تفسير سورة يس

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة يس من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لمَّا أخبر عن إصرارهم بالكفر وإمهالهم إلى آجَالهم وقد ضاق صدره صلى الله عليه وسلم بذلك، سلاه بأنك على الحق وماجور بإنذارهم، ولكني حكمت في الأزل بشقاوتهم فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ *يسۤ ﴾: كما مر أو أله: يا أنيسين، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، اكتفى بشطره نحو: من الله في أيمن الله ﴿ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ ﴾: ذي الحكم ﴿ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾: التوحيد وهو خبر ثان هو ﴿ تَنزِيلَ ﴾: ونصبا بتقدير: أعني منزل ﴿ ٱلْعَزِيزِ ﴾: في ملكه ﴿ ٱلرَّحِيمِ ﴾: بخلقه ﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ ﴾: في الفترة أو الذي ما أنذر به آباؤهم ﴿ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ ﴾: بالعذاب وهو:﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ ﴾[السجدة: ١٣] ﴿ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً ﴾: بضم أيديهم إليها ﴿ فَهِىَ ﴾: أي: الأيدي مجموعة أو الأوغال، واصله ﴿ إِلَى ٱلأَذْقَانِ ﴾: مجتمع اللحيين ﴿ فَهُم مُّقْمَحُونَ ﴾: رافعون رؤسهم غَاضُّون أبصارهم، تمثيل لعدم التفاتهم إلى الحق، وخفض رءوسهم له، أو هو أبو جهل رفع حجرا ليرضخ رأسه صلى الله عليه وسلم، فلصقت يده إلى عنقه ولزم الحجر بيده ﴿ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾: تمثيل لحبسهم في مطمورة الجهالة، أو هو مخزومي آخر رفع ذلك الحجر بعده ليرضخ رأسه صلى الله عليه وسلم فعمي ﴿ وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ ﴾: كما مر ﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ ﴾: إنذارا يؤثر ﴿ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ ﴾: عقابة ﴿ بِٱلْغَيْبِ ﴾: قبل معاينته ﴿ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾: الجنة ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ ﴾: بالحشر أو الجهالة بالهداية ﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ ﴾: في حياتهم ﴿ وَآثَارَهُمْ ﴾: حسنتهم وسيئتهم المتعبة بعدهم أو خطأهم صوب الأعمال ﴿ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ ﴾: أي: كتاب ﴿ مُّبِينٍ ﴾: اللوح ﴿ وَٱضْرِبْ ﴾: أي: مثل ﴿ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ﴾: أي: مثل أصحاب ﴿ ٱلقَرْيَةِ ﴾: أي: أنطاكية ﴿ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾: من عيسى أو من الله تعالى ﴿ إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ﴾: الإسناد إليه على الأول لأنه فعل خليقته ﴿ ٱثْنَيْنِ ﴾: يحيى ويونس، وعلى الثاني: صادق وصدوق ﴿ فَكَذَّبُوهُمَا ﴾: بعد أن أبرءا الأكمه والأبرص، وأبرءا حبيب النجار من الجذام بسؤاله فآمن بهما بل كان مؤمنا خفية، ولما اشتهر أمرهما حبسهما الملك ﴿ فَعَزَّزْنَا ﴾: فقويناهما ﴿ بِثَالِثٍ ﴾: شمعون على الأول، وسلوم على الثانين ودخل بلدهم متنكرا وصار من خواص الملك بالتدريج بين للملك صدقها حتى آمن مع كثير من قومه ﴿ فَقَالُوۤاْ ﴾: الثلاثة للباقين الكافرين ﴿ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ * قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾: وإنما الرسول ملك، وهذا يؤيد التفسير الثاني، وعليه كثير من السلف ﴿ وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ ﴾: من الوحي ﴿ إِنْ ﴾: أي: ما ﴿ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ * قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ ﴾: أكدوا بما يجري مجرى القسم وهو علم الله تعالى مع أن واللام في: ﴿ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ ﴾:
﴿ وَآيَةٌ ﴾: عظيمة ﴿ لَّهُمُ ﴾: على البعث ﴿ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا ﴾: بالماء ﴿ وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً ﴾: جنسه ﴿ فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ﴾: أفهم بتقديم الصلة أن الحب معظم ما يعاش به ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ ﴾: آثرها على المثمر لمزيد نفع شجرها ﴿ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ * لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ ﴾: ثمر، المذكور، وبالتضمين لغة فيها أو جمع ﴿ وَ ﴾: من ﴿ مَا َمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ﴾: لا الثمر كالدبس أو ﴿ مَا ﴾: نافية ﴿ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ ﴾: الأصناف ﴿ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾: ذكورا وإناثا ﴿ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ ﴾: من الخلق ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ ﴾: نزيل ﴿ مِنْهُ ﴾: من مكانه ﴿ ٱلنَّهَارَ ﴾: استعارة من سلخ الشاة ﴿ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ﴾: داخلون في الظلمة ﴿ وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ ﴾: أي: مستقر ﴿ لَّهَـا ﴾: وهو تحت العرش على كيفية يعلمها الله تعالى، أو إلى حد معين ينتهي إليه دورها من فلكها آخر السنة، أو إلى منقطع جريها في القيامة ﴿ ذَلِكَ ﴾: الجري على هذا الاسلوب ﴿ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ﴾: الغالب بقدرته ﴿ ٱلْعَلِيمِ ﴾: بخلقه ﴿ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ ﴾: أي: مسيره في ﴿ مَنَازِلَ ﴾: الثمانية والعشرين كل ليلة في واحد منها فإذا كان في آخرها وهو منزله قبل الإجتماع دقَّ وتقوَّس واصفر ﴿ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ﴾: عود الشماريخ ﴿ ٱلْقَدِيمِ ﴾: العتيق ﴿ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي ﴾: أي: يصُّح ﴿ لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ ﴾: في سرعة سيره فإنه يخل بتكون النباتات وغيرها، وأفهم لإيْلاءِ " لَا " لها دون الفعل أن حركتها بالتسخير لا بإرادتها ﴿ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ ﴾: فيفوته لكن يعاقبه لمصالحكم ﴿ وَكُلٌّ ﴾: أي: منهما ومن النجوم ﴿ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾: يسرعون كالسابح، وجمع باعتبار كثرة اختلاف أحوالهما، وجمع جمع العقلاء لأنهم يسبحون ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾: المبعوثين إلى تجاراتهم ﴿ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ﴾: المملوء إنما خصهم لأن استقرارهم فيها أخص وأعجب ﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ ﴾: كالإبل والزوارق ﴿ مَا يَرْكَبُونَ ﴾: أو هو فلك نوح، والذرية حملوا في أصلاب آبائهم، وتخصيص الذرية لأنه ابلغ في الامتنان مع الإيجاز، مثله مثل السفن ﴿ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ ﴾: أي: مغيث أو استغاثة ﴿ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ ﴾: ينجون ﴿ إِلاَّ رَحْمَةً ﴾: إلا لرحمة ﴿ مِّنَّا وَمَتَاعاً ﴾: بالحياة ﴿ إِلَىٰ حِينٍ ﴾: أجلهم ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ ﴾: أي: عذاب الدنيا والآخرة، أو عكسه أو متقدم الذنوب ومتأخرها ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾: راجين رحمة الله تعالى، وجوابه: أعرضوا، الدال عليه ﴿ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ﴾: القائل فقراء المؤمنين لأغنياء قريش ﴿ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾: تهكما بتعليقهم الأمور بمشيئة الله تعالى ﴿ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ ﴾: ما ﴿ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾: بأمركم لمخالفة مشيئة الله سبحانه ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ ﴾: البعث ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾: قال تعالى: ﴿ مَا يَنظُرُونَ ﴾: ينتظرون ﴿ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾: النفخة الأولى ﴿ تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ﴾: يختصمون في معاملاتهم غافلين عن القيامة ﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾: لموتهم في الحال ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾: نفخة البعث، وما بينهما أربعون سنة ﴿ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ ﴾: القبور ﴿ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾: يسرعون ﴿ قَالُواْ ﴾: كفارهم حينئذ: ﴿ يٰوَيْلَنَا ﴾: هلاكنا احضر فهذا أوانك ﴿ مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾: يظنونه نوماً لأن العذاب يرفع بين النفختين ﴿ هَذَا مَا وَعَدَ ﴾: نا ﴿ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ * إِن ﴾: أي: ما ﴿ كَانَتْ ﴾: الفعلة ﴿ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾: فلا يعسر علينا ﴿ فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ﴾: من الظلم ﴿ وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ﴾: جزاء ﴿ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ ﴾: بعد دخولها ﴿ فِي شُغُلٍ ﴾: عظيم من البَهجة واللذة ﴿ فَاكِهُونَ ﴾: مُتلذذون، أو الفكاهة، حديث ذوي الأنْس والفكهُ: الذي يتفكه بما يأكل ﴿ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ ﴾: لا تصيبهم شمس، جمع ظل أو ظلة ﴿ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ ﴾: جمع أريكة، سرير مزين ﴿ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ﴾: أنواعها ﴿ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ ﴾: يتمنون ﴿ سَلاَمٌ ﴾: يقال لهم قولا كائنا ﴿ مِّن ﴾: جهة ﴿ رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾: إذ يقول الله تعالى: سلام عليكم يا أهل الجنة، وهو بشارة لهم بالسلامة أبدا
﴿ وَ ﴾: يقال للمجرمين ﴿ ٱمْتَازُواْ ﴾: انفردوا ﴿ ٱلْيَوْمَ ﴾: عن المؤمنين ﴿ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ﴾: أوصيكم على لسان رسلي ﴿ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ﴾: تعيطوا ﴿ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ ٱعْبُدُونِي ﴾: أطيعوني ﴿ هَـٰذَا ﴾: أي: عبادتي ﴿ صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾: نكره تعظيما ﴿ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ ﴾: خلقا ﴿ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ ﴾: عدواته ﴿ هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * ٱصْلَوْهَا ﴾: ادخلوها ﴿ ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾: روي أنه يخرج في القيامة من جهنم عنق ساطع مظلم فيقول: ألم أعهد - إلى: تكفرون ﴿ ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ ﴾: بعدما جحدوا ما في صحائفهم ﴿ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم ﴾: وغيرها ﴿ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾: من المعاصي ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ ﴾: عفينا شقها فتعود ممسوحة ﴿ فَٱسْتَبَقُواْ ﴾: ابتدروا ﴿ ٱلصِّرَاطَ ﴾: تقديره: لو راموا الاستباق إلى طريقهم المعتاد ﴿ فَأَنَّىٰ ﴾: كيف ﴿ يُبْصِرُونَ ﴾: أي: لا يبصرونه فكيف بغيره ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ ﴾: أي: صورة ﴿ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ ﴾: بحيث يجمدون فيها ﴿ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ ﴾: ولا رجوعا، حاصلة أنهم أحِقّاءُ بهذين، ولكن نمهلهم لحكمةٍ ﴿ وَمَن نُّعَمِّرْهُ ﴾: نطل عمره أو نبلغه إلى ثمانين ﴿ نُنَكِّـسْهُ ﴾: نقبله ﴿ فِي ٱلْخَلْقِ ﴾: بضعف قواه ﴿ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ ﴾: أن القادر عليه قادرٌ على البعث والطمس ونحوه ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾: أي: ما يصح الشعر له، وما ولد عبد المطلب ولدا إلا يشعر إلا إيّاهُ عليه الصلاة والسلام، وأما ما صدر عنه من نحو رجز فاتفاقي بلا قصد، على أن الخليل ما عد المشطور من الرجز شعراء، أو ما يصح ومن القرآن شعرا ﴿ إِنْ هُوَ ﴾: أي: ما القرآن الذي جاء به ﴿ إِلاَّ ذِكْرٌ ﴾: عظةٌ ﴿ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ﴾: مظهرٌ للأحكام وغيرها ﴿ لِّيُنذِرَ ﴾: النبي به أو القرآن ﴿ مَن كَانَ حَيّاً ﴾: عاقلا، إذ الغافل كالميت ﴿ وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ ﴾: العذاب ﴿ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾: المصرين على الكفر، أفهم بالمقابلة أنهم الموتى حقيقة ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ ﴾: استعارة من عدم المعين فيوافق حديث:" ما خَلَق [اللهُ] شيئاً بيده إلا ثلاثة ".. إلى آخره ﴿ أَنْعاماً ﴾: خصها لكثرة منافعها ﴿ فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ﴾: بالتصرف فيها ﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾: سخرناها لهم ﴿ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ ﴾: مركوبهم ﴿ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ﴾: كأصوافها وغيرها ﴿ وَمَشَارِبُ ﴾: من اللبن مكان، أو مصدر ﴿ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ﴾: بعبادتنا ﴿ وَٱتَّخَذُواْ ﴾: مع مشاهدة هذه القدرة ﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ﴾: بهم ﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ ﴾: لآلهتهم ﴿ جُندٌ مُّحْضَرُونَ ﴾: يحرسونهم فالأمر بالعكس، وإذا كانوا مع الله تعالى كذلك ﴿ فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ﴾: بالطعن في دينك ﴿ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾: فنجازيهم ﴿ أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ ﴾: مني ﴿ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ﴾: بين الخصومة لا يتأمل في بدئه ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً ﴾: أمرا عجيبا وهو قدرتنا على البعث ﴿ وَنَسِيَ خَلْقَهُ ﴾: ابتداء، هو أبي بن خلف، أخذ عظما رميما و ﴿ قَالَ ﴾: إنكارًا: ﴿ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾: هو اسم البالي من العظام، ولذا لم يؤنث، وأفادت الآية حياة العظم ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾: فيعلم أجزاءه المفتتة ويجمعها ويحييها ﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ ﴾: كالمرخ والعفار الخضرواين، والأولى العليا، والثانية السفلى ﴿ نَاراً ﴾: مع تضاد الماء والنار، وفي كل شجرة نار إلا العناب ﴿ فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ ﴾: لا تشكون في أنها نار فكيف لا يقدر على عَضَاضة غُصْن يابسٍ بلى ﴿ أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ ﴾: مع عظمهما ﴿ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ﴾: صغرا وحقارة أو في أصول الذات وصفاتها وهو الإعادة، فأجاب بنفسه: ﴿ بَلَىٰ ﴾: إذ جواب للعاقل سواه ﴿ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ﴾: لكل الخلائق ﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾: بالكل ﴿ إِنَّمَآ أَمْرُهُ ﴾: شأنه ﴿ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن ﴾: أي: تكونه ﴿ فَيَكُونُ ﴾: فهو يكون ونصبا عطفاً على ﴿ يَقُولَ ﴾: تمثيب لسرعة تأثير قدرته، كما مر ﴿ فَسُبْحَانَ ﴾: تنزيها عما ضربوا له ﴿ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾: أي: مالك التصرف فيه، والتاء مزيدة للمبالغة ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾: فيجازيكم، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن فضل يس على السور بهذه الآية. واللهُ أعْلّمُ.
سورة يس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (يس) من السُّوَر المكِّية، جاءت بمقصدٍ عظيم؛ وهو إثباتُ صحَّة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَمِنَ اْلْمُرْسَلِينَ} [يس: 3]، وكذا إثباتُ صحة ما جاء به من عندِ الله عزَّ وجلَّ؛ فهو خلاصةُ الرُّسل والرسالات وخاتَمُهم، كما جاءت السورةُ - على غِرار السُّوَر المكية - بإثباتِ وَحْدانية الله عزَّ وجلَّ، وإثباتِ البعث والجزاء، وتقسيمِ الناس إلى: أبرارٍ أتقياء، ومجرِمين أشقياء، وقد جاء في فضلِ سورة (يس) أحاديثُ كثيرة لم يثبُتْ منها شيء، إلا حديث: «مَن قرَأَ {يسٓ} في ليلةٍ ابتغاءَ وجهِ اللهِ، غُفِرَ له» أخرجه ابن حبان (٢٥٧٤).

