تفسير سورة الأحقاف

إيجاز البيان

تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب إيجاز البيان عن معاني القرآن المعروف بـإيجاز البيان.
لمؤلفه بيان الحق النيسابوري . المتوفي سنة 553 هـ

سورة الأحقاف
٤ أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ: علم تأثرونه من غيركم «١».
٩ بِدْعاً: أي: لست بأول رسول.
١٠ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ: عبد الله بن سلام «٢».
١١ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: أسلمت جهينة ومزينة وأسلم وغفار، فقالت بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع: هم رعاة البهم ونحن أعز منهم «٣».
١٥ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا «٤» : ليأتي فيهما حسنا لأنّ وَصَّيْنَا استوفى مفعوليه فلا يبقى له عمل «٥».
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً: ثقل الحمل وأمراضه وأعراضه.
(١) ينظر معاني القرآن للفراء: ٣/ ٥٠، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٤٠٧، ومعاني الزجاج: ٤/ ٤٣٨.
(٢) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ٧/ ٢٦٢: «وهذا الشّاهد اسم جنس يعم عبد الله بن سلام وغيره، فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام... ».
وقد ثبت ذكر عبد الله بن سلام رضي الله عنه في سياق هذه الآية في أثر أخرجه الإمام البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: «ما سمعت النبي ﷺ يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام. قال: وفيه نزلت هذه الآية: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ الآية.
صحيح البخاري: ٤/ ٢٢٩، كتاب مناقب الأنصار، باب «مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه»
.
(٣) ذكره الفراء في معانيه: ٣/ ٥١، والزجاج في معاني القرآن: ٤/ ٤٤٠.
ونقله الماوردي في تفسيره: ٤/ ٢٩ عن الكلبي، وكذا البغوي في تفسيره: ٤/ ١٦٦.
وانظر هذا القول في تفسير القرطبي: ١٦/ ١٩٠، والبحر المحيط: ٨/ ٥٩.
(٤) هذه قراءة نافع، وأبي عمرو، وابن عامر، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: (إِحْساناً).
السبعة لابن مجاهد: ٥٩٦، والتبصرة لمكي: ٣٢٨، والتيسير للداني: ١٩٩.
(٥) البحر المحيط: ٨/ ٦٠.
٢٠ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ: إذهابها في الدنيا، من الذهاب بالشّيء على معنى الفوز به.
٢١ بِالْأَحْقافِ: الحقف نقاء «١» من الرمل يعوج ويدق «٢»، وكانت منازل عاد برمال مشرفة على البحر بالشّحر «٣» من اليمن.
٢٤ عارِضٌ: سحاب في عرض السّماء، أي: ناحيتها «٤».
٢٦ فِيما إِنْ [مَكَّنَّاكُمْ] «٥» فِيهِ: أي: في الذي ما مكناكم فيه لئلا يتكرر «ما» «٦».
(١) النقاء: الكثيب من الرمل.
اللسان: ١٥/ ٣٣٩ (نقا).
(٢) ينظر معاني القرآن للفراء: ٣/ ٥٤، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٤٠٧، ومعاني الزجاج: ٤/ ٤٤٤، والمفردات للراغب: ١٧٦، واللسان: ٩/ ٥٢ (حقف). [.....]
(٣) الشّحر: بكسر أوله، وسكون ثانيه: موضع قريب من عدن على ساحل بحر الهند.
ونقل ياقوت عن الأصمعي: هو بين عدن وعمان.
ينظر معجم ما استعجم: ٣/ ٧٨٣، ومعجم البلدان: ٣/ ٣٢٧، والروض المعطار: ٣٣٨.
