ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: ﴿والكتاب﴾ : إنْ جَعَلْتَ «حم» قَسَماً كانت الواوُ عاطفةً وإنْ لم، كانت الواو للقسم، وقد تقدَّم تحريرُ هذا.٣٩٨٠ - وثناياك إنها إغريضُ | ....................... |
٣٩٨١ - اضْرِبَ عنكَ الهمومَ طارِقَها | ضَرْبَك بالسيفِ قَوْنَسَ الفرسِ |
٣٩٨٢ - أتَجْزَعُ أنْ بانَ الخليطُ المُوَدَّعُ | ........................ |
٣٩٨٣ - أتَجْزَعُ أنْ أُذْنا قتيبةَ حُزَّتا | ............................... |
٣٩٨٤ - لِتَقُمْ أنت يا بنَ خيرِ قُرَيْشٍ | فَتُقَضَّى حوائجُ المُسْلمينا |
قوله: «على ظُهورِه» الضميرُ يعودُ على لفظِ «ما تَرْكَبون»، فَجَمَعَ الظهورَ باعتبارِ معناها، وأفرد الضميرَ باعتبار لفظِها.
٣٩٨٥ - وأَقْرَنْتُ ما حَمَّلْتِني ولَقَلَّما | يُطاق احتمالُ الصَّدِّ يا دعدُ والهَجْرِ |
٣٩٨٦ - لقد عَلِمَ القبائلُ ما عُقَيْلٌ | لنا في النائباتِ بمُقْرِنينا |
٣٩٨٧ - وابنُ اللَّبونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ | لم يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَناعيسِ |
٣٩٨٨ - إنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ يوماً فلا عَجَبٌ | قد تُجْزِئُ الحُرَّةُ المِذْكارُ أحياناً |
٣٩٨٩ - زُوِّجْتُها مِنْ بنات الأَوْسِ مُجْزِئَةً | ................... |
قوله: ﴿وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ﴾ الجملةُ حال. و «في الخصام» يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ يَدُلُّ عليه ما بعده. تقديره: وهو لا يَبين في الخصام. ويجوز أَنْ يتعلَّق ب «مُبين» وجاز للمضافِ إليه أن يعملَ فيما قبل المضافِ؛ لأن «غيرَ» بمعنى «لا». وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في آخر الفاتحة وما أنشدْتُه عليه وما في المسألةِ من الخلاف.
وقرأ الزهريُّ «أُشْهِدُوا» رباعياً مبنياً للمفعول. وفيه وجهان، أحدُهما: أَنْ يكونَ حَذَفَ الهمزةَ لدلالةِ القراءةِ الأخرى، كما تقدَّم في قراءةِ «أعجميٌّ». والثاني: أَنْ تكونَ الجملةُ خبريةً وقعَتْ صفةً ل «إناثاً» أي: أجعلوهم إناثاً مَشْهوداً خَلْقُهم كذلك؟
قوله: «سَتُكْتَبُ شهادتُهم» قرأ العامَّةُ «سَتُكْتَبُ» بالتاءِ مِنْ فوقُ مبنياً للمفعول، «شهادتُهم» بالرفع لقيامه مَقامَ الفاعل. وقرأ الحسن «شهاداتُهم» بالجمع، والزهري: «سَيَكتب» بالياء مِنْ تحت وهو في الباقي كالعامَّة. وابن عباس وزيد بن علي وأبو جعفر وأبو حيوةَ «سنكتبُ» بالنون للعظمة، «شهادتَهم» بالنصب مفعولاً به.
٣٩٩٠ - كُنَّا على أمةِ آبائِنا | ويَقْتدي بالأولِ الآخِرُ |
٣٩٩١ - وهل يَسْتوي ذو أُمَّةٍ وكَفورُ | ....................... |
الثالث: أَنْ يكونَ مجروراً بدلاً مِنْ «ما» الموصولة في قولِه: «ممَّا تعبدُون» قاله الزمخشريُّ. ورَدَّه الشيخ: بأنه لا يجوزُ إلاَّ في نفيٍ أو شبهه قال: «وغَرَّه كونُ براء في معنى النفي، ولا ينفعه ذلك لأنه موجَبٌ». قلت: قد تأوَّل النحاةُ ذلك في مواضعَ من القرآن كقولِه تعالى: ﴿ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ﴾ [التوبة: ٣٢] ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين﴾ [البقرة: ٤٥] والاستثناء المفرغُ لا يكونُ في إيجاب، ولكن لَمَّا كان «يأبى» بمعنى: لا يفعلُ، وإنها لكبيرة بمعنى: لا تَسْهُلُ ولا تَخِفُّ ساغ ذلك، فهذا مثلُه.
