تفسير سورة يس

التفسير القيم

تفسير سورة سورة يس من كتاب التفسير القيم
لمؤلفه ابن القيم . المتوفي سنة 751 هـ

قال الفراء : حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله.
وقال أبو عبيدة : منعناهم عن الإيمان بموانع.
ولما كان الغل مانعا للمغلول من التصرف والتقلب كان الغل الذي على القلب مانعا من الإيمان.
فإن قيل : فالغل المانع من الإيمان هو الذي في القلب، فكيف ذكر الغل الذي في العنق ؟.
قيل : لما كان عادة الغل أن يوضع في العنق ناسب ذكر محله والمراد به القلب. كقوله تعالى :﴿ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ﴾ [ الإسراء : ١٣ ] ومن هذا قولهم : أثمى في عنقك. وهذا في عنقك. ومن هذا قوله :﴿ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ﴾ [ الإسراء : ٢٩ ] شبه الإمساك عن الإنفاق باليد إذا غلت إلى العنق.
ومن هذا قال الفراء :﴿ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ﴾ : حبسناهم عن الإنفاق.
قال أبو إسحاق : إنما يقال للشيء اللازم : هذا في عنق فلان، أي لزومه كلزوم القلادة من بين ما يلبس في العنق. قال أبو علي : هذا مثل قولهم : طوقتك كذا، وقلدتك كذا. ومنه : قلده السلطان كذا، أي صارت الولاية في لزومها له في موضع القلادة، ومكان الطوق.
قلت : ومن هذا قولهم : قلدت فلانا حكم كذا وكذا. كأنك جعلته طوقا في عنقه. وقد سمى الله التكاليف الشاقة أغلالا في قوله :﴿ ويضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم ﴾ [ الأعراف : ١٥٧ ] فشبهها بالأغلال لشدتها وصعوبتها. قال الحسن : هي الشدائد التي كانت في العبادة. كقطع أثر البول والنجاسة، وقتل النفس في التوبة. وقطع الأعضاء الخاطئة. وتتبع العروق من اللحم.
وقال ابن قتيبة : هي تحريم الله سبحانه عليهم كثيرا مما أطلقه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وجعلها أغلالا لأن التحريم يمنع، كما يقبض الغل اليد.
وقوله ﴿ فهي إلى الأذقان ﴾ :
قالت طائفة : الضمير يعود إلى الأيدي، وإن لم تذكر ؛ لدلالة السياق عليها.
قالوا : لأن الغل يكون في العنق فتجمع إليه اليد. ولذلك سمي «جامعة ».
وعلى هذا فالمعنى : فأيديهم، أو فأيمانهم مضمومة إلى أذقانهم. هذا قول الفراء والزجاج.
وقالت طائفة : الضمير يرجع إلى الأغلال. وهذا هو الظاهر. وقوله :﴿ فهي إلى الأذقان ﴾ أي واصلة وملزومة إليها، فهو غل عريض قد أحاط بالعنق حتى وصل إلى الذقن.
وقوله ﴿ فهم مقمحون ﴾ :
قال الفراء والزجاج : المقمح : هو الغاض بصره بعد رفع رأسه. ومعنى الأقماح في اللغة رفع الرأس وغض البصر. يقال : أقمح البعير رأسه، وقمح.
وقال الأصمعي : بعير قامح إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب. قال الأزهري : لما غلت أيديهم إلى أعناقهم رفعت الأغلال أذقانهم ورؤوسهم صعدا كالإبل الرافعة رءوسها انتهى.
فإن قيل : فما وجه التشبيه بين هذا وبين حبس القلب عن الهدى والإيمان ؟
قيل : أحسن وجه وأبينه. فإن الغل إذا كان في العنق واليد. مجموعة إليها منع اليد عن التصرف والبطش. فإذا كان عريضا قد ملأ العنق ووصل إلى الذقن منع الرأس من تصويبه. وجعل صاحبه شاخص الرأس منتصبه، لا يستطيع له حركة.
ثم أكد هذا المعنى والحبس بقوله :﴿ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : منعهم عن الهدى لما سبق في علمه والسد الذي جعل من بين أيديهم ومن خلفهم هو الذي سد عليهم طريق الهدى. فأخبر سبحانه عن الموانع التي منعهم بها من الإيمان، عقوبة لهم ومثلها بأحسن تمثيل وأبلغه وذلك حال قوم قد وضعت الأغلال العريضة الواصلة إلى الأذقان في أعناقهم، وضمت أيديهم إليها وجعلوا بين السدين، لا يستطيعون النفوذ من بينها، وأغشيت أبصارهم فهم لا يرون شيئا.
وإذا تأملت حال الكافر الذي عرف الحق وتبين له ثم جحده وكفر به وعاداه أعظم معاداة وجدت هذا المثل مطابقا له أتم مطابقة، وأنه قد حيل بينه وبين الإيمان كما حيل بين هذا وبين التصرف. والله المستعان.
سورة يس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (يس) من السُّوَر المكِّية، جاءت بمقصدٍ عظيم؛ وهو إثباتُ صحَّة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَمِنَ اْلْمُرْسَلِينَ} [يس: 3]، وكذا إثباتُ صحة ما جاء به من عندِ الله عزَّ وجلَّ؛ فهو خلاصةُ الرُّسل والرسالات وخاتَمُهم، كما جاءت السورةُ - على غِرار السُّوَر المكية - بإثباتِ وَحْدانية الله عزَّ وجلَّ، وإثباتِ البعث والجزاء، وتقسيمِ الناس إلى: أبرارٍ أتقياء، ومجرِمين أشقياء، وقد جاء في فضلِ سورة (يس) أحاديثُ كثيرة لم يثبُتْ منها شيء، إلا حديث: «مَن قرَأَ {يسٓ} في ليلةٍ ابتغاءَ وجهِ اللهِ، غُفِرَ له» أخرجه ابن حبان (٢٥٧٤).