وفي تحديد موضع «الأحقاف» خلاف، والذي ذكره المؤلف- رحمه الله- قول ابن زيد كما في تفسير الطبري: ٢٦/ ٢٣، وزاد المسير: ٧/ ٣٨٤، وتفسير القرطبي: (١٦/ ٢٠٣، ٢٠٤) وقيل غير ذلك، وعقب الطبري رحمه الله على ذلك بقوله: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى أخبر أن عادا أنذرهم أخوهم هود «بالأحقاف»، والأحقاف ما وصفت من الرمال المستطيلة المشرفة... وجائز أن يكون ذلك جبلا بالشام.
وجائز أن يكون واديا بين عمان وحضرموت.
وجائز أن يكون الشحر، وليس في العلم به أداء فرض، ولا في الجهل به تضييع واجب، وأين كان فصفته ما وصفنا من أنهم كانوا قوما منازلهم الرمال المستعلية المستطيلة» اه-
. (٤) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ٢/ ٢١٣، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٢٠٧، وتفسير الطبري: ٢٦/ ٢٥، والمفردات للراغب: ٣٣٠.
(٥) في الأصل: «مكناهم».
(٦) هذا معنى قول المبرد، وهو إن «ما» بمعنى الذي، و «أن» بمعنى ما.
وهو أيضا قول الزجاج في معانيه: ٤/ ٤٤٦.
وانظر معاني القرآن للفراء: ٣/ ٥٦، وإعراب القرآن للنحاس: ٤/ ١٧٠، وتفسير البغوي:
٤/ ١٧١، وتفسير القرطبي: ١٦/ ٢٠٨.
٣٥ أُولُوا الْعَزْمِ: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين.
ومن سورة محمد صلى الله عليه وسلم
١ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ: أبطلها «١»، وهي نحو صدقاتهم، وصلة أرحامهم.
وَأَصْلَحَ بالَهُمْ: [أمرهم] «٢» وحالهم في الدين.
٤ فَضَرْبَ الرِّقابِ: نصب على الأمر، أي: فاضربوها ضربا «٣».
وفي الحديث «٤» :«لم أبعث لأعذّب/ بعذاب الله، إنّما بعثت بضرب الرقاب وشدّ الوثاق».
أَثْخَنْتُمُوهُمْ: أكثرتم فيهم القتل «٥»، فَشُدُّوا الْوَثاقَ: عند الأسر.
تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها: أهل الحرب آثامها، فلا يبقى إلّا مسلم أو
(١) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٤٠٩، وتفسير الماوردي: ٤/ ٤٢، وتفسير البغوي:
٤/ ١٧٧.
(٢) ما بين معقوفين عن «ك» و «ج».
(٣) هذا قول الفراء في معانيه: ٣/ ٥٧. وانظر معاني القرآن للزجاج: ٥/ ٦، وإعراب القرآن للنحاس: ٤/ ١٧٩.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: ١٢/ ٣٩٠، كتاب الجهاد، باب «من نهى عن التحريق بالنار» عن القاسم بن عبد الرحمن ورفعه.
والحديث مرسل وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي اختلط قبل موته.
ورواية وكيع عنه قبل اختلاطه، كما في الكواكب النيرات: ٢٩٣.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٧/ ٤٥٩، وزاد نسبته إلى الطبري عن القاسم عن عبد الرحمن مرفوعا.
(٥) معاني القرآن للزجاج: ٥/ ٦، والكشاف: ٣/ ٥٣١.
سورة الأحقاف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأحقاف) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بدعوة هذا الكتابِ إلى التوحيد والإيمان بالله عز وجل: المتصِفِ بصفات الكمال، المستحِقِّ للعبودية، واشتملت على مقصدٍ عظيم؛ وهو: إنذارُ الكفار؛ بتذكيرهم بقصةِ (عادٍ)، وما أنزَل اللهُ بهم من عذاب في (الأحقاف)، وفي ذلك دلالةٌ وآية واضحة على قدرة الله على البعث وحساب الناس.

ترتيبها المصحفي
46
نوعها
مكية
ألفاظها
645
ترتيب نزولها
66
العد المدني الأول
34
العد المدني الأخير
34
العد البصري
34
العد الكوفي
35
العد الشامي
34

* قوله تعالى: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اْللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَاْسْتَكْبَرْتُمْۚ إِنَّ اْللَّهَ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [الأحقاف: 10]:

عن عوفِ بن مالكٍ الأشجَعيِّ رضي الله عنه، قال: «انطلَقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخَلْنا كنيسةَ اليهودِ يومَ عيدِهم، فكَرِهوا دخولَنا عليهم، فقال لهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ اليهودِ، أَرُوني اثنَيْ عشَرَ رجُلًا منكم، يَشهَدون أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ؛ يُحبِطِ اللهُ عن كلِّ يهوديٍّ تحتَ أديمِ السماءِ الغضَبَ الذي عليه»، قال: فأَسْكَتُوا ما أجابه منهم أحدٌ، ثم رَدَّ عليهم فلم يُجِبْهُ أحدٌ، ثم ثلَّثَ فلم يُجِبْهُ أحدٌ، فقال: «أبَيْتم؛ فواللهِ، إنِّي لأنا الحاشرُ، وأنا العاقبُ، وأنا النبيُّ المصطفى، آمَنْتم أو كذَّبْتم»، ثم انصرَفَ وأنا معه، حتى إذا كِدْنا أن نخرُجَ، نادى رجُلٌ مِن خَلْفِنا، فقال: كما أنتَ يا مُحمَّدُ، قال: فأقبَلَ، فقال ذلك الرجُلُ: أيَّ رجُلٍ تَعلَموني فيكم يا معشرَ اليهودِ؟ قالوا: واللهِ، ما نَعلَمُ أنَّه كان فينا رجُلٌ أعلَمَ بكتابِ اللهِ منك، ولا أفقَهَ منك، ولا مِن أبيك قَبْلَك، ولا مِن جَدِّكَ قَبْلَ أبيك، قال: فإنِّي أشهَدُ أنَّه نبيُّ اللهِ الذي تَجِدُونه في التَّوْراةِ، قالوا: كذَبْتَ، ثم رَدُّوا عليه وقالوا فيه شرًّا، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كذَبْتُم؛ لن يُقبَلَ قولُكم، أمَّا آنفًا فتُثْنُون عليه مِن الخيرِ ما أثنَيْتم، ولمَّا آمَنَ أكذَبْتموه، وقُلْتم فيه ما قُلْتم؛ فلن يُقبَلَ قولُكم»، قال: فخرَجْنا ونحن ثلاثةٌ: رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأنا، وعبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ، وأنزَلَ اللهُ عز وجل فيه: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اْللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَاْسْتَكْبَرْتُمْۚ إِنَّ اْللَّهَ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [الأحقاف: 10]». أخرجه أحمد (23984).

* قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرٗا مِّنَ اْلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ اْلْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف: 29]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «هبَطوا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يَقرأُ القرآنَ ببطنِ نَخْلةَ، فلمَّا سَمِعوه، قالوا: أنصِتوا، قال: صَهْ، وكانوا تسعةً، أحدُهم زَوْبعةُ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرٗا مِّنَ اْلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ اْلْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف: 29]». أخرجه ابن أبي شيبة؛ كما في "تفسير القرآن العظيم" (4 /176).

* سورة (الأحقاف):

سُمِّيت سورة (الأحقاف) بهذا الاسمِ؛ لذِكْرِ (الأحقاف) فيها؛ كما في قوله تعالى: {وَاْذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُۥ بِاْلْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ اْلنُّذُرُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦٓ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّا اْللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٖ} [الأحقاف: 21].
و(الأحقافُ): هي مَسكَنُ (عادٍ) الذين أهلكهم اللهُ.

1. القرآن حقٌّ من عند الله تعالى يدعو للتوحيد (١-١٤).

2. الفِطْرة في استقامتها وانحرافها (١٥-٢٠).

3. خسران المكذبين عِبْرةٌ لمن يعتبر (٢١-٢٨).

4. الرسول مُصدَّقٌ من عند الثَّقَلين (٢٩-٣٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /179).

مقصدُ هذه السورة هو إنذارُ الكافرين بعذابِ الله قومَ هُودٍ عليه السلام بـ(الأحقاف)، وفي ذلك دلالةٌ واضحة على صدقِ الوعد في قيام الساعة؛ فالله لا يُخلِف وعدَه، وفي هذا دعوةٌ لهم إلى توحيد الله، والاستجابةِ لأمره، وأخذِ العِبْرة من عذاب الله العزيز الحكيم لقومِ هُودٍ عليه السلام.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" (2 /481).