وقرئ «في عَقْبِه» بسكون القافِ. وقُرِئ «في عاقِبه» أي: وارِثه. وحميد بن قيس «كلمة» بكسر الكاف وسكون اللام.
وقد مضى الكلامُ في «سُخْرِيَّا» في المؤمنين. وقرأ بالكسر هنا عمرو بن ميمون وابن محيصن وأبو رجاء وابن أبي ليلى والوليد بن مسلم وخلائق، بمعنى المشهورة، وهو الاستخدام. ويَبْعُدُ قولُ بعضِهم: إنه استهزاء الغني بالفقير.
قوله:» سُقُفا «قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح السين وسكون القاف بالإِفراد على إرادةِ الجنسِ. والباقون بضمتين على الجمعِ كرُهُن في جمع رَهْن. وفي» رُهُن «تأويلٌ لا يمكنُ هنا: وهو أَنْ يكونَ جَمْعَ» رِهان «جَمْعَ رَهْن؛ لأنه لم يُسْمَعْ سِقاف جمع سَقْف. وعن الفراء أنه جمع سقيفة فيكون كصحيفة وصُحُف. وقُرئ» سَقَفاً «بفتحتين لغةً في سَقْف، وسُقوفاً بزنة فَلْس وفُلوس. وأبو رجاء بضمة وسكون.
و» مِنْ فِضَّة «يجوز أن يتعلَّق بالجعل، وأن يتعلق بمحذوف صفة لسُقُف. وقرأ العامَّة» معارِجَ «جمع مَعْرَج وهو السُّلَّم. وطلحة» معاريج «جمع مِعْراج، وهذا كمفاتِح لمَفْتَح، ومفاتيح لمفتاح.
وقد تقدَّم الخلافُ في «لَمَّا» تخفيفاً وتشديداً في سورة هود، وقرأ أبو رجاء وأبو حيوةَ «لِما» بكسر اللام على أنها لامُ العلةِ دَخَلَتْ على «ما» الموصولة وحُذِفَ عائدُها، وإنْ لم تَطُل الصلةُ. والأصل: الذي هو متاعٌ كقولِه: ﴿تَمَاماً عَلَى الذي أَحْسَنَ﴾ [الأنعام: ١٥٤] برفع النون. و «إنْ» هي المخففةُ من الثقيلة، و «كل» مبتدأ، والجارُّ بعده خبرُه أي: وإن كل ما تقدَّم ذِكْرُه كائن للذي هو متاعُ الحياة، وكان الوجهُ أن تدخُلَ اللامُ الفارقة لعدم إعمالِها، إلاَّ أنَّها لما دَلَّ الدليلُ على الإِثباتِ جاز حَذْفُها كما حَذَفها الشاعرُ في قوله:
٣٩٩٢ - أنا ابنُ أباةِ الضَّيْم مِنْ آلِ مالكٍ | وإنْ مالكٌ كانَتْ كرامَ المعادنِ |
٣٩٩٣ - ولا تَحْفِرَنْ بِئْراً تُريد أخاً بها | فإنّك فيها أنت مِنْ دونِه تقَعْ |
كذاكَ الذي يَبْغي على الناسِ ظالماً | يُصِبْه على رَغْمٍ عواقبُ ما صَنَعْ |
ويقال: عَشا يَعْشُو، وعَشِي يَعْشَى. فبعضُهم جعلهما بمعنىً، وبعضُهم فَرَّقَ: بأنَّ عَشِيَ يَعْشَى إذا حَصَلَتْ الآفَةُ من بَصَرَه، وأصلُه الواوُ وإنما قُلِبَتْ ياءً لانكسارِ ما قبلها كرضِيَ يَرْضى وعَشَا يَعْشُو أي: تفاعَل ذلك. ونَظَرَ نَظَرَ
٣٩٩٤ - أَعْشُو إذا ما جارتي بَرَزَتْ | حتى يُوارِيْ جارتي الخِدْرُ |
٣٩٩٥ - متى تَأْتِه تَعْشُوا إلى ضَوْءِ نارِه | تَجِدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ مُوْقِدِ |
وقرأ العامَّةُ» نُقَيِّضْ «بنونِ العظمةِ. وعلي بن أبي طالب والأعمش ويعقوبُ والسلميُّ وأبو عمروٍ وعاصمٌ في روايةٍ عنهما» يُقَيِّضْ «بالياء من تحت
قوله: «بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ» قيل: أراد المشرقَ والمغربَ، فغلَّبَ كالعُمَرَيْن والقَمَرَيْن. وقيل: أراد بمَشْرِقَيْ الشمسِ مَشْرِقَها في أقصرِ يومٍ ومَشْرِقَها في أطولِ يومٍ. وقيل: بُعْدَ المَشْرِقَيْن من المَغْرِبَيْن.
