وهي مكية إلا قوله تعالى :( الذين آتيناهم الكتاب ) ( ١ ) إلى قوله تعالى :( لا نبتغي الجاهلين ) ( ٢ ).
وفي هذه السورة آية ليست بمكية ولا مدنية، وهي قوله تعالى :( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) ( ٣ ) نزلت هذه الآية بين مكة والمدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة، وهو منزل من المنازل، وذلك حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.
٢ - القصص: ٥٥..
٣ - القصص: ٥٨..
ﰡ
وَقَوله: ﴿لقوم يُؤمنُونَ﴾ أَي: يصدقون، والنبأ اسْم للْخَبَر.
وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿يستضعف طَائِفَة مِنْهُم﴾ المُرَاد من الطَّائِفَة: بَنو
قَالَ السّديّ فِي قَوْله: ﴿وَجعل أَهلهَا شيعًا﴾ كَانُوا جعلُوا بني إِسْرَائِيل فرقا، ففرقة يبنون، وَفرْقَة يحرثون ويزرعون، وَفرْقَة يغرسون، وَفرْقَة يرعون الدَّوَابّ، إِلَى مثل هَذَا من الْأَعْمَال، وَمن لم يُمكنهُ أَن يعْمل عملا كَانَ يُؤْخَذ مِنْهُ الْجِزْيَة، فَلَمَّا سمع فِرْعَوْن قَوْلهم أَمر أَن يقتلُوا الْأَوْلَاد سنة وَلَا يقتلُون سنة، فولد هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام فِي السّنة الَّتِي لَا يقتل فِيهَا الْأَوْلَاد، وَولد مُوسَى فِي السّنة الَّتِي يقتل فِيهَا الْأَوْلَاد.
وَقَوله: ﴿إِنَّه كَانَ من المفسدين﴾ أَي: فِي الأَرْض.
وَقَوله: ﴿على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض﴾ أَي: بني إِسْرَائِيل.
وَقَوله: ﴿ونجعلهم أَئِمَّة﴾ أَي: وُلَاة.
وَقَوله: ﴿ونجعلهم الْوَارِثين﴾ أَي: الْوَارِثين لملك فِرْعَوْن والقبط، وَقد رُوِيَ أَن فِرْعَوْن لما أغرقه الله، رَجَعَ بَنو إِسْرَائِيل إِلَى مصر، واستعبدوا من بَقِي من القبط.
وَقَوله: ﴿ونرى فِرْعَوْن وهامان وجنودهما مِنْهُم مَا كَانُوا يحذرون﴾ الحذر هُوَ التوقي من الضَّرَر.
وَالْوَحي هُوَ الْإِعْلَام فِي خُفْيَة، فَأكْثر الْمُفَسّرين على أَن معنى قَوْله: ﴿وأوحينا إِلَى أم مُوسَى﴾ هُوَ إلهامها، وَألقى هَذَا الْمَعْنى فِي قَلبهَا، وَقَالَ بَعضهم: رَأَتْ ذَلِك رُؤْيا، [وَقَالَ] بَعضهم: هُوَ الْوَحْي حَقِيقَة، وأتاها الْملك بِهَذَا من الله، إِلَّا أَنَّهَا لم تكن نبية.
وَقَوله: ﴿أَن أرضعيه﴾ اخْتلف القَوْل فِي مُدَّة الرَّضَاع، مِنْهُم من قَالَ: ثَمَانِيَة أشهر، وَمِنْهُم من قَالَ: أَرْبَعَة أشهر، وَمِنْهُم من قَالَ: ثَلَاثَة أشهر.
وَقَوله: ﴿فَإِذا خفت عَلَيْهِ فألقيه فِي اليم﴾ الْخَوْف عَلَيْهِ هُوَ لخوف من الذّبْح.
وَقَوله: ﴿فألقيه فِي اليم﴾ اليم: الْبَحْر، وَالْمرَاد مِنْهُ هَاهُنَا على قَول جَمِيع الْمُفَسّرين هُوَ النّيل، قَالَ ابْن عَبَّاس: دعت بنجار واتخذت تابوتا، فَذهب ذَلِك النجار وَأخْبر فِرْعَوْن، وَجَاء بالأعوان، فطمس الله على عينه حَتَّى لم يهتد إِلَى شَيْء، فعاهد مَعَ الله إِن رد عَلَيْهِ بَصَره ليصرفن الأعوان عَنهُ، فَرد الله بَصَره عَلَيْهِ، فصرف الأعوان، ثمَّ إِنَّه آمن بمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من بعد، وَهُوَ مُؤمن آل فِرْعَوْن، واسْمه حزقيل.
وَقَوله: ﴿وَلَا تخافي وَلَا تحزني﴾ أَي: لَا تخافي عَلَيْهِ من الْغَرق، وَقيل: من الضَّيْعَة، وَقَوله: ﴿وَلَا تحزني﴾ أَي: وَلَا تحزني على فِرَاقه.
وَقَوله: ﴿إِنَّا رادوه إِلَيْك وجاعلوه من الْمُرْسلين﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَقد اشْتَمَلت الْآيَة على أَمريْن ونهيين وخبرين وبشارتين، أما الْأَمْرَانِ: فَقَوله: ﴿أَن أرضعيه﴾، وَقَوله: ﴿فألقيه فِي اليم﴾، وَأما النهيان: فَقَوله: ﴿وَلَا تخافي وَلَا تحزني﴾، وَأما الخبران: فَقَوله: ﴿وأوحينا إِلَى أم مُوسَى﴾ وَكَذَلِكَ قَوْله: ﴿فَإِذا خفت عَلَيْهِ﴾ وَأما البشارتان: فَقَوله تَعَالَى: ﴿إِنَّا رادوه إِلَيْك وجاعلوه من الْمُرْسلين﴾، الْآيَة تعد من فصيح الْقُرْآن.
وَقَوله: ﴿ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا﴾ (هَذِه اللَّام لَام الْعَاقِبَة، وَقيل: لَام الصيرورة، فَإِنَّهُم مَا التقطوه ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا)، وَلَكِن صَار أَمرهم إِلَى هَذَا، فَذكر
(أَمْوَالنَا لِذَوي الْمِيرَاث نجمعها | ودورنا لخراب الدَّهْر نبنيها) |
وَفِي بعض التفاسير: أَن فِرْعَوْن قصد قَتله، وَقَالَ: لَعَلَّه من الْأَعْدَاء، فاستوهبته امْرَأَته فوهبه لَهَا.
وَقَوله: ﴿لَا تقتلوه عَسى أَن ينفعنا أَو نتخذه ولدا﴾ رُوِيَ أَن آسِيَة لم يكن لَهَا ولد، وَقيل: كَانَ يَمُوت أَوْلَادهَا، فَقَالَت: أَو نتخذه ولدا لهَذَا.
وَقَوله: ﴿وهم لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَي: لَا يعلمُونَ حَقِيقَة الْأَمر.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله: ﴿فَارغًا﴾ أَي: فَارغًا من الْحزن عَلَيْهِ لعلمها بِصدق وعد الله تَعَالَى، وَهَذَا قَول أبي عُبَيْدَة، وَأنكر القتيبي وَغَيره هَذَا القَوْل، وَقَالُوا: كَيفَ يَصح هَذَا وَالله تَعَالَى يَقُول: ﴿إِن كَادَت لتبدي بِهِ لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا﴾ ؟ وَالْقَوْل الثَّالِث: " فَارغًا " أَي: نَاسِيا للوحي الَّذِي أنزل عَلَيْهَا، والعهد الَّذِي أَخذ عَلَيْهَا بألا تحزني من شدَّة البلية عَلَيْهِ، وَهَذَا معنى قَول الْحسن، وَقُرِئَ فِي الشاذ: " فَزعًا "، وَقد بَينا أَن معنى قَوْله: ﴿فَأصْبح﴾ أَي: صَار، وأنشدوا فِي هَذَا شعرًا:
(مضى الْخُلَفَاء بِالْأَمر الرشيد | وأصبحت المذمة للوليد) |
وَقَوله: ﴿لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا﴾ أَي: بِالصبرِ، وَقيل: بِالْإِيمَان بالوعد، وَقيل: بالعصمة.
وَقَوله: ﴿لتَكون من الْمُؤمنِينَ﴾ أَي: من المصدقين،
وَقَوله: ﴿فبصرت بِهِ عَن جنب﴾ أَي: [عَن بعد]، وَقيل: عَن جَانب، وَفِي الْقِصَّة: أَنَّهَا كَانَت تمشي جانبا، وَتنظر مختلسة وتري النَّاس أَنَّهَا لَا تنظر.
وَقَوله: ﴿وهم لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَي: لَا يَشْعُرُونَ أَن هلاكهم على يَد مُوسَى، وَقيل: وهم لَا يعلمُونَ أَن الصَّبِي مُوسَى، وَأَن طَالبه أمه وَأُخْته، وأنشدوا قَول الشَّاعِر عَن جنب بِمَعْنى بعد:
(فَلَا تَسْأَلنِي نائلا عَن جَنَابَة | فَإِن امْرُؤ وسط القباب غَرِيب) |
(جالت لتصرعني فَقلت لَهَا اقصري | إِنِّي امْرُؤ صرعى عَلَيْك حرَام) |
وَقَوله: ﴿فَقَالَت هَل أدلكم﴾ يَعْنِي: قَالَت أُخْت مُوسَى: هَل أدلكم ﴿على أهل بَيت يكفلونه لكم﴾ ؟.
