تفسير سورة يس

غريب القرآن لابن قتيبة

تفسير سورة سورة يس من كتاب غريب القرآن المعروف بـغريب القرآن لابن قتيبة.
لمؤلفه ابن قتيبة الدِّينَوري . المتوفي سنة 276 هـ

سورة يس
مكية كلها
٧- لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ أي وجب.
٨- فَهُمْ مُقْمَحُونَ «المقمح» : الذي يرفع رأسه، ويغض بصره. يقال: بعير قامح، وإبل قماح، إذا رويت من الماء وقمحت. قال الشاعر- وذكر سفينة وركبانها-:
ونحن على جوانبها قعود نغض الطرف كالإبل القماح
يريد إنا حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال.
٩- وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا والسد والسّد:
الجبل. وجمعها: أسداد. فَأَغْشَيْناهُمْ أي أغشينا عيونهم، وأعميناهم عن الهدى. وقال الأسود بن يعفر- وكان قد كف بصره-:
ومن الحوادث- لا أبالك- أنني ضربت على الأرض بالأسداد
ما أهتدي فيها لمدفع تلعة بين العذيب، وبين أرض مراد
١٢- وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا من أعمالهم، وَآثارَهُمْ: ما استن به بعدهم من سننهم.
وهو مثل قوله: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
[سورة القيامة
آية: ١٣] أي بما قدم من عمله وأخر من أثر باق بعده.
١٤- فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ أي قوينا وشددنا. يقال: عزز منه، أي قوّ من قلبه. وتعزز لحم الناقة: إذ صلب.
١٨
و١٩- قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ قال قتادة: يقولون: إن أصابنا شر فهو بكم قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ. ثم قال: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ تطيرتم بنا؟:
وقال غيره: طائركم معكم أين ذكرتم.
و «الطائر» هاهنا: العمل والرزق. يقول: هو في أعناقكم، ليس من شؤمنا. ومثله: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [سورة الإسراء آية:
١٣]. وقد ذكرناه فيما تقدم.
٢٥- إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ أي فاشهدوا.
٣٤
و٣٥- وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ، لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أي وليأكلوا مما عملته أيديهم.
ويجوز أن يكون: إنا جعلنا لهم جنات من نخيل وأعناب ولم تعمله أيديهم.
ويقرأ: وما عملت أيديهم بلا هاء.
٣٦- سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها أي الأجناس كلها.
٣٧- فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ أي داخلون في الظلام.
٣٨- وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها أي موضع تنتهي إليه، فلا تجاوزه، ثم ترجع.
٣٩- وكَالْعُرْجُونِ: عود الكباسة. وهو: الإهان أيضا. و
الْقَدِيمِ: الذي قد أتي عليه حول، فاستقوس ودق. وشبه القمر- آخر لية يطلع- به.
٤٠- لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ فيجتمعا. وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ أي لا يفوت الليل النهار، فيذهب قبل مجيئه. وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يعني: الشمس والقمر والنجوم يسبحون، أي يجرون.
٤٢
و٤٤- فَلا صَرِيخَ لَهُمْ أي لا مغيث لهم، ولا مجير، وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ أي إلا أن نرحمهم، ونمتعهم إلى أجل.
٢٩- يَخِصِّمُونَ أي يختصمون. فأدغم التاء في الصاد.
٥١- والْأَجْداثِ: القبور. واحدها: جدث.
يَنْسِلُونَ قد ذكرناه في سورة الأنبياء.
٥٣- مُحْضَرُونَ: مشهدون.
٥٥- فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ أي يتفكهون. قال: أبو عبيد: تقول العرب للرجل- إذا كان يتفكه بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراض الناس-: إن فلانا لفكه بكذا قال الشاعر:
فكه إلى جنب الخوان إذا غدت نكباء تقطع ثابت الأطناب
ومنه يقال للمزاح: فاكهة. ومن قرأ: فاكِهُونَ أراد ذوي فاكهة، كما يقال: فلان لابن تامر.
وقال الفراء: «هما جميعا سواء: فكة وفاكه، كما يقال حذر وحاذر».
وروي في التفسير: فاكِهُونَ: ناعمون. وتَفَكَّهُونَ:
معجبون.
٥٦- فِي ظِلالٍ: جمع ظل و (في ظلل) : جمع ظلة.
الْأَرائِكِ: السرر في الحجال. واحدها: أريكة.
٥٧- وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ أي ما يتمنون. ومنه يقول الناس: هو في خير ما ادعي، أي ما تمنى. والعرب تقول: أدع [علي] ما شئت، أي تمن [عليّ] ما شئت.
٥٨- سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ أي سلام يقال لهم [فيها]، كأنهم يتلقون من رب رحيم.
٥٩- وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أي انقطعوا عن المؤمنين، وتميزوا منهم. يقال: مزت الشيء من الشيء- إذا عزلته عنه- فأنماز وامتاز وميزته فتميز.
٦٠- أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ. ألم آمركم، ألم أوصيكم؟!
٦٢- وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أي خلقا. وجبلا بالضم والتخفيف، مثله. والجبل أيضا: الخلق. قال الشاعر:
[جهارا] ويستمتعن بالأنس الجبل
٦٦- وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ والمطموس هو [الأعمى] الذي لا يكون بين جفنيه شق. فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ. ليجوزوا. فَأَنَّى يُبْصِرُونَ أي فكيف يبصرون؟!.
٦٧- عَلى مَكانَتِهِمْ هو مثل مكانهم. يقال: مكان ومكانة، ومنزل ومنزلة.
٦٨- وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أي نرده إلى أرذل العمر.
٧٠- لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا أي مؤمنا. ويقال، عاقلا.
٧١- خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا يجوز أن يكون مما عملناه بقدرتنا وقوتنا. وفي اليد القوة والقدرة على العمل، فتستعار اليد، فتوضع موضعها.
على ما بيناه في كتاب «المشكل». هذا مجاز للعرب يحتمله هذا الحرف والله اعلم بما أراد.
٧٢- فَمِنْها رَكُوبُهُمْ أي ما يركبون. والحلوب: ما يحلبون والجلوبة: ما يجلبون. ويقرأ: «ركوبتهم» أيضا. [هي] قراءة عائشة رضي الله عنها.
٧٨- وَهِيَ رَمِيمٌ أي بالية. يقال: رم العظم- إذا بلى- فهو رميم ورمام. كما يقال: رفات وفتات.
٨٠- الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً أراد الزنود التي توري بها الأعراب، من شجر المرخ والعفار.
سورة يس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (يس) من السُّوَر المكِّية، جاءت بمقصدٍ عظيم؛ وهو إثباتُ صحَّة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَمِنَ اْلْمُرْسَلِينَ} [يس: 3]، وكذا إثباتُ صحة ما جاء به من عندِ الله عزَّ وجلَّ؛ فهو خلاصةُ الرُّسل والرسالات وخاتَمُهم، كما جاءت السورةُ - على غِرار السُّوَر المكية - بإثباتِ وَحْدانية الله عزَّ وجلَّ، وإثباتِ البعث والجزاء، وتقسيمِ الناس إلى: أبرارٍ أتقياء، ومجرِمين أشقياء، وقد جاء في فضلِ سورة (يس) أحاديثُ كثيرة لم يثبُتْ منها شيء، إلا حديث: «مَن قرَأَ {يسٓ} في ليلةٍ ابتغاءَ وجهِ اللهِ، غُفِرَ له» أخرجه ابن حبان (٢٥٧٤).