٣٩٩٦ - ولولا كَثْرَةُ الباكِيْنَ حَوْلي | على إخوانِهم لقَتَلْتُ نَفْسي |
وما يَبْكُون مثلَ أخي ولكنْ | أُعَزِّي النفسَ عنه بالتأسِّي |
قوله: «إذْ ظَلَمْتُمْ» قد استشكل المُعْرِبون هذه الآيةَ. ووجهُه: أنَّ قولَه «
٣٩٩٧ -......................... | سَأَسْعَى الآنَ إذ بَلَغَتْ أَناها |
٣٩٩٨ - إذا ما انْتَسَبْنا لم تَلِدْني لئيمةٌ | ....................... |
الثالث: أنها للتعليلِ. وحينئذٍ تكونُ حرفاً للتعليلِ كاللام. الرابعُ: أنَّ العاملَ في «إذ» هو ذلك الفاعلُ المقدَّرُ لا ضميرُه. والتقدير: ولن ينفعَكم ظلمُكم أو جَحْدُكم إذ ظَلَمْتم. الخامس: أنَّ العاملَ في «إذ» ما دَلَّ عليه المعنى. كأنه قال: ولكن لن ينفعَكم اجتماعُكم إذ ظَلَمْتُمْ. قاله الحوفي، ثم قال: «وفاعلُ» يَنْفَعَكم «الاشتراكُ» انتهى. فظاهرُ هذا متناقضٌ؛ لأنَّه جَعَلَ الفاعلَ أولاً اجتماعَكم، ثم جعلَه آخِراً الاشتراكَ. ومنع أَنْ تكونَ «إذ» بدلاً مِن اليوم لتغايُرِهما في الدلالة. وفي كتاب أبي البقاء «وقيل: إذْ بمعنى» أَنْ «أي: أَنْ ظَلَمْتُم». ولم يُقَيِّدْها بكونِها أن بالفتح أو الكسر، ولكن قال الشيخ: «وقيل: إذ للتعليلِ حرفاً بمعنى» أَنْ «يعني بالفتح؛ وكأنَّه أراد ما ذكره أبو البقاءِ، إلاَّ أنَّ تَسْمِيَتَه» أنْ «للتعليل مجازٌ، فإنها على حَذْفِ حرفِ العلةِ أي: لأَنْ، فلمصاحبتِها لها، والاستغناءِ بها عنها سَمَّاها
وقُرِئ» إنكم «بالكسرِ على الاستئناف المفيدِ للعلةِ. وحينئذٍ يكونُ الفاعلُ مضمراً على أحدِ التقادير المذكورة.
٣٩٩٩ - على أنَّها تَعْفُو الكُلُوم، وإنما | نُوَكَّلُ بالأَدْنى وإنْ جَلَّ ما يَمْضي |
٤٠٠٠ - مَنْ تَلْقَ منهم تَقُلْ لاقَيْتُ سَيِّدَهُمْ | مثلَ النجومِ التي يَهْدِي بها السَّاري |
قوله: «تُبْصِرونَ» العامَّةُ على الخطابِ لِمَنْ ناداه. وقرأ عيسى بكسر النون أي: تُبْصِروني. وفي قراءةِ العامَّةِ المفعولُ محذوفٌ أي: تُبْصِرون مُلْكي وعَظَمتي. وقرأ فهد بن الصقر «يُبْصِرون» بياء الغَيْبة: إمَّا على الالتفاتِ من الخطاب إلى الغَيْبة، وإمَّا رَدًّا على قوم موسى.