ترتيبها المصحفي
36
نوعها
مكية
ألفاظها
731
ترتيب نزولها
41
العد المدني الأول
82
العد المدني الأخير
82
العد البصري
82
العد الكوفي
83
العد الشامي
82

* قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمْۚ} [يس: 12]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كانت الأنصارُ بعيدةً مَنازِلُهم مِن المسجدِ، فأرادوا أن يَقترِبوا؛ فنزَلتْ: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمْۚ} [يس: 12]، قال: فثبَتُوا». أخرجه ابن ماجه (٦٤٤).

* قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ اْلْإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَٰهُ مِن نُّطْفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ ٧٧ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلْقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحْيِ اْلْعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا اْلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ٧٩ اْلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ اْلشَّجَرِ اْلْأَخْضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَوَلَيْسَ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ اْلْخَلَّٰقُ اْلْعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَآ أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٨٢ فَسُبْحَٰنَ اْلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٖ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 77-83]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «إنَّ العاصَ بنَ وائلٍ أخَذَ عَظْمًا مِن البَطْحاءِ، فَفَتَّهُ بيدِه، ثم قال لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُحيِي اللهُ هذا بعدما أرَمَ؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعم، يُمِيتُك اللهُ، ثم يُحيِيك، ثم يُدخِلُك جهنَّمَ»»، قال: «ونزَلتِ الآياتُ مِن آخرِ (يس)». "الصحيح المسند من أسباب النزول" (1 /174).

* سورةُ (يس):

سُمِّيت سورة (يس) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ، ولم يثبُتْ لها اسمٌ آخر.

* جاء في فضلِ سورة (يس) أحاديثُ كثيرة لم يثبُتْ منها شيء، إلا ما ورد مِن أنَّ مَن قرأها في ليلةٍ مبتغيًا وجهَ الله غُفِر له:

عن جُندُبِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن قرَأَ {يسٓ} في ليلةٍ ابتغاءَ وجهِ اللهِ، غُفِرَ له». أخرجه ابن حبان (٢٥٧٤).

1. القَسَمُ بالقرآن الكريم، وحالُ النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه (١-١٢).

2. قصة أصحاب القَرْية (١٣-١٩).

3. الرَّجل المؤمن يدعو قومه لاتباع المرسلين (٢٠-٣٢).

4. بعض آيات من قدرة الله (٣٣-٤٤).

5. إعراض الكفار عن الحق (٤٥-٤٧).

6. إنكار المشركين البعثَ والساعة (٤٨-٥٤).

7. جزاء (٥٥-٦٨).

8. الأبرار المتقون (٥٥-٥٨).

9. المجرمون الأشقياء (٥٩-٦٨).

10. إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، ووَحْدانيته (٦٩-٧٦).

11. إقامة الدليل على البعث والنشور (٧٧-٨٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /299).

مقصدُ سورةِ (يس) هو إثباتُ صحة رسالةِ النبي صلى الله عليه وسلم، والأمرُ بتصديقِ النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، الذي هو خالصةُ المرسَلين وخاتمُهم، وجلُّ فائدةِ هذه الرسالة إثباتُ الوَحْدانية لله، والإنذارُ بيوم القيامة، وإصلاحُ القلب الذي به صلاحُ الدنيا والدِّين.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /390).