تفسير سورة القصص

المحرر في أسباب نزول القرآن

تفسير سورة سورة القصص من كتاب المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة المعروف بـالمحرر في أسباب نزول القرآن.
لمؤلفه خالد بن سليمان المزيني .

سورة القصص
١٣٠ - قال الله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري وأحمد ومسلم والنَّسَائِي عن المسيب قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجد عنده أبا جهل وعبد اللَّه بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: (أيّ عمِّ، قل لا إله إلا اللَّه كلمةً أُحاجُّ لك بها عند الله) فقال أبو جهل وعبد اللَّه بن أبي أُمية: أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعرضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (والله لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك) فأنزل الله: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ)، وأنزل اللَّه في أبي طالب: فقال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).
وأخرجه مسلم وأحمد والترمذي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بلفظ قال: قال
767
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمه: (قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة) قال لولا أن تعيرني قريش يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك فأنزل اللَّه: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي والشنقيطي وابن عاشور.
قال الطبري: (وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أجل امتناع أبي طالب عمه من إجابته إذ دعاه إلى الإيمان باللَّه إلى ما دعاه إليه من ذلك) اهـ.
وقال ابن عطية: (أجمع جل المفسرين على أن قوله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) إنما نزلت في شأن أبي طالب عم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اهـ.
وقال القرطبي: (قال الزجاج: أجمع المسلمون على أنها نزلت في أبي طالب. قلت: والصواب أن يقال: أجمع جلّ المفسرين على أنها نزلت في شأن أبي طالب عم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو نص حديث البخاري ومسلم) اهـ.
وقال ابن كثير: (وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد كان يحوطه وينصره ويقوم في صفه ويحبه حبًا شديدًا طبعيًا لا شرعيًا، فلما حضرته الوفاة وحان أجله دعاه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الإيمان والدخول في الإسلام فسبق القدر فيه واختطف من يده فاستمر على ما كان عليه من الكفر ولله الحكمة التامة) اهـ.
768
وقال الشنقيطي: (ونزول قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) في أبي طالب مشهور معروف). اهـ.
وقال ابن عاشور: (وقد تضافرت الروايات على أن من أول المراد بذلك أبا طالب عم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اغتم لموته على غير الإسلام كما في الأحاديث الصحيحة) اهـ.
وبذكر أقوال المفسرين المتقدمة تبين أن سبب نزول الآية الكريمة قصة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أبي طالب حين دعاه إلى الإيمان باللَّه قبل الوفاة لكنَّ قدر الله سابق أنه لا يكون من المهتدين.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول الآية لصحة سنده وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن، واتفاق المفسرين عليه والله أعلم.
* * * * *
769
سورة العنكبوت
771