٤٠٠١ - بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ في رَوْنَق الضُّحى | وصورتِها أم أنتِ في العينِ أَمْلَحُ |
٤٠٠٢ - دعاني إليها القلبُ إني لأَمْرِها | سميعٌ فلا أَدْري أَرُشْدٌ طِلابُها |
٤٠٠٣ - أمُخْدَجُ اليدَيْنِ أم أَتَمَّتِ... ف «أتمَّت» معادِلٌ للاسم، فالتقديرُ: أم مُتِمًّا «قلت: وهذا الذي رَدَّه على الزمخشريِّ رَدٌّ على سيبويه؛ لأنه هو السابقُ به، وكذا قولُه أيضاً: إنه لا يُحْذَفُ المعادِلُ بعد» أم «إلاَّ وبعدها» لا «فيه نظرٌ؛ من حيث تجويزُ سيبويه حَذْفُ المعادِلِ دون» لا «فهو رَدٌّ على سيبويهِ أيضاً.
٤٠٠٤ - مَضَوْا سَلَفاً قَصْدُ السَّبيلِ عليهمُ | صُروفُ المنايا بالرجالِ تَقَلَّبُ |
قوله: «يَصِدُّون» قرأ نافع وابن عامر والكسائي «يَصُدُّون» بضمِ الصادِ. والباقون بكسرِها. فقيل: هما بمعنىً واحدٍ، وهو الصحيحُ، واللفظُ يُقال: صَدَّ يَصِدُّ ويَصُدُّ كعَكَفَ يَعْكِفُ ويَعْكُفُ، ويَعْرُشُ ويَعْرِشُ. وقيل: الضمُّ
قوله: «جَدَلاً» مفعولٌ مِنْ أجله أي: لأجلِ الجدلِ والمِراءِ لا لإِظهارِ الحقِّ. وقيل: هو مصدرٌ في موضعِ الحال أي: إلاَّ مُجادِلين.
وقرأ ابنُ مقسم «جِدالاً» والوجهان جاريان فيه. والظاهر أنَّ «هو» لعيسى كغيره من الضمائر. وقيل: هو للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
٤٠٠٥ - أخَذُوا المَخاضَ من الفَصيل غُلُبَّةً | ظُلْماً ويُكْتَبُ للأمير إفالا |
٤٠٠٦ - جارِيَةٌ لم تَأْكُلِ المُرَقَّقَا | ولم تَذُقْ من البُقولِ الفُسْتقا |
والعامَّةُ على «عِلْم» مصدراً، جُعِل عِلْماً مبالغَةً لَمَّا كان به يَحْصُلُ العِلْمُ، أو لَمَّا كان شَرْطاً يُعْلَم به ذلك أُطْلِق عليه عِلْم. وابن عباس وأبو هُرَيْرَة وأبو مالكِ الغِفاري وزيد بن علي «لَعَلَمٌ» بفتح الفاءِ والعينِ أي: لَشَرْطُ وعَلامةٌ، وقرأ أبو نضرة وعكرمةُ كذلك، إلاَّ أنهما عَرَّفا باللام، فقرآ «للعَلَمُ» أي: لَلْعلامَةُ المعروفةُ.