ترتيبها المصحفي
36
نوعها
مكية
ألفاظها
731
ترتيب نزولها
41
العد المدني الأول
82
العد المدني الأخير
82
العد البصري
82
العد الكوفي
83
العد الشامي
82

* قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمْۚ} [يس: 12]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كانت الأنصارُ بعيدةً مَنازِلُهم مِن المسجدِ، فأرادوا أن يَقترِبوا؛ فنزَلتْ: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمْۚ} [يس: 12]، قال: فثبَتُوا». أخرجه ابن ماجه (٦٤٤).

* قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ اْلْإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَٰهُ مِن نُّطْفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ ٧٧ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلْقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحْيِ اْلْعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا اْلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ٧٩ اْلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ اْلشَّجَرِ اْلْأَخْضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَوَلَيْسَ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ اْلْخَلَّٰقُ اْلْعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَآ أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٨٢ فَسُبْحَٰنَ اْلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٖ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 77-83]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «إنَّ العاصَ بنَ وائلٍ أخَذَ عَظْمًا مِن البَطْحاءِ، فَفَتَّهُ بيدِه، ثم قال لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُحيِي اللهُ هذا بعدما أرَمَ؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعم، يُمِيتُك اللهُ، ثم يُحيِيك، ثم يُدخِلُك جهنَّمَ»»، قال: «ونزَلتِ الآياتُ مِن آخرِ (يس)». "الصحيح المسند من أسباب النزول" (1 /174).

* سورةُ (يس):

سُمِّيت سورة (يس) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ، ولم يثبُتْ لها اسمٌ آخر.

* جاء في فضلِ سورة (يس) أحاديثُ كثيرة لم يثبُتْ منها شيء، إلا ما ورد مِن أنَّ مَن قرأها في ليلةٍ مبتغيًا وجهَ الله غُفِر له:

عن جُندُبِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن قرَأَ {يسٓ} في ليلةٍ ابتغاءَ وجهِ اللهِ، غُفِرَ له». أخرجه ابن حبان (٢٥٧٤).

1. القَسَمُ بالقرآن الكريم، وحالُ النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه (١-١٢).

2. قصة أصحاب القَرْية (١٣-١٩).

3. الرَّجل المؤمن يدعو قومه لاتباع المرسلين (٢٠-٣٢).

4. بعض آيات من قدرة الله (٣٣-٤٤).

5. إعراض الكفار عن الحق (٤٥-٤٧).

6. إنكار المشركين البعثَ والساعة (٤٨-٥٤).

7. جزاء (٥٥-٦٨).

8. الأبرار المتقون (٥٥-٥٨).

9. المجرمون الأشقياء (٥٩-٦٨).

10. إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، ووَحْدانيته (٦٩-٧٦).

11. إقامة الدليل على البعث والنشور (٧٧-٨٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /299).

مقصدُ سورةِ (يس) هو إثباتُ صحة رسالةِ النبي صلى الله عليه وسلم، والأمرُ بتصديقِ النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، الذي هو خالصةُ المرسَلين وخاتمُهم، وجلُّ فائدةِ هذه الرسالة إثباتُ الوَحْدانية لله، والإنذارُ بيوم القيامة، وإصلاحُ القلب الذي به صلاحُ الدنيا والدِّين.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /390).