ترتيبها المصحفي
36
نوعها
مكية
ألفاظها
731
ترتيب نزولها
41
العد المدني الأول
82
العد المدني الأخير
82
العد البصري
82
العد الكوفي
83
العد الشامي
82

* قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمْۚ} [يس: 12]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كانت الأنصارُ بعيدةً مَنازِلُهم مِن المسجدِ، فأرادوا أن يَقترِبوا؛ فنزَلتْ: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمْۚ} [يس: 12]، قال: فثبَتُوا». أخرجه ابن ماجه (٦٤٤).

* قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ اْلْإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَٰهُ مِن نُّطْفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ ٧٧ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلْقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحْيِ اْلْعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا اْلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ٧٩ اْلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ اْلشَّجَرِ اْلْأَخْضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَوَلَيْسَ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ اْلْخَلَّٰقُ اْلْعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَآ أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٨٢ فَسُبْحَٰنَ اْلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٖ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 77-83]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «إنَّ العاصَ بنَ وائلٍ أخَذَ عَظْمًا مِن البَطْحاءِ، فَفَتَّهُ بيدِه، ثم قال لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُحيِي اللهُ هذا بعدما أرَمَ؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعم، يُمِيتُك اللهُ، ثم يُحيِيك، ثم يُدخِلُك جهنَّمَ»»، قال: «ونزَلتِ الآياتُ مِن آخرِ (يس)». "الصحيح المسند من أسباب النزول" (1 /174).

* سورةُ (يس):

سُمِّيت سورة (يس) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ، ولم يثبُتْ لها اسمٌ آخر.

* جاء في فضلِ سورة (يس) أحاديثُ كثيرة لم يثبُتْ منها شيء، إلا ما ورد مِن أنَّ مَن قرأها في ليلةٍ مبتغيًا وجهَ الله غُفِر له:

عن جُندُبِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن قرَأَ {يسٓ} في ليلةٍ ابتغاءَ وجهِ اللهِ، غُفِرَ له». أخرجه ابن حبان (٢٥٧٤).

1. القَسَمُ بالقرآن الكريم، وحالُ النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه (١-١٢).

2. قصة أصحاب القَرْية (١٣-١٩).

3. الرَّجل المؤمن يدعو قومه لاتباع المرسلين (٢٠-٣٢).

4. بعض آيات من قدرة الله (٣٣-٤٤).

5. إعراض الكفار عن الحق (٤٥-٤٧).

6. إنكار المشركين البعثَ والساعة (٤٨-٥٤).

7. جزاء (٥٥-٦٨).

8. الأبرار المتقون (٥٥-٥٨).

9. المجرمون الأشقياء (٥٩-٦٨).

10. إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، ووَحْدانيته (٦٩-٧٦).

11. إقامة الدليل على البعث والنشور (٧٧-٨٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /299).

مقصدُ سورةِ (يس) هو إثباتُ صحة رسالةِ النبي صلى الله عليه وسلم، والأمرُ بتصديقِ النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، الذي هو خالصةُ المرسَلين وخاتمُهم، وجلُّ فائدةِ هذه الرسالة إثباتُ الوَحْدانية لله، والإنذارُ بيوم القيامة، وإصلاحُ القلب الذي به صلاحُ الدنيا والدِّين.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /390).