وقال عَدِيّ:
٤٠٠٧ - مُتَّكِئاً تَصْفِقُ أبْوابُه | يَسْعَى عليه العبدُ بالكُوبِ |
قوله: ﴿مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس﴾ قرأ نافعٌ وابن عامرٍ وحفصٍ «تَشْتهيه» بإثباتِ العائدِ على الموصول كقوله: ﴿الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان﴾ [البقرة: ٢٧٥] والباقون بحَذْفِه كقوله: ﴿أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً﴾ [الفرقان: ٤١] وهذه القراءةُ شبيهةٌ بقوله: ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ [يس: ٣٥] وتقدَّم ذلك في يس،
وهذه الهاءُ في هذه السورةِ رُسِمَتْ في مصاحفِ المدينة والشام، وحُذِفَتْ مِنْ غيرِها. وقد وقع لأبي عبد الله الفاسيِّ شارحِ القصيدِ وَهَمٌ فسَبَقَ قلمُه فكتب: «والهاءُ منه محذوفةٌ في مصاحفِ المدينةِ والشامِ ثابتةٌ في
٤٠٠٨ - تَحِنُّ إلى ليلى وأنت تَرَكْتَها | وكنتَ عليها بالمَلا أنتَ أقدرُ |
٤٠٠٩ - لَعَمْرِي لَنِعْمَ السَّيِّدان وُجِدْتُما | على كل حالٍ مِنْ سَحِيلٍ ومُبرَمِ |
٤٠١٠ - أولئك آبائي فجِئْني بمثْلِهم | وأَعْبَدُ أنْ أَهْجُوْ كُلَيْباً بدارِمِ |
٤٠١١ - متى ما يَشَأْ ذو الوُدِّ يَصْرِمْ خليلَه | ويُعْبَدْ عليه لا مَحالةَ ظالما |
وقيل: «إنْ» نافيةٌ أي: ما كان، ثم أَخْبَرَ بقولِه: ﴿فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين﴾
وقد رَدَّ الناسُ على مكيّ، وقالوا: كان قد تَدُلُّ على الدوامِ كقوله: ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ [النساء: ٩٦] إلى ما لا يُحْصَى، والصحيحُ من مذاهبِ النحاةِ: أنها لا تدُلُّ على الانقطاعِ، والقائلُ بذلك يقولُ: ما لم يكنْ قرينة كالآياتِ المذكورةِ. وتقدَّمَ الخلافُ في قراءَتَيْ: وَلَد ووُلْد في مريم.
وقال الشيخ: «وحَسَّنه طولُه بالعطفِ عليه، كما حَسَّنَ في قولِهم: قائل [
وقرأ عمرُ وعلي وعبد الله في جماعة ﴿وَهُوَ الذي فِي السمآء الله﴾ ضُمِّن العَلَمُ أيضاً معنى المشتقِّ، فيتعلَّقُ به الجارُّ. ومثله «هو حاتمٌ في طَيِّئ» أي: الجوادُ فيهم. ومثلُه: فرعون العذاب.
وأمَّا قراءةُ النصبِ ففيها ثمانيةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّه منصوبٌ على محلِّ «الساعة». كأنَّه قيل: إنه يَعْلَمُ الساعةَ ويعْلَمُ قِيْله كذا. الثاني: أنَّه معطوفٌ على «سِرَّهم ونجواهم» أي: لا نعلم سِرَّهم ونجواهم ولا نعلمُ قِيْلَه. الثالث: عطفٌ على مفعولِ «يكتُبون» المحذوفِ أي: يكتبون ذلك ويكتبون قيلَه كذا أيضاً. الرابع: أنَّه معطوفٌ على مفعولِ «يعلمون» المحذوفِ أي: يَعْلمون ذلك ويعلمون قيلَه. الخامس: أنه مصدرٌ أي: قالَ قيلَه. السادس: أَنْ ينتصِبَ بإضمارِ فعلٍ أي: اللَّهُ يعلمُ قيلَ رسولِه وهو محمدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم. السابع: أَنْ ينتصِبَ على محلِّ «بالحق» أي: شَهِدَ بالحقِّ وبِقيْلِه. الثامن: أَنْ ينتصِبَ على حَذْفِ حرفِ القسمِ كقوله:
٤٠١٢ -..................... | فذاك أمانةَ اللَّهِ الثَّريدُ |
وقرأ أبو قلابة» يا رَبَّ «بفتح الباءِ على قَلْب الياء ألفاً ثم حَذََفَها مُجْتَزِئاً عنها بالفتحة كقولِه:
٤٠١٣ -....................... | بلَهْفَ ولا بِلَيْتَ................. |
سورة الزخرف
سورة (الزُّخْرف) من السُّوَر المكية، من مجموعة سُوَر (الحواميم)، افتُتحت ببيان عظمة هذا الكتاب، وقُدْرتِه على البيان والإبلاغ، وجاءت ببشارةِ الأمَّة بعلوِّ قَدْرها ورفعتها، محذِّرةً إياها من زخارفِ هذه الدنيا وزَيْفِها؛ فهي دارُ مَمَرٍّ، لا دارُ مستقرٍّ، وخُتمت السورة بتنزيه الله عز وجل عن الولدِ والشريك؛ لكمالِ اتصافه بصفات الألوهية الحَقَّة.
ترتيبها المصحفي
43نوعها
مكيةألفاظها
837ترتيب نزولها
63العد المدني الأول
89العد المدني الأخير
89العد البصري
89العد الكوفي
89العد الشامي
88* قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ اْبْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]:
عن أبي يَحيَى مولَى ابنِ عَقِيلٍ الأنصاريِّ، قال: «قال ابنُ عباسٍ: لقد عَلِمْتُ آيةً مِن القرآنِ ما سألَني عنها رجُلٌ قطُّ، فما أدري أعَلِمَها الناسُ فلم يَسألوا عنها، أم لم يَفطَنوا لها فيَسألوا عنها؟ ثم طَفِقَ يُحدِّثُنا، فلمَّا قامَ، تلاوَمْنا ألَّا نكونَ سأَلْناه عنها، فقلتُ: أنا لها إذا راحَ غدًا، فلما راحَ الغَدَ، قلتُ: يا بنَ عباسٍ، ذكَرْتَ أمسِ أنَّ آيةً مِن القرآنِ لم يَسأَلْك عنها رجُلٌ قطُّ، فلا تَدري أعَلِمَها الناسُ فلم يَسألوا عنها، أم لم يَفطَنوا لها؟ فقلتُ: أخبِرْني عنها، وعن اللَّاتي قرأتَ قبلها، قال: نَعم، إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لقُرَيشٍ: يا معشرَ قُرَيشٍ، إنَّه ليس أحدٌ يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ فيه خيرٌ، وقد عَلِمتْ قُرَيشٌ أنَّ النَّصارى تعبُدُ عيسى ابنَ مَرْيَمَ، وما تقولُ في مُحمَّدٍ، فقالوا: يا مُحمَّدُ، ألستَ تزعُمُ أنَّ عيسى كان نبيًّا وعبدًا مِن عبادِ اللهِ صالحًا، فلَئِنْ كنتَ صادقًا، فإنَّ آلهتَهم لكما تقولون؟! قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَلَمَّا ضُرِبَ اْبْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]، قال: قلتُ: ما {يَصِدُّونَ}؟ قال: يَضِجُّون، {وَإِنَّهُۥ لَعِلْمٞ لِّلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61]، قال: هو خروجُ عيسى ابنِ مَرْيَمَ عليه السلام قبلَ يومِ القيامةِ». أخرجه أحمد (٢٩١٨).
*(سورةُ الزُّخْرف):
سُمِّيت (سورةُ الزُّخْرف) بهذا الاسم؛ لمجيء لفظ (الزُّخْرف) في وصفِ الحياة الدنيا في قوله تعالى: {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَٰبٗا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِـُٔونَ ٣٤ وَزُخْرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَاۚ وَاْلْأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 34-35].
1. مكانة القرآن، وعاقبة المستهزئين بالمرسلين (١-٨).
2. إقرار المشركين بربوبية الله تعالى (٩-١٤).
3. ضلال المشركين في العبادة (١٥-٢٥).
4. حِكْمة الله تعالى في اختيار رسله (٢٦-٣٥).
5. حال المُعرِض عن ذكرِ الله، وتسليةُ النبي صلى الله عليه وسلم (٣٦-٤٥).
6. قصة موسى عليه السلام مع فرعون (٤٦-٥٦).
7. قصة عيسى عليه السلام (٥٧-٦٦).
8. عباد الله المؤمنين ونِعَمُ الله عليهم (٦٧-٧٣).
9. الأشقياء الفُجَّار يوم القيامة (٧٤-٨٠).
10. تنزيه الله تعالى عن الولدِ والشريك (٨١-٨٩).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /102).
مقصدُ سورة (الزُّخْرف) هو البِشارة بإعلاء الله لهذه الأمَّة، وتفضيلها على باقي الأُمَم؛ فالأمة الإسلامية هي أعلى الأمم شأنًا ورفعةً، ولتحقيق ذلك لا بد من الارتباط بالآخرة، وتركِ زَيْفِ الدنيا وزُخْرُفها، وعدمِ التعلق بها.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /466).