وَقَوله: ﴿وهم لَهُ ناصحون﴾ أَي: عَلَيْهِ مشفقون، والنصح ضد الْغِشّ، وَقيل: النصح تصفية الْعَمَل من شوائب الْفساد، وَمِنْه قَوْله: " إِلَّا إِن الدّين النَّصِيحَة. قيل: لمن؟ قَالَ: لله وَلِرَسُولِهِ وَكتابه وَالْمُؤمنِينَ " وَالْخَبَر ثَابت، رَوَاهُ تَمِيم الدَّارِيّ.
وَفِي لقصة: أَن قوم فِرْعَوْن استرابوا بقول أُخْت مُوسَى فَقَالُوا: [إِنَّك] تعرفينه، وَإِلَّا فَمَا معنى نصحك لَهُ؟ فألهمها الله تَعَالَى حَتَّى قَالَت: قلت هَذَا رَغْبَة فِي سرُور الْملك واتصالنا بِهِ، وَرُوِيَ أَن أم مُوسَى لما أُتِي بهَا، وَوجد مُوسَى رِيحهَا، (نزا) إِلَى ثديها فَجعل يمصه حَتَّى امْتَلَأَ جنباه ريا، وَقَالَ السّديّ: كَانُوا يعطونها كل يَوْم دِينَارا.
وَقَوله: ﴿ولتعلم أَن وعد الله حق﴾ لِأَنَّهُ كَانَ قد وعدها أَنه يردهُ إِلَيْهَا.
وَقَوله: ﴿وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ﴾ أَي: لَا يعلمُونَ أَن وعد الله حق.
وَقَوله: ﴿واستوى﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: أَرْبَعُونَ سنة، وَعَن غَيره: ﴿اسْتَوَى﴾ أَي: انْتهى شبابه.
وَقَوله: ﴿آتيناه حكما وعلما﴾ أَي: الْفِقْه وَالْعقل وَالْعلم.
وَقَوله: ﴿وَكَذَلِكَ نجزي الْمُحْسِنِينَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿فَوجدَ فِيهَا رجلَيْنِ يقتتلان﴾ فِي الْقِصَّة: أَنه وجد قبطيا يسخر إِسْرَائِيلِيًّا فِي حمل الْحَطب إِلَى مطبخ فِرْعَوْن، وَقَوله: ﴿يقتتلان﴾ أَي: يختصمان ويتنازعان، وَقَوله: ﴿هَذَا من شيعته وَهَذَا من عدوه﴾ أى: الإسرائيلي من شيعته، والقبطي من
وَقَوله: ﴿فاستغاثه الَّذِي من شيعته﴾ الاستغاثة: طلب المعونة، وَقَوله: ﴿فوكزه مُوسَى﴾ قَرَأَ (ابْن مَسْعُود) :" فلكزه مُوسَى " واللكز والوكز (وَاحِد، وَهُوَ الضَّرْب بِجمع الْكَفّ، وَقيل الوكز هُوَ الضَّرْب فِي الصَّدْر، واللكز) هُوَ الضَّرْب فِي الظّهْر. وَفِي بعض التفاسير: (أَن مُوسَى) عقد ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ وضربه ضَرْبَة بِهِ فِي صَدره، وَكَانَ شَدِيد الْبَطْش، فَقتل الرجل، فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿فَقضى عَلَيْهِ﴾ أَي: قَتله، يُقَال: قضى فلَان أَي: مَاتَ. فَإِن قيل: كَيفَ يجوز هَذَا على مُوسَى؟ قُلْنَا: وَهُوَ لم يقْصد الْقَتْل، وَإِنَّمَا وَقع الْقَتْل خطأ، وَكَانَ قَصده استنقاذ الإسرائيلي من ظلمه.
وَقَوله: ﴿قَالَ هَذَا من عمل الشَّيْطَان﴾ أَي: من تزيينه، وَقَوله: ﴿إِنَّه عَدو مضل مُبين﴾ أَي: مضل بَين الضَّلَالَة،
وَقَوله: ﴿فغفر لَهُ إِنَّه هُوَ الغفور الرَّحِيم﴾ أَي: غفر الله لَهُ، إِن الله غَفُور رَحِيم.
وَقَوله: ﴿فَلَنْ أكون ظهيرا للمجرمين﴾ أَي: معاونا للمجرمين، وَفِي بعض التفاسير: أَن قَوْله: ﴿فَلَنْ أكون ظهيرا للمجرمين﴾ كَانَت زلَّة من مُوسَى حِين لم يقرن بِهِ مَشِيئَة الله أَو الاستغاثة من الله، وقلما يَقُول الْإِنْسَان هَذَا القَوْل، وَيُطلق هَذَا الْإِطْلَاق إِلَّا ابتلى، فَابْتلى مُوسَى فِي الْيَوْم الثَّانِي مَا ذكره الله تَعَالَى، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
وَقَوله: ﴿فَإِذا الَّذِي استنصره بالْأَمْس يستصرخه﴾ أَي: يستغيث بِهِ ويصيح بِهِ من بعد، وَكَانَ ذَلِك الإسرائيلي سَخَّرَهُ قبْطِي آخر، فَبَصر بِهِ مُوسَى فَطلب مِنْهُ المعونة.
وَقَوله: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّك لغوى مُبين﴾ الْأَكْثَرُونَ أَن هَذَا قَالَه مُوسَى للإسرائيلي، فَإِنَّهُ كَانَ أغواه أمس أَي: أوقعه فِي الغواية، فَمَعْنَى قَوْله: ﴿غوى﴾ : موقع فِي الغواية.
وَقَوله: ﴿مُبين﴾ أَي: بَين، وَيُقَال: إِن هَذَا قَالَه للقبطي، وَالأَصَح هُوَ الأول.
وَقَوله: ﴿قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تقتلني﴾ يَعْنِي: قَالَ الإسرائيلي: ﴿كَمَا قتلت نفسا بالْأَمْس إِن تُرِيدُ﴾ أَي: مَا تُرِيدُ ﴿إِلَّا أَن تكون جبارا فِي الأَرْض﴾، أَي: تقتل على الْغَضَب، وكل من قتل على الْغَضَب فَهُوَ جَبَّار، وَيُقَال: من قتل نفسين بِغَيْر حق فَهُوَ من جبابرة الأَرْض.
وَقَوله: ﴿وَمَا تُرِيدُ أَن تكون من المصلحين﴾ أَي: الرافقين بِالنَّاسِ، وَفِي الْقِصَّة: أَن الإسرائيلي لما قَالَ هَذَا وسَمعه القبطي، عرف أَن الَّذِي قتل بالْأَمْس إِنَّمَا قَتله مُوسَى، فَمر إِلَى فِرْعَوْن وَذكر لَهُ ذَلِك، فَبعث فِي طلب مُوسَى ليَقْتُلهُ بِهِ.
وَقَوله: ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِن الْمَلأ يأتمرون بك﴾ أَي: يتشاورون فِي قَتلك، وَقيل: يَأْمر بَعضهم بَعْضًا بقتلك، وَقيل: إِن فِرْعَوْن قَالَ: أَيْن وجدتموه فَاقْتُلُوهُ.
وَقَوله: ﴿فَاخْرُج إِنِّي لَك من الناصحين﴾ أَي: من الناصحين لَك فِي الْأَمر بِالْخرُوجِ، والنصح للْإنْسَان هُوَ الْإِشَارَة عَلَيْهِ بِمَا يصلح أمره، وَقد كَانَ السّلف يطْلب هَذَا بَعضهم من بعض. قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ حِين خطب: إِن أَحْسَنت فَأَعِينُونِي، وَإِن زِغْت فقوموني. وَرُوِيَ أَن رجلا قَالَ لعمر: اتَّقِ الله يَا عمر، فَأنْكر عَلَيْهِ بَعضهم، فَقَالَ عمر: دَعه، فَمَا نزال بِخَير مَا قيل لنا هَذَا. وَعَن بَعضهم أَنه قيل لَهُ: أَتُرِيدُ أَن تنصح؟ قَالَ: أما سرا فَنعم، وَأما جَهرا فَلَا.
وَرُوِيَ أَنه خرج متوهجا لَا يدْرِي أَيْن ذهب، فَبعث الله تَعَالَى ملكا حَتَّى هداه إِلَى الطَّرِيق، وَفِي بعض التفاسير: أَنه خرج حافيا يعدو ثَمَان لَيَال لَيْسَ مَعَه زَاد، قَالَ ابْن عَبَّاس: وَهُوَ أول ابتلاء من الله لمُوسَى يسْقط خف قدمه، وَجعل يَأْكُل البقل حَتَّى كَانَ يرى خضرته فِي بَطْنه.
وَقَوله: ﴿قَالَ رب نجني من الْقَوْم الظَّالِمين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿قَالَ عَسى رَبِّي أَن يهديني﴾ أَي: يرشدني رَبِّي ﴿سَوَاء السَّبِيل﴾ أَي: وسط الطَّرِيق، ووسط الطَّرِيق هُوَ السَّبِيل الَّذِي يُوصل إِلَى الْمَقْصُود، ومدين اسْم رجل نسبت الْبَلدة إِلَيْهِ، قَالَ الشَّاعِر فِي الْمَدَائِن:
(رُهْبَان مَدين لَو رأوك تنزلوا | والعصم من شعف الْعُقُول الفادر) |
وَقَوله: ﴿تِلْقَاء مَدين﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: نَحْو مَدين.
وَقَوله: ﴿عَسى رَبِّي أَن يهديني سَوَاء السَّبِيل﴾ قَالَ مُجَاهِد: طَرِيق مَدين.
وَقَوله: ﴿وجد عَلَيْهِ أمة من النَّاس يسقون﴾ أَي: جمَاعَة.
وَقَوله: ﴿وَوجد من دونهم امْرَأتَيْنِ﴾ أَي: سوى الْجَمَاعَة امْرَأتَيْنِ، وَقيل: بَعيدا من الْجَمَاعَة امْرَأتَيْنِ.
وَقَوله: ﴿تذودان﴾ أَي: تحبسان وتكفان أغنامهما من مُخَالطَة أَغْنَام النَّاس.
وَقَالَ قَتَادَة: تزودان أَي: تكفان النَّاس عَن أغنامهما، قَالَ الشَّاعِر:
(فقد سلبت عصاك بَنو تَمِيم | فَلَا أَدْرِي بِأَيّ عَصا تذود) |
(أَبيت على بَاب القوافي كَأَنَّمَا | أذود بهَا سربا من الْوَحْش نزعا) |
وَقَوله: ﴿قَالَتَا لَا نسقي﴾ يَعْنِي: لَا نسقي غنمنا، وَقَوله: ﴿حَتَّى يصدر الرعاء﴾ (وَقُرِئَ: " حَتَّى يصدر الرعاء " فَقَوله: ﴿حَتَّى يصدر الرعاء﴾ أَي: يرجع الرعاء بأغنامهم، وَقَوله: ﴿حَتَّى يصدر الرعاء﴾ ). أَي: يصدر الرعاء أغنامهم، قَالَ
وَقَوله: ﴿وأبونا شيخ كَبِير﴾ لَا يقدر على سقِِي الْغنم، كَأَنَّهُمَا جعلتا ذَلِك عذرا لَهما، وَقيل: إِنَّمَا قَالَتَا ذَلِك استعطافا لقلب مُوسَى حَتَّى يسقيهما، قَالَ ابْن عَبَّاس: وصل مُوسَى أَي: مَاء مَدين وخضرة البقل يرى فِي أمعائه من الهزال.
وَقَوله: ﴿ثمَّ تولى إِلَى الظل﴾ يُقَال: كَانَ ظلّ شَجَرَة، وَيُقَال: كَانَ ظلّ حَائِط بِلَا سقف.
وَقَوله: ﴿فَقَالَ رب إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير﴾ أجمع الْمُفَسِّرُونَ على أَنه طلب من الله الطَّعَام لجوعه، قَالَ ابْن عَبَّاس فلقَة خبز، أَو قَبْضَة تمر. وَقَالَ سعيد بن جُبَير: لم يكن على وَجه الأَرْض أكْرم مِنْهُ، وَكَانَ مُحْتَاجا إِلَى شقّ تَمْرَة. وَقَالَ مُجَاهِد: طلب الْخبز. وَفِي بعض الْآثَار: أَن الله تَعَالَى أخرج للخبز بَرَكَات السَّمَوَات وَالْأَرْض. وَعَن بَعضهم: لَوْلَا الْخبز مَا عبد الله. وَالْعرب تسمي الْخبز جَابِرا، قَالَ بَعضهم شعرًا:
(لَا تلوموني ولوموا جَابِرا | فجابر كلفني الهواجرا) |
وَقَوله: ﴿تمشي على استحياء﴾ روى عَمْرو بن مَيْمُون، عَن عمر أَنه قَالَ: ليبست بسلفع من النِّسَاء، وَلَا خراجة وَلَا ولاجة، وَلَكِن وضعت كمها على وَجههَا استحياء.
وَقَوله: ﴿قَالَت إِن أبي يَدْعُوك ليجزيك أجر مَا سقيت لنا﴾ أَي: ليطعمك ويثيبك أجر مَا سقيت لنا أَي: عوض مَا سقيت لنا. قَالَ أَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار: لما سمع مُوسَى هَذَا أَرَادَ أَلا يذهب وَلَكِن كَانَ جائعا، فَلم يجد بدا من الذّهاب، فمشت الْمَرْأَة وَمَشى مُوسَى خلفهَا، فَجعلت الرّيح تضرب ثوبها، وتصف عجيزتها، فكره مُوسَى ذَلِك، فَقَالَ: يَا أمة الله، امشي خَلْفي وصفي لي الطَّرِيق، فَفعلت كَذَلِك، فَلَمَّا وصل مُوسَى إِلَى دَار شُعَيْب، فَإِذا الْعشَاء تهَيَّأ، فَقَالَ: يَا شَاب، اجْلِسْ، فَكل، فَقَالَ: معَاذ الله، إِنَّا أهل بَيت لَا نطلب على عمل من أَعمال الْآخِرَة عوضا من الدُّنْيَا، فَقَالَ لَهُ شُعَيْب: إِن هَذَا عاداتي وعادات آبَائِي، نقري الضَّيْف ونطعم الطَّعَام، فَجَلَسَ وَأكل. هَذَا كُله قَول أبي حَازِم.
وَقَوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وقص عَلَيْهِ الْقَصَص﴾ يَعْنِي: مَا لَقِي من فِرْعَوْن وَأمره من أَوله إِلَى آخِره.
وَقَوله: ﴿لَا تخف نجوت من الْقَوْم الظَّالِمين﴾ إِنَّمَا قَالَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لم يكن لفرعون سُلْطَان على مَدين، والظالمين: فِرْعَوْن وَقَومه.
وَقَوله: ﴿على أَن تَأْجُرنِي﴾ أَي: تكون أجيري، وَقيل: على أَن تثيبني. ﴿ثَمَانِي حجج﴾ أَي: ثَمَان سِنِين.
قَوْله: ﴿فَإِن أتممت عشرا فَمن عنْدك﴾ يَعْنِي: هُوَ تبرع من عنْدك.
وَقَوله: ﴿وَمَا أُرِيد أَن أشق عَلَيْك﴾ أَي: مَا ألزمك تَمام الْعشْرَة إِلَّا أَن تتبرع.
وَقَوله: ﴿ستجدني إِن شَاءَ الله من الصَّالِحين﴾ أَي: الرافقين بك، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ اخلفني فِي قومِي وَأصْلح﴾ أَي: ارْفُقْ.
وَقَوله: ﴿فَلَا عدوان عَليّ﴾ أَي: لَا أطلب بِالزِّيَادَةِ، وَقَوله: ﴿وَالله على مَا نقُول وَكيل﴾ أَي: شَاهد، وَقيل: حفيظ. وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أجر مُوسَى نَفسه بطعمة بَطْنه وعفة فُرْجَة ". وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن النَّبِي سُئِلَ: أَي
وروى شَدَّاد بن أَوْس عَن النَّبِي: " أَن شعيبا بَكَى حَتَّى عمي فَرد الله عَلَيْهِ بَصَره، (ثمَّ بَكَى حَتَّى عمي، فَرد الله عَلَيْهِ بَصَره)، ثمَّ بَكَى حَتَّى عمي، فَقَالَ الله تَعَالَى: لم تبك يَا شُعَيْب؟ أخوفاً من النَّار أَو طَمَعا فِي الْجنَّة؟ فَقَالَ: لَا يَا رب، وَلَكِن أحبك وَقَالَ بَعضهم: شوقا إِلَى لقائك قَالَ: يَا شُعَيْب، وَلذَلِك أخدمتك مُوسَى كليمي " وَالْخَبَر غَرِيب.
وَأما قصَّة الْعَصَا: إِن شعيبا قَالَ لابنته: أعطي مُوسَى عَصا ليتقوى بهَا على رعي الْغنم، وَكَانَ عِنْده عَصا أودعها ملك مِنْهُ، فَدخلت بنت شُعَيْب، وَوَقعت هَذِه الْعَصَا بِيَدِهَا وَخرجت بهَا، فَقَالَ شُعَيْب: ردي هَذِه الْعَصَا، وخذي عَصا أُخْرَى، فَردَّتهَا، وأرادت أَن تَأْخُذ عَصا أُخْرَى فَوَقَعت بِيَدِهَا هَذِه الْعَصَا، هَكَذَا ثَلَاث مَرَّات، فَسلم
وَقَوله: ﴿آنس من جَانب الطّور نَارا﴾ رُوِيَ أَن مُوسَى كَانَ رجلا غيورا، وَكَانَ يصحب الرّفْقَة بِاللَّيْلِ، ويفارقهم بِالنَّهَارِ، فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي أَرَادَ الله كرامته فِيهَا، أَخطَأ الطَّرِيق؛ لِأَن الظلمَة اشتدت وَاشْتَدَّ الْبرد، وَانْقطع عَن الرّفْقَة فَجعل يقْدَح الزند فَلَا يورى، ثمَّ إِنَّه أبْصر نَارا من قبل الطّور، وَكَانَ نورا وَلم تكن نَارا، فَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿آنس من جَانب الطّور نَارا﴾ أَي: أبْصر.
وَقَوله: ﴿قَالَ لأَهله امكثوا إِنِّي آنست نَارا﴾ أَي: أَبْصرت نَارا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لعَلي آتيكم مِنْهَا بِخَبَر﴾ أَي: بِخَبَر عَن الطَّرِيق؛ لِأَنَّهُ قد أَخطَأ الطَّرِيق، وَقَوله: ﴿أَو جذوة من النَّار﴾ أَي: قِطْعَة من النَّار، وَقيل: عود فِي رَأسه نَار.
وَقَوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تصطلون﴾ أَي: (تصطلون) بهَا فتذهب عَنْكُم الْبرد، وَيُقَال: أحسن من الصلى فِي لشتاء.
وَقَوله: ﴿فِي الْبقْعَة الْمُبَارَكَة﴾ سمى الْبقْعَة الْمُبَارَكَة لِأَن الله تَعَالَى كلم مُوسَى فِيهَا، فَإِن قيل: فَلم لم يسم الشَّجَرَة مباركة وَقد قَالَ: ﴿من الشَّجَرَة﴾ ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ إِذا ذكرت الْبركَة فِي الْبقْعَة، فقد ذكرت فِي الشَّجَرَة، فَذكر الْبقْعَة؛ لِأَنَّهَا أَعم.
وَقَوله: ﴿من الشَّجَرَة﴾ قَالُوا: كَانَت شَجَرَة العوسج هِيَ أول شَجَرَة غرست فِي الأَرْض، وَقيل: شجر العليق.
وَقَوله: ﴿أَن ياموسى إِنِّي انا الله رب الْعَالمين﴾ أى: رب الْجِنّ وَالْإِنْس وَالْمَلَائِكَة وَالْخَلَائِق أَجْمَعِينَ.
وَقَوله: ﴿من الشَّجَرَة﴾ قَالَ الزّجاج والنحاس وَغَيرهمَا: كلم الله مُوسَى من الشَّجَرَة بِلَا كَيفَ. وَعَن الضَّحَّاك: من نَحْو الشَّجَرَة. وَعند الْمُعْتَزلَة: أَن الله تَعَالَى خلق كلَاما فِي الشَّجَرَة، فَسمع مُوسَى ذَلِك الْكَلَام، وَهَذَا عندنَا بَاطِل، وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى هُوَ الَّذِي كلم مُوسَى على مَا ورد بِهِ النَّص، وَإِذا كَانَ على هَذَا الْوَجْه الَّذِي قَالُوا فَيكون الله خَالِقًا لَا مكلما؛ لِأَنَّهُ يُقَال: خلق فَهُوَ خَالق، وَلَا يُقَال: خلق فَهُوَ مُكَلم.
وَفِي الْقِصَّة: أَن مُوسَى لما رأى النَّار، ترك أَهله وَولده، وَتوجه نَحْو النَّار، فَبَقيَ أَهله
وَقَوله: ﴿إِنِّي أَنا الله رب الْعَالمين﴾ قد بَينا من قبل،
وَقَوله: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تهتز﴾ أَي: تتحرك ﴿كَأَنَّهَا جَان﴾ الجان: الْحَيَّة الصَّغِيرَة، والثعبان: الْحَيَّة الْعَظِيمَة.
وَقد ذكرنَا التَّوْفِيق بَين الْآيَتَيْنِ، قد قَالَ بَعضهم: كَانَ فِي ابْتِدَاء الْأَمر حَيَّة صَغِيرَة، ثمَّ صَارَت تعظم حَتَّى صَارَت ثعبانا.
وَقَوله: ﴿ولى مُدبرا﴾ أَي: من الْخَوْف، فَإِن قيل: لم خَافَ مُوسَى وَهُوَ فِي مثل ذَلِك الْمقَام؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ رأى شَيْئا بِخِلَاف الْعَادة، وَمن رأى شَيْئا بِخِلَاف الْعَادة فخاف عذر، وَقد رُوِيَ أَنَّهَا لما صَارَت حَيَّة ابتلعت مَا حولهَا من لصخور وَالْأَشْجَار، وَسمع مُوسَى لأسنانها صريفا عَظِيما، فهرب.
وَقَوله: ﴿وَلم يعقب﴾ أَي: لم يلْتَفت، وَقَوله: ﴿يَا مُوسَى أقبل وَلَا تخف إِنَّك من الْآمنينَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿تخرج بَيْضَاء من غير سوء﴾ يُقَال: خرجت وَلها شُعَاع كضوء الشَّمْس.
وَقَوله: ﴿واضمم إِلَيْك جناحك من الرهب﴾ حكى عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَن
وَقَوله: ﴿فذاناك برهانان من رَبك﴾ أَي: آيتان وحجتان من رَبك.
وَقَوله: ﴿إِلَى فِرْعَوْن وملئه﴾ يَعْنِي: وَأَتْبَاعه.
وَقَوله: ﴿إِنَّهُم كَانُوا قوما فاسقين﴾ أَي: خَارِجين عَن الطَّاعَة.
وَقَوله: ﴿فَأرْسلهُ معي ردْءًا﴾ أَي: عونا. ﴿يصدقني﴾ أَي مُصدقا لي، وَقُرِئَ: " يصدقني " بِسُكُون الْقَاف أَي: إِن كَذَّبُونِي هُوَ يصدقني.
وَقَوله: ﴿إِنِّي أَخَاف أَن يكذبُون﴾ يَعْنِي: فِرْعَوْن وَقَومه.
(أَخَاك أَخَاك إِن من لَا أَخا لَهُ | كساع إِلَى لهيجا بِغَيْر سلَاح) |
(وَإِن ابْن عَم الْمَرْء فَاعْلَم جنَاحه | وَهل ينْهض الْبَازِي بِغَيْر جنَاح؟ !) |
وَقَوله: ﴿ونجعل لكم سُلْطَانا﴾ أَي: حجَّة.
وَقَوله: ﴿فَلَا يصلونَ إلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا﴾ أَي: لَا يصلونَ إلَيْكُمَا لمَكَان آيَاتنَا، وَيُقَال: فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَتَقْدِيره: ونجعل لَكمَا سُلْطَانا بِآيَاتِنَا فَلَا يصلونَ إلَيْكُمَا.
وَقَوله: ﴿أَنْتُمَا وَمن اتبعكما الغالبون﴾ الغالبون لفرعون وَقَومه.
وَقَوله: ﴿قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سحر مفترى﴾ أَي: مختلق.
وَقَوله: ﴿مَا سمعنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلين﴾ أَي: الَّذين مضوا.
وَقَوله: ﴿وَمن تكون لَهُ عَاقِبَة الدَّار﴾ أَي: وَأعلم بِمن تكون لَهُ عَاقِبَة الدَّار، وَهِي الْجنَّة.
وَقَوله: ﴿إِنَّه لَا يفلح الظَّالِمُونَ﴾ أَي: لَا يسْعد من أشرك بِاللَّه.
وَقَوله: ﴿فَأوقد لي يَا هامان على الطين﴾ أَي: اطبخ لي الطين حَتَّى يصير آجرا، وَيُقَال: إِنَّه أول من اتخذ الْآجر.
وَقَوله: ﴿فَاجْعَلْ لي صرحا﴾ أَي: قصرا عَالِيا، وَقيل: مَنَارَة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿لعَلي أطلع إِلَى إِلَه مُوسَى﴾ أَي: أناله وأصيبه.
وَفِي الْقِصَّة: أَن طول الصرح كَانَ شَيْئا كَبِيرا. ذكر فِي بعض التفاسير: أَن صرح فِرْعَوْن كَانَ طوله خَمْسَة آلَاف ذِرَاع وَخمسين ذِرَاعا، وَعرضه ثَلَاثَة آلَاف ذِرَاع ونيف.
وَكَانَ فِرْعَوْن لَا يقدر أَن يقوم على أَعْلَاهُ؛ مَخَافَة أَن تنسفه الرّيح، وَذكر السّديّ أَن فِرْعَوْن علا ذَلِك الصرح، وَرمى بنشابة إِلَى السَّمَاء، فَرَجَعت إِلَيْهِ متلطخة بِالدَّمِ، فَقَالَ: قد قتلت إِلَه مُوسَى.
وَقَوله: ﴿وَإِنِّي لأظنه من الْكَاذِبين﴾ أَي: لأظنه من الْكَاذِبين فِي زَعمه أَن للْأَرْض والخلق إِلَهًا غَيْرِي.
وَقَوله: ﴿فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الظَّالِمين﴾ يَعْنِي: فِرْعَوْن وَقَومه.
وَقَوله: ﴿وَيَوْم الْقِيَامَة لَا ينْصرُونَ﴾ أَي: لَا يمْنَعُونَ من الْعَذَاب.
وَقَوله: ﴿وَيَوْم الْقِيَامَة هم من المقبوحين﴾ أَي: الْمُعَذَّبين، وَيُقَال من المشبوهين أَي: بسواد الْوَجْه وزرقة الْعين.
وَقَوله: ﴿بصائر للنَّاس﴾ أَي: دلالات للآخرين.
وَقَوله: ﴿وَهدى وَرَحْمَة لَعَلَّهُم يتذكرون﴾ أَي: يتعظون بالدلالات.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا كنت بِجَانِب الغربي﴾ أَي: مَا كنت بِنَاحِيَة الْجَبَل مِمَّا يَلِي الغرب، وَقَوله: ﴿إِذا قضينا إِلَى مُوسَى الْأَمر﴾ أَي: أحكمنا مَعَ مُوسَى الْأَمر، وَذَلِكَ بإرساله إِلَى فِرْعَوْن وَقَومه.
وَقَوله: ﴿وَمَا كنت ثاويا﴾ أَي: مُقيما ﴿فِي أهل مَدين﴾.
وَقَوله: ﴿تتلوا عَلَيْهِم آيَاتنَا﴾ وَقَالَ هَذَا لِأَن شعيبا كَانَ يَتْلُوا عَلَيْهِم آيَات الله، وَقيل: هَذَا كَانَ مُوسَى، وَالْأول أظهر، وَقَوله: ﴿وَلَكنَّا كُنَّا مرسلين﴾ أَي: نَحن الَّذين أرسلناهم.
وَقَالَ مقَاتل بن حَيَّان: معنى قَوْله: ﴿نادينا﴾ هُوَ أَنه قَالَ لهَذِهِ الْأمة، وهم فِي
وَفِي الْقِصَّة: أَن مُوسَى لما سمع هَذَا من الله تَعَالَى: قَالَ: يَا رب، إِنَّمَا جِئْت لوفادة أمة مُحَمَّد.
وَقَوله: ﴿وَلَكِن رَحْمَة من رَبك﴾ قد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِن الله تَعَالَى كتب كتابا قبل أَن يخلق آدم بألفي عَام، وَهُوَ عِنْده فَوق عَرْشه: سبقت رَحْمَتي غَضَبي ".
وَقَوله تَعَالَى: ﴿لتنذر قوما مَا أَتَاهُم من نَذِير من قبلك لَعَلَّهُم يتذكرون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿قَالُوا﴾ يَعْنِي: قَالَ الْمُشْركُونَ ﴿لَوْلَا أُوتِيَ﴾ أَي: هلا أُوتِيَ ﴿مثل مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ أَي: من الْعَصَا، وَالْيَد الْبَيْضَاء.
وَقَوله: ﴿أَو لم يكفروا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى من قبل﴾ يَعْنِي: أَن الْمُشْركين كفرُوا بمُوسَى.
وَقَوله: ﴿قَالُوا ساحران تظاهرا﴾ يَعْنِي: مُوسَى ومحمدا، وَقَالَ مُجَاهِد: مُوسَى وَهَارُون. وَقُرِئَ: " سحران تظاهرا " وَاخْتلف القَوْل فِي لسحرين، أحد الْقَوْلَيْنِ: أَنَّهُمَا التَّوْرَاة وَالْقُرْآن، وَالْآخر: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل.
وَقَوله: ﴿تظاهرا﴾ أَي: تعاونا، وَهَذَا فِي الساحرين حَقِيقَة، وَفِي السحرين على طَرِيق التَّوَسُّع، وَقَوله: ﴿قَالُوا إِنَّا بِكُل كافرون﴾ أَي: جاحدون.
وَقَوله: ﴿أتبعه﴾ يَعْنِي: اتبع (الْكتاب) الَّذِي جئْتُمْ بِهِ من عِنْد الله.
وَقَوله: ﴿إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ مَعْنَاهُ: أَن الْحق مَعكُمْ.
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم شحا مُطَاعًا، وَهوى مُتبعا، وَإِعْجَاب كل ذِي رَأْي بِرَأْيهِ ".
وَقَوله: ﴿وَمن أضلّ مِمَّن اتبع هَوَاهُ بِغَيْر هدى من الله﴾ أَي: بِغَيْر بَيَان من الله، وَفِي الْآيَة دلَالَة على أَنه يجوز أَن يكون الْهوى مُوَافقا للحق، وَإِن كَانَ نَادرا. وَرُوِيَ أَن بعض الْمَشَايِخ سُئِلَ عَن هوى وَافق حَقًا، فَقَالَ: هُوَ الزّبد بالنرسيان، والنرسيان نوع من التَّمْر بِالْبَصْرَةِ أَجود مَا يكون.
وَقَوله: ﴿إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين﴾ أَي: الْمُشْركين، وَفِي الْآيَة دَلِيل على أَن النَّبِي طلب مِنْهُم أَن يَأْتُوا بِكِتَاب مثل كِتَابه، وتحداهم بذلك مرَارًا، وَلم يَأْتُوا بِهِ، وَلَو قدرُوا لأتوا بِهِ، وَلَو ببذل النُّفُوس وَالْأَمْوَال، وَلَو أَتَوا بِهِ لعرف ذَلِك، وسارت بِهِ الركْبَان.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿لَعَلَّهُم يتذكرون﴾ أَي: [يتعظون].
وَعَن [ابْن] عَبَّاس قَالَ: نزلت الْآيَة فِي ثَمَانِينَ من أهل الْكتاب، وَأَرْبَعُونَ من نَجْرَان، وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ من الْحَبَشَة، وَثَمَانِية من الشَّام.
وَقَالَ بَعضهم: نزلت الْآيَة فِي قوم كَانُوا يطْلبُونَ الدّين قبل لنَبِيّ، فَلَمَّا بعث آمنُوا بِهِ، وَقَالُوا: كَانَ فيهم عبد الله بن سَلام، وسلمان، والجارود الْعَبدَرِي وَغَيرهم.
وَقَوله: ﴿هم بِهِ يُؤمنُونَ﴾ بِالْكتاب، وَقيل: بِمُحَمد.
وَقد ثَبت بِرِوَايَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: ((ثَلَاثَة يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ: رجل آمن بِالْكتاب الأول، وَالثَّانِي عبد أدّى حق الله وَحقّ موَالِيه، وَرجل لَهُ جَارِيَة فأدبها وَأحسن تأديبها، ، وَعلمهَا وَأحسن تعليمها، ثمَّ أعْتقهَا وَتَزَوجهَا ".
وَفِي التَّفْسِير: أَن أهل الْكتاب الَّذين آمنُوا فاخروا أَصْحَاب النَّبِي بِهَذِهِ الْآيَة، وَقَالُوا: إِن الله تَعَالَى يُؤْتِي أجرنا مرَّتَيْنِ، ويؤتيكم الْأجر مرّة، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وآمنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته﴾ الْآيَة.
وَقَوله: ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ أَي: صَبَرُوا على الْحق، وَلم يزيغوا عَنهُ، وَقَوله: ﴿ويدرءون بِالْحَسَنَة السَّيئَة﴾ أَي: بقول لَا إِلَه إِلَّا الله الشّرك، وَيُقَال: بِالْمَعْرُوفِ الْمُنكر، وبالخير الشَّرّ، وَيُقَال: وبالحلم جهل الْجَاهِل.
وَقَوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ﴾ أَي: يُنْفقُونَ فِي طَاعَة الله.
وَرُوِيَ أَن الْقَوْم الَّذين آمنُوا من الْحَبَشَة لما قدمُوا الْمَدِينَة، وَجَاهدُوا، واستئذنوا من النَّبِي أَن يرجِعوا إِلَى الْحَبَشَة، ويحملوا أَمْوَالهم، فَأذن لَهُم، فَذَهَبُوا وحملوا الْأَمْوَال، وأنفقوا.
وَقَوله: ﴿وَقَالُوا لنا أَعمالنَا وَلكم أَعمالكُم﴾ أَي: لنا ديننَا، وَلكم دينكُمْ، وَقيل: لكم سفهكم، وَلنَا حلمنا.
وَقَوله: ﴿سَلام عَلَيْكُم﴾ لَيْسَ المُرَاد من السَّلَام هَاهُنَا هُوَ التَّحِيَّة، وَلَكِن هَذَا السَّلَام هُوَ سَلام المتاركة، وَيُقَال مَعْنَاهُ: سلمتم من معارضتنا لكم بِالْجَهْلِ والسفه.
وَعَن بعض السّلف أَنه كَانَ يسب فَيَقُول: سَلام سَلام، وَعَن بَعضهم: أَي قَالُوا قولا يسلمُونَ مِنْهُ.
وَقَوله: ﴿لَا نبتغي الْجَاهِلين﴾ أَي: لَا ندخل فِي جهل الْجَاهِلين.
وَعَن [سعيد بن أبي رَاشد] : أَن هِرقل بعث رَسُولا من تنوخ إِلَى رَسُول الله: فجَاء إِلَيْهِ وَهُوَ بتبوك يحمل كتاب هِرقل، فَقَالَ لَهُ النَّبِي: " يَا أَخا تنوخ، أسلم. فَقَالَ: إِنِّي رَسُول ملك جِئْت من عِنْده؛ فأكره أَن أرجع إِلَيْهِ بِخِلَاف مَا جِئْت، فَضَحِك النَّبِي، وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء﴾ ".
وَقَوله: ﴿وَهُوَ أعلم بالمهتدين﴾ وَهُوَ أعلم بِمن قدر لَهُ الْهِدَايَة.
وَقَوله: ﴿أَو لم نمكن لَهُم حرما أمنا﴾ أَي: ذَا أَمن، وَمن الْمَعْرُوف أَنه يَأْمَن فِيهِ الظباء من الذئاب، وَالْحمام من الحدأة.
وَقَوله: ﴿يجبي إِلَيْهِ ثَمَرَات كل شئ﴾ أَي: يجمع إِلَيْهِ ثَمَرَات كل شئ؛ يُقَال: جبيت المَاء فِي الْحَوْض أَي: جمعته.
وَقَوله: ﴿رزقا من لدنا﴾ أَي: رَزَقْنَاهُمْ رزقا من لدنا.
وَقَوله: ﴿وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ﴾ أَي: مَا أقوله حق. وَمعنى الْآيَة: أَنا مَعَ كفركم أمناكم فِي الْحرم، فَكيف نخوفكم إِذا أسلمتم؟.
وَقَالَ مُجَاهِد: وجد عِنْد الْمقَام كتاب فِيهِ: أَنا الله ذُو بكة، صغتها يَوْم خلقت الشَّمْس وَالْقَمَر، وحرمتها يَوْم خلقت السَّمَوَات وَالْأَرْض، حففتها بسبعة أَمْلَاك حنفَاء، يَأْتِيهَا رزقها من ثَلَاثَة سبل، مبارك لَهَا فِي اللَّحْم وَالْمَاء، أول من يحلهَا أَهلهَا.
وَقد بَينا من قبل، أَن الرجل كَانَ من أهل الْحرم يخرج فَلَا يتَعَرَّض لَهُ، وَيُقَال: هَؤُلَاءِ أهل الله.
وَقَوله: ﴿فَتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهمْ إِلَّا قَلِيلا﴾ أَي: خربنا أَكْثَرهَا. وَيُقَال: معنى الْقَلِيل هَاهُنَا أَن الْمُسَافِر ينزل مسكنا خرابا، فيمكث فِيهِ يَوْمًا أَو بعض يَوْم.
وَقَوله: ﴿وَكُنَّا نَحن الْوَارِثين﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿يَتْلُوا عَلَيْهِم آيَاتنَا﴾ مَعْلُوم الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿وَمَا كُنَّا مهلكي الْقرى إِلَّا وَأَهْلهَا ظَالِمُونَ﴾ أَي: لم نهلك أهل قَرْيَة إِلَّا بعد أَن أذنبوا.
وَقَوله: ﴿وَزينتهَا﴾ أَي: وزينة الدُّنْيَا.
وَقَوله: ﴿وَمَا عِنْد الله خير وَأبقى أَفلا يعْقلُونَ﴾ أَي: أَفلا ينظرُونَ، ليعقلوا أَن الْبَاقِي خير من الفاني.
وَقَوله: ﴿فَهُوَ لاقيه﴾ أَي: ملاقيه وصائر إِلَيْهِ، والوعد الْحسن هُوَ الْجنَّة.
وَقَوله: ﴿كمن متعناه مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ أَي: متعناه مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا، ثمَّ مرجعه إِلَى النَّار؛ فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿ثمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة من المحضرين﴾ أَي: من المحضرين النَّار.
وَقَوله: ﴿رَبنَا هَؤُلَاءِ الَّذين أغوينا﴾ أَي: دعوناهم إِلَى الغي.
وَقَوله: ﴿أغويناهم كَمَا غوينا﴾ أَي: أضللناهم كَمَا ضللنا.
وَقَوله: ﴿تبرأنا إِلَيْك مَا كَانُوا إيانا يعْبدُونَ﴾ يَعْنِي: أَنهم لم يعبدونا، وَلَكِن دعوناهم فَأَجَابُوا.
وَقَوله: ﴿فدعوهم فَلم يَسْتَجِيبُوا لَهُم﴾ أَي: لم يجيبوا لَهُم.
وَقَوله: ﴿وَرَأَوا الْعَذَاب لَو أَنهم كَانُوا يَهْتَدُونَ﴾ مَعْنَاهُ: لَو أَنهم كَانُوا يَهْتَدُونَ مَا رَأَوْا الْعَذَاب.
وَقَوله: ﴿فهم لَا يتساءلون﴾ قد بَينا أَن هَذَا فِي بعض المواطن، وَيُقَال: لَا يتساءلون سُؤال التواصل والعطف، وَيُقَال: لَا يسْأَل بَعضهم بَعْضًا أَي: لَا يحمل غَيره ذَنبه؛ لِأَنَّهُ لَا يجد.
قَوْله: ﴿مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة﴾ يَعْنِي: أَن الِاخْتِيَار إِلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُم اخْتِيَار على الله، وَقيل: إِن الْآيَة نزلت فِي ذَبَائِحهم للأصنام، وَكَانُوا يجْعَلُونَ الأسمن للأصنام، ويجعلون مَا هُوَ شَرّ لله.
وَقَوله: ﴿سُبْحَانَ الله وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ﴾ نزه نَفسه عَمَّا ينْسبهُ إِلَيْهِ الْمُشْركُونَ.
وَقَوله: ﴿وَله الحكم﴾ أَي: فصل الْقَضَاء بَين العبيد.
وَقَوله: ﴿وَإِلَيْهِ ترجعون﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿من إِلَه غير الله يأتيكم بضياء﴾ أَي: بنهار.
وَقَوله: ﴿أَفلا تَسْمَعُونَ﴾ أَي: أَفلا تعقلون، وَيُقَال: أَفلا تَسْمَعُونَ سمع تفهم.
وَقَوله: ﴿ولعلكم تشكرون﴾ أَي: تشكرون نعم الله.
وَقَوله: ﴿فَقُلْنَا هاتوا برهانكم﴾ أَي: حجتكم وبينتكم.
وَقَوله: ﴿فَعَلمُوا أَن الْحق لله﴾ أَي: عجزوا عَن إِظْهَار الْحجَّة، وَعَلمُوا أَن الْحق لله.
وَقَوله: ﴿وضل عَنْهُم مَا كَانُوا يفترون﴾ أَي: ضل عَنْهُم يَوْم الْقِيَامَة مَا كَانُوا يفترون فِي الدُّنْيَا، وَمعنى ضل: فَاتَ وَذهب.
وَقَوله: ﴿فبغى عَلَيْهِم﴾ قَالَ الضَّحَّاك: أَي: بالشرك. وَقَالَ شهر بن حَوْشَب: بغى عَلَيْهِم: زَاد فِي ثِيَابه شبْرًا على ثِيَاب النَّاس. وَقَالَ بَعضهم: بغى عَلَيْهِم بالتكبر
وَفِي الْقِصَّة: أَنه أعْطى امْرَأَة بغيا من بني إِسْرَائِيل ألفي دِرْهَم، وَطلب مِنْهَا أَن تَأتي نَادِي بني إِسْرَائِيل، ومُوسَى فيهم، فتدعي عَلَيْهِ أَنه زنا بهَا، وَمِنْهُم من قَالَ: تَدعِي عَلَيْهِ أَنه دَعَاهَا إِلَى نَفسه، فَجَاءَت وَادعت عَلَيْهِ ذَلِك. وروى أَنَّهَا خَافت، وأخبرت أَن قَارون أَعْطَاهَا مَالا لتدعي ذَلِك. وَفِي الرِّوَايَة الأولى: أَنَّهَا لما ادَّعَت على مُوسَى ذَلِك تغير مُوسَى تغيرا شَدِيدا، وَقَالَ لَهَا: بِالَّذِي أنزل التَّوْرَاة وفلق الْبَحْر اصدقي، فَحِينَئِذٍ خَافت، وَذكرت الْأَمر على وَجهه، فَدَعَا الله تَعَالَى مُوسَى على قَارون، فَسَلَّطَهُ الله تَعَالَى عَلَيْهِ، وَجعل الأَرْض طَوْعًا لَهُ على مَا سَنذكرُهُ.
وَقَوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوز مَا إِن مفاتحه﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: خزائنه، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَعِنْده مفاتح الْغَيْب﴾ أَي: خَزَائِن الْغَيْب، وَالثَّانِي: أَن المفاتح هُوَ مقاليد الخزائن. وَعَن بَعضهم: أَن كل مِفْتَاح كَانَ على قدر أصْبع، وَكَانَ يحملهَا سِتُّونَ بغلة، وَقيل: أَرْبَعُونَ بغلة، وَيُقَال: أَرْبَعُونَ رجلا، وَقَوله ﴿لتنوء﴾ أَي: تثقل الْعصبَة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هَذَا من المقلوب، وَتَقْدِيره: مَا إِن الْعصبَة لتنوء بهَا. يُقَال: ناء فلَان بِكَذَا أَي: نَهَضَ بِهِ مُثقلًا، وَيُقَال مَعْنَاهُ: لتنوء بالعصبة.
وَأما الْعصبَة فَفِيهَا أقاويل: أَحدهَا: أَنهم سَبْعُونَ رجلا، وَالْآخر: أَرْبَعُونَ رجلا، وَقَالَ بَعضهم: من الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين، وَقَالَ بَعضهم: سِتَّة أَو سَبْعَة، وَقَالَ بَعضهم: عشرَة؛ لِأَن إخْوَة يُوسُف قَالُوا: وَنحن عصبَة، وَقد كَانُوا عشرَة. والعصبة فِي اللُّغَة هم الْقَوْم الَّذين يتعصب بَعضهم بِبَعْض.
وَقَوله: ﴿بالعصبة أولى الْقُوَّة﴾ أَي: أولى الشدَّة.
وَقَوله: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قومه لَا تفرح﴾ أَي: لَا تبطر وَلَا تأشر، والفرح هَاهُنَا هُوَ السرُور بِغَيْر حق.
وَقَوله: ﴿إِن الله لَا يحب الفرحين﴾ ظَاهر.
وَقَوله: ﴿وَلَا تنس نصيبك من الدُّنْيَا﴾ أَي: طلب الْآخِرَة بِالَّذِي تعْمل فِي الدُّنْيَا، وَمَعْنَاهُ: اعْمَلْ فِي الدُّنْيَا لآخرتك، وَقَالَ بَعضهم: وَلَا تنس نصيبك من الدُّنْيَا أَي: بالاستغناء بِمَا أحل الله عَمَّا حرم الله. وَفِي بعض أدعية الصَّالِحين: اللَّهُمَّ أغنني بحلالك عَن حرامك، وبفضلك عَمَّن سواك.
وَقَوله: ﴿وَأحسن كَمَا أحسن الله إِلَيْك﴾ أَي: وَأحسن بِطَاعَة الله كَمَا أحسن الله إِلَيْك بنعمه، وَيُقَال: وَأحسن بِطَلَب الْحَلَال كَمَا أحسن الله إِلَيْك بالحلال.
وَقَوله: ﴿وَلَا تَبْغِ الْفساد فِي الأَرْض﴾ أَي: بالمعصية، وكل من عصى الله فقد طلب الْفساد فِي الأَرْض.
وَقَوله: ﴿إِن الله لَا يحب المفسدين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَفِي تَفْسِير النقاش: أَن مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - علم يُوشَع بن نون ثلث الكيمياء، وَعلم قَارون ثلث الكيمياء؛ وَعلم هَارُون ثلث الكيمياء؛ فَكثر بذلك مَاله. وَالْقَوْل الثَّالِث: على علم عِنْدِي بِوُجُوه المكاسب والتصرفات.
وَعَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَن قَارون وجد كنزا ليوسف، فَكَانَ مَاله من هَذَا الْوَجْه.
وَقَوله: ﴿أَو لم يعلم أَن الله قد أهلك من قبله من الْقُرُون من هُوَ أَشد مِنْهُ قُوَّة وَأكْثر جمعا﴾ أَي: لِلْمَالِ.
وَقَوله: ﴿وَلَا يسْأَل عَن ذنوبهم المجرمون﴾ أَي: يَوْم الْقِيَامَة، فَإِن قَالَ قَائِل: قد قَالَ تَعَالَى: ﴿فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ﴾ وأمثال هَذَا من الْآيَات، وَهَاهُنَا قَالَ: (وَلَا يسْأَل عَن ذنوبهم المجرمون) فَكيف وَجه التَّوْفِيق بَين الْآيَتَيْنِ؟ وَالْجَوَاب إِنَّا بَينا أَن فِي الْقِيَامَة مَوَاقِف؛ فَفِي موقف يسْأَلُون، وَفِي موقف لَا يسْأَلُون، وَيُقَال: لَا يسْأَلُون سُؤال استعلام، وَإِنَّمَا يسْأَلُون سُؤال تقريع وتوبيخ، وَيُقَال: لَا يسْأَلُون سُؤال من لَهُ عذر فِي الْجَواب، وَإِنَّمَا يسْأَلُون على معنى إِظْهَار قبائحهم ليفتضحوا على رُءُوس الْجمع.
وَعَن قَتَادَة قَالَ: الْكَافِر لَا يُحَاسب، بل يُؤمر بِهِ إِلَى النَّار من غير حِسَاب وَلَا سُؤال. وَقَالَ بَعضهم: وَلَا يسْأَل عَن ذنوبهم المجرمون؛ لأَنهم يعْرفُونَ بِسِيمَاهُمْ، قَالَ الله تَعَالَى، ﴿يعرف المجرمون بِسِيمَاهُمْ﴾.
وَعَن بَعضهم قَالَ: خرج مَعَ سبعين ألفا، عَلَيْهِم المعصفرات.
وَفِي بعض المسانيد عَن النَّبِي قَالَ: " أَرْبَعَة أَشْيَاء من خِصَال قوم قَارون: جو نعال السيوف، وَلبس الْخفاف المتلونة، وَالثيَاب الأرجوان، وَكَانَ أحدهم لَا ينظر إِلَى وَجه خادمه تكبرا "
وَعَن عَطاء قَالَ: كَانَ مُوسَى يقص لبني إِسْرَائِيل ويعظهم، فَخرج قَارون وَمَعَهُ أَرْبَعَة آلَاف على البغال فِي الأرجوانات، وَمر على مُوسَى، فَالْتَفت بَنو إِسْرَائِيل إِلَيْهِ، وشغلوا عَن مُوسَى، فشق ذَلِك على مُوسَى، فَأرْسل إِلَيْهِ: لم فعلت ذَلِك؟ فَقَالَ: فضلت بِالنُّبُوَّةِ، وفضلت بِالْمَالِ، وَإِن شِئْت دَعَوْت ودعوت. ثمَّ إِن مُوسَى دَعَا الله تَعَالَى على قَارون، فَجعل الأَرْض فِي طَاعَته.
وَقَوله: ﴿قَالَ الَّذين يُرِيدُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا يَا لَيْت لنا مثل مَا أُوتِيَ قَارون إِنَّه لذُو حَظّ عَظِيم﴾ أَي: نصيب عَظِيم من الدُّنْيَا.
وَيُقَال: الصَّابِرُونَ هم الَّذين صَبَرُوا عَمَّا أُوتِيَ أَعدَاء الله من زِينَة، وَلم يتأسفوا عَلَيْهَا، وَلَا تمنوها.
وروى أَنه لما وَاضع الْمَرْأَة الْبَغي حَتَّى ادَّعَت على مُوسَى أَنه زنا بهَا، أَو دَعَاهَا إِلَى الْفَاحِشَة، غضب مُوسَى ودعا الله تَعَالَى. وَفِي بعض الْقَصَص: أَنه كَانَ مَعَ قَارون قوم كثير من بني لاوى، فجَاء مُوسَى إِلَيْهِم، وَقَالَ: إِن الله بَعَثَنِي إِلَى قَارون كَمَا بَعَثَنِي إِلَى فِرْعَوْن، فَمن أرادني فليعتزله، فاعتزل مِنْهُ جَمِيع قومه إِلَّا [رجلَيْنِ] بقيا مَعَه من بني أَعْمَامه، ثمَّ إِن مُوسَى خَاطب الأَرْض، وَقَالَ: خُذِيهِمْ، فَأخذت الأَرْض بأقدامهم، ثمَّ قَالَ: خُذِيهِمْ، فَأخذت إِلَى ركبهمْ، ثمَّ قَالَ: خُذِيهِمْ: فَأخذت إِلَى حقوهم، ثمَّ قَالَ: خُذِيهِمْ، فَأخذت إِلَى أَعْنَاقهم.
وَفِي التَّفْسِير: أَن قَارون فِي كل ذَلِك يستغيث بمُوسَى وينشده وَالرحم، وَيَقُول: ارْحَمْنِي، ثمَّ قَالَ: خُذِيهِمْ، فأطبقت الأَرْض عَلَيْهِم.
قَالَ قَتَادَة: فهم يذهبون فِي الأَرْض كل يَوْم قامة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَعَن ابْن عَبَّاس أَن الله تَعَالَى قَالَ لمُوسَى: مَا أقسى قَلْبك؛ اسْتَغَاثَ بك عَبدِي، فَلم تغثه، وَلَو اسْتَغَاثَ بِي مرّة لأغثته.
وَفِي بعض الْآثَار: لَا أجعَل الأَرْض بعْدك طَوْعًا لأحد.
وَذكر أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس فِي تَفْسِيره: أَن الأَرْض لما أخذت قَارون إِلَى عُنُقه نزع مُوسَى نَعْلَيْه، وَضرب بهما وَجهه، وَقَالَ: اذْهَبُوا بني لاوى، وأطبقت بهم الأَرْض.
وَذكر أَيْضا أَن يُونُس بن مَتى لقِيه فِي ظلمات الأَرْض حِين يطوف بِهِ الْحُوت، فَقَالَ لَهُ قَارون: يَا يُونُس، تب إِلَى الله تَجِد الله تَعَالَى فِي أول قدم ترجع إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ يُونُس: فَأَنت لم لَا تتوب؟ فَقَالَ: جعلت تَوْبَتِي إِلَى ابْن عمي.
وَقَوله: ﴿وَبِدَارِهِ الأَرْض﴾ روى أَن بني إِسْرَائِيل قَالُوا: إِنَّمَا أهلك مُوسَى قَارون ليَأْخُذ أَمْوَاله، وَكَانَت أَرَاضِي دوره من فضَّة، وأثاث الْحِيطَان من ذهب، فَأمر مُوسَى الأَرْض حَتَّى أحضرت دوره، ثمَّ أمرهَا حَتَّى خسفت بهَا، فَانْقَطع الْكَلَام.
وَقَوله: ﴿فَمَا كَانَ لَهُ من فِئَة﴾ أَي: من جمَاعَة ﴿ينصرونه﴾ أَي: يمنعونه ﴿من دون الله﴾.
وَقَوله: ﴿وَمَا كَانَ من المنتصرين﴾ أَي: من الممتنعين، وَمَعْنَاهُ: لم يكن يمْنَع نَفسه، وَلَا يمنعهُ أحد من عَذَاب الله.
وَقَوله: ﴿يَقُولُونَ ويكأن الله﴾ وَقَوله: ﴿ويكأن﴾ فِيهِ أَقْوَال: قَالَ الْفراء: ويكأن عِنْد الْعَرَب تَقْرِير، وَمَعْنَاهُ: ألم تَرَ أَنه؛ وَحكى الْفراء أَن أعرابية قَالَت لزَوجهَا: أَيْن ابْنك؟ فَقَالَ لَهَا: ويكأنه وَرَاء الْبَيْت، وَمَعْنَاهُ: أما ترينه وَرَاء الْبَيْت.
وَقَالَ بَعضهم ويكأنه: معنى " ويك " أَي: وَيلك، وحذفت اللَّام، وَقَوله: ﴿أَنه﴾ كلمة تندم، كَأَن الْقَوْم لما رَأَوْا تِلْكَ الْحَالة تندموا على مَا تمنوا، ثمَّ قَالُوا: كَانَ الله يبسط الرزق لمن يَشَاء أَي: أَن الله يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر أَي: يُوسع ويضيق. وأنشدوا فِيمَا قُلْنَا من الْمعَانِي:
(سالتان الطَّلَاق أَن رأتاني | قل مَالِي قد جئتماني بنكر) |
(وَلَقَد شفى نَفسِي وَأَبْرَأ سقمها | قَول الفوارس ويك عنتر أقدم) |
وَقَوله: ﴿لَوْلَا أَن من الله علينا لخسف بِنَا﴾ أَي: لَوْلَا أَن أنعم الله علينا لخسف بِنَا مثل مَا خسف بقارون.
وَقَوله: ﴿ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ﴾ قد بَينا.
وَقيل: ﴿لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض﴾ مَعْنَاهُ: لَا يجزعون من ذلها، وَلَا ينافسون فِي عزها.
وَقَوله: ﴿وَلَا فَسَادًا﴾ أَي: الْعَمَل بِالْمَعَاصِي، وَقَالَ عِكْرِمَة: هُوَ أَخذ مَال النَّاس بِغَيْر حق.
وَقَوله: ﴿وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين﴾ أَي: الْجنَّة لِلْمُتقين، وَقيل: الْعَاقِبَة الْحَسَنَة لِلْمُتقين، وروى زَاذَان عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يمشي ويدور فِي الْأَسْوَاق، يعين الضَّعِيف، وينصر الْمَظْلُوم، ويمر بالبقال والبياع فَيفتح عَلَيْهِ الْقُرْآن، وَيقْرَأ: ﴿تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض..﴾ الْآيَة.
وَعنهُ أَيْضا أَنه قَالَ: من أعجبه شسع نَعله على شسع أَخِيه، فَهُوَ مِمَّن يُرِيد الْعُلُوّ فِي
﴿وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى الَّذين عمِلُوا السَّيِّئَات﴾ أَي: الْمعاصِي ﴿إِلَّا مَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ وَعَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر أَنه قَالَ: مَا أحسن الْحَسَنَات عقيب السَّيِّئَات، وَمَا أقبح السَّيِّئَات عقيب الْحَسَنَات، وَأحسن الْحَسَنَات الْحَسَنَات عقيب الْحَسَنَات، وأقبح السَّيِّئَات السَّيِّئَات عقيب السَّيِّئَات).
وَمن الْمَعْرُوف عَن النَّبِي أَنه أوصى معَاذًا - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: " اتَّقِ الله حَيْثُمَا كنت، وأتبع السَّيئَة الْحَسَنَة تمحها، وخالق النَّاس بِخلق حسن ".
وَقَوله: ﴿لرادك إِلَى معاد﴾ الْأَكْثَرُونَ على أَن المُرَاد مِنْهُ: إِلَى مَكَّة، وَقَالُوا: هَذِه الْآيَة نزلت على رَسُول الله وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ، والجحفة منزل من الْمنَازل بَين مَكَّة وَالْمَدينَة.
فالآية لَيست بمكية وَلَا مَدَنِيَّة، وَفِي بعض التفاسير: " أَن النَّبِي لما هَاجر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة سَار فِي غير الطَّرِيق خوفًا من الطّلب، ثمَّ إِنَّه لما أَمن عَاد إِلَى الطَّرِيق، فوصل إِلَى الْجحْفَة، وَرَأى الطَّرِيق الشَّارِع إِلَى مَكَّة فاشتاق إِلَيْهَا، فجَاء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: إِن رَبك يَقُول: وتشتاق إِلَى مَكَّة وتحن إِلَيْهَا؟ فال: نعم، إِنَّهَا أرضي ومولدي، فَقَالَ: إِن رَبك يَقُول: ﴿إِن الَّذِي فرض عَلَيْكُم الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد﴾ يَعْنِي: رادك إِلَى مَكَّة ظَاهرا على أَهلهَا ".
وَفِي الْآيَة قَول آخر، وَهُوَ أَن معنى قَوْله: ﴿لرادك إِلَى معاد﴾ أَي: إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَيُقَال: إِلَى الْجنَّة.
وروى عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - كَانَ يمدح جَابر بن عبد الله ويذكره بِالْخَيرِ، فَسئلَ عَن ذَلِك، فَقَالَ: إِنَّه يحْشر معي. قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد﴾
وَقَوله: ﴿قل رَبِّي أعلم من جَاءَ بِالْهدى﴾ يَعْنِي: يعلم من جَاءَ بِالْهدى، وَأَنا الَّذِي جِئْت بِالْهدى.
وَقَوله: ﴿وَمن هُوَ فِي ضلال مُبين﴾ أَي: وَيعلم من هُوَ فِي ضلال مُبين أَي: الْكفَّار.
وَقَوله: ﴿إِلَّا رَحْمَة من رَبك﴾ هَذَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، وَمَعْنَاهُ: لَكِن رَبك رَحِمك فأعطاك الْقُرْآن.
وَقَوله: ﴿فَلَا تكونن ظهيرا﴾ أَي: معينا ﴿للْكَافِرِينَ﴾.
وَقَوله: ﴿بعد إِذْ أنزلت إِلَيْك﴾ أَي: بعد إِذْ أنزلت إِلَيْك الْآيَات المبينة للسبيل.
وَقَوله: ﴿وادع إِلَى رَبك﴾ أَي: إِلَى دين رَبك.
وَقَوله: ﴿وَلَا تكونن من الْمُشْركين﴾ أَي: اثْبتْ على التَّوْحِيد.
وَقَوله: ﴿كل شئ هَالك إِلَّا وَجهه﴾ قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: إِلَّا مَا أُرِيد بِهِ وَجهه وَرضَاهُ من الْعَمَل.
وَيُقَال: ﴿إِلَّا وَجهه﴾ أَي: إِلَّا هُوَ.
وَعَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: كل مَا وصف الله بِهِ نَفسه فِي الْكتاب فتفسيره قِرَاءَته، لَا تَفْسِير لَهُ غَيره. وَقد ذكر الله تَعَالَى (الْوَجْه فِي أحد عشر موضعا من الْقُرْآن، قد بَينا أَنه صفة من صِفَات الله، يُؤمن بِهِ على مَا ذكره الله تَعَالَى).
وأنشدوا فِي الْوَجْه بِمَعْنى التَّوَجُّه وَطلب رِضَاهُ قَول الشَّاعِر:
(اسْتغْفر الله ذَنبا لست محصيه | رب الْعباد إِلَيْهِ الْوَجْه وَالْعَمَل) |
وَقَوله: ﴿وَله الحكم﴾ أَي: فصل الْقَضَاء.
وَحكمه أَن يبْعَث قوما إِلَى الْجنَّة، وقوما إِلَى النَّار، وَمن حكمه أَيْضا أَن يبيض وُجُوه قوم، ويسود وُجُوه قوم، ويثقل مَوَازِين قوم، ويخفف مَوَازِين قوم، وأمثال هَذَا، وَهَذَا فِي الْآخِرَة، وَأما فِي الدُّنْيَا فتنفيذ القضايا وَالْأَحْكَام على مَا علم وَأَرَادَ.
وَقَوله: ﴿وَإِلَيْهِ ترجعون﴾ يَعْنِي: فِي الْآخِرَة.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿الم (١) أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون (٢) وَلَقَد فتنا﴾تَفْسِير سُورَة العنكبوت
وَهِي مَكِّيَّة فِي قَول عَطاء وَالْحسن، ومدنية فِي أحد قولى ابْن عَبَّاس، وَعنهُ فِي رِوَايَة أُخْرَى أَنَّهَا مَكِّيَّة، فبعضها نزل بِالْمَدِينَةِ وَبَعضهَا نزل بِمَكَّة، وَعَن الشّعبِيّ أَنَّهَا مَكِّيَّة إِلَّا عشر آيَات من أَولهَا مَدَنِيَّة.
وَعَن عَليّ أَنه قَالَ: نزلت بَين مَكَّة وَالْمَدينَة. وَهَذِه رِوَايَة غَرِيبَة.
سورة القصص
سورة (القَصَص) من السُّوَر المكية التي جاءت ببيانِ إعجاز هذا الكتاب، وبيانِ صِدْقِ نبوة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ من خلال قَصِّ القِصَص التي علَّمها اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم، وذكَرتِ السورةُ قصةَ موسى عليه السلام مع فِرْعون، وخروجَه من (مِصْرَ) إلى (مَدْيَنَ)، والتقاءَه بابنتَيْ شُعَيبٍ عليه السلام، وما تَبِع ذلك من التفاصيل التي كان مقصودُها بيانَ صراعِ الحقِّ والباطل، وأن النُّصرةَ لهذا الدِّين، وكذلك بيَّنت السورةُ تواضع الأنبياء مع الله عز وجل، ورَدَّ الأمرِ والفضل كلِّه لله عز وجل.
ترتيبها المصحفي
28نوعها
مكيةألفاظها
1438ترتيب نزولها
49العد المدني الأول
88العد المدني الأخير
88العد البصري
88العد الكوفي
88العد الشامي
88* قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اْللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُۚ} [القصص: 56]:
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعَمِّه: «قُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ، أشهَدُ لك بها يومَ القيامةِ»، قال: