما منعه الله تعالى من التحلي بهذه الحلية ليجيء القرآن من قلبه أعذب، فإنه لو كان له إدراك بالشعر لقيل في القرآن هذا من تلك القوة. قال بعضهم وليس الأمر كذلك. وقد كان عليه الصلاة والسلام من الفصاحة والبيان من النثر في المرتبة العليا ولكن كلام يبين بإعجازه ووصفه عن كل كلام. وإنما إنما منع الله تعالى عنه وزن الشعر ترفيعا له عما فيه التخييل وتزويق القول ٦ وأما القرآن فهو ذكر للحقائق والبراهين فما هو بقول شاعر. وقد مضى من الكلام على هذا طرف في سورة الشعراء.
١ البيت من البحر الطويل..
٢ البيت من البحر الطويل..
٣ البيت من البحر المتقارب. وقد قاله العباس بن مرداس. انظر طبقات ابن سعد ٤/ ٢٧٣..
٤ البيت من البحر الطويل.
.

٥ راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/٢٥٠، والجامع لأحكام القرآن ١٥/٥٢..
٦ في (ح): "القلب"..
– قوله تعالى :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون ( ٧١ ) وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ( ٧٢ ) ﴾ :
استدل بعض الناس بهذه الآية على رد قول من زعم أنه لا يحل أكل الخيل والحمير. قال وقد أخبر الله تعالى أنها للأكل والركوب. وهذا استدلال ضعيف لأن الله تعالى إنما ذكر في الآية الأنعام، والخيل والحمير لا يقع عليها ذلك الاسم فكيف يدخل معها في الحكم إلا على ما حكى الطبري من أن الأنعام تقع اسما على الخيل والبغال والحمير وجميع البهائم التي ينتفع بها فيصح الاحتجاج بالآية على ذلك١.
١ راجع جامع البيان ١٠/ ٩٠..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧١:– قوله تعالى :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون ( ٧١ ) وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ( ٧٢ ) ﴾ :
استدل بعض الناس بهذه الآية على رد قول من زعم أنه لا يحل أكل الخيل والحمير. قال وقد أخبر الله تعالى أنها للأكل والركوب. وهذا استدلال ضعيف لأن الله تعالى إنما ذكر في الآية الأنعام، والخيل والحمير لا يقع عليها ذلك الاسم فكيف يدخل معها في الحكم إلا على ما حكى الطبري من أن الأنعام تقع اسما على الخيل والبغال والحمير وجميع البهائم التي ينتفع بها فيصح الاحتجاج بالآية على ذلك١.
١ راجع جامع البيان ١٠/ ٩٠..

– قوله تعالى :﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ الآية :
فيه دليل على استعمال القياس والاعتبار والتعلق بالأولى ١ لأن الإعادة أهون من ابتداء الخلق. فمن صح منه الابتداء فالإعادة عليه أولى بالصحة. واستدل قوم من أصحاب الشافعي بالآية على أن في العظام حياة. وضعف غيره هذا الاستدلال بأن الحياة قد تكون بمعنى النمو، وذلك موجود في العظام حقيقة. وأما حياة الحس فلا تتحقق في العظام ٢.
١ "بالأولى" كلمة ساقطة في (ح)..
٢ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٥٥..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٨:– قوله تعالى :﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾ الآية :
فيه دليل على استعمال القياس والاعتبار والتعلق بالأولى ١ لأن الإعادة أهون من ابتداء الخلق. فمن صح منه الابتداء فالإعادة عليه أولى بالصحة. واستدل قوم من أصحاب الشافعي بالآية على أن في العظام حياة. وضعف غيره هذا الاستدلال بأن الحياة قد تكون بمعنى النمو، وذلك موجود في العظام حقيقة. وأما حياة الحس فلا تتحقق في العظام ٢.
١ "بالأولى" كلمة ساقطة في (ح)..
٢ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٥٥..

سورة يس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (يس) من السُّوَر المكِّية، جاءت بمقصدٍ عظيم؛ وهو إثباتُ صحَّة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَمِنَ اْلْمُرْسَلِينَ} [يس: 3]، وكذا إثباتُ صحة ما جاء به من عندِ الله عزَّ وجلَّ؛ فهو خلاصةُ الرُّسل والرسالات وخاتَمُهم، كما جاءت السورةُ - على غِرار السُّوَر المكية - بإثباتِ وَحْدانية الله عزَّ وجلَّ، وإثباتِ البعث والجزاء، وتقسيمِ الناس إلى: أبرارٍ أتقياء، ومجرِمين أشقياء، وقد جاء في فضلِ سورة (يس) أحاديثُ كثيرة لم يثبُتْ منها شيء، إلا حديث: «مَن قرَأَ {يسٓ} في ليلةٍ ابتغاءَ وجهِ اللهِ، غُفِرَ له» أخرجه ابن حبان (٢٥٧٤).

ترتيبها المصحفي
36
نوعها
مكية
ألفاظها
731
ترتيب نزولها
41
العد المدني الأول
82
العد المدني الأخير
82
العد البصري
82
العد الكوفي
83
العد الشامي
82

* قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمْۚ} [يس: 12]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كانت الأنصارُ بعيدةً مَنازِلُهم مِن المسجدِ، فأرادوا أن يَقترِبوا؛ فنزَلتْ: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمْۚ} [يس: 12]، قال: فثبَتُوا». أخرجه ابن ماجه (٦٤٤).

* قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ اْلْإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَٰهُ مِن نُّطْفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ ٧٧ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلْقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحْيِ اْلْعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا اْلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ٧٩ اْلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ اْلشَّجَرِ اْلْأَخْضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَوَلَيْسَ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ اْلْخَلَّٰقُ اْلْعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَآ أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٨٢ فَسُبْحَٰنَ اْلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٖ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 77-83]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «إنَّ العاصَ بنَ وائلٍ أخَذَ عَظْمًا مِن البَطْحاءِ، فَفَتَّهُ بيدِه، ثم قال لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُحيِي اللهُ هذا بعدما أرَمَ؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعم، يُمِيتُك اللهُ، ثم يُحيِيك، ثم يُدخِلُك جهنَّمَ»»، قال: «ونزَلتِ الآياتُ مِن آخرِ (يس)». "الصحيح المسند من أسباب النزول" (1 /174).

* سورةُ (يس):

سُمِّيت سورة (يس) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ، ولم يثبُتْ لها اسمٌ آخر.

* جاء في فضلِ سورة (يس) أحاديثُ كثيرة لم يثبُتْ منها شيء، إلا ما ورد مِن أنَّ مَن قرأها في ليلةٍ مبتغيًا وجهَ الله غُفِر له:

عن جُندُبِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن قرَأَ {يسٓ} في ليلةٍ ابتغاءَ وجهِ اللهِ، غُفِرَ له». أخرجه ابن حبان (٢٥٧٤).

1. القَسَمُ بالقرآن الكريم، وحالُ النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه (١-١٢).

2. قصة أصحاب القَرْية (١٣-١٩).

3. الرَّجل المؤمن يدعو قومه لاتباع المرسلين (٢٠-٣٢).

4. بعض آيات من قدرة الله (٣٣-٤٤).

5. إعراض الكفار عن الحق (٤٥-٤٧).

6. إنكار المشركين البعثَ والساعة (٤٨-٥٤).

7. جزاء (٥٥-٦٨).

8. الأبرار المتقون (٥٥-٥٨).

9. المجرمون الأشقياء (٥٩-٦٨).

10. إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، ووَحْدانيته (٦٩-٧٦).

11. إقامة الدليل على البعث والنشور (٧٧-٨٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /299).

مقصدُ سورةِ (يس) هو إثباتُ صحة رسالةِ النبي صلى الله عليه وسلم، والأمرُ بتصديقِ النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، الذي هو خالصةُ المرسَلين وخاتمُهم، وجلُّ فائدةِ هذه الرسالة إثباتُ الوَحْدانية لله، والإنذارُ بيوم القيامة، وإصلاحُ القلب الذي به صلاحُ الدنيا والدِّين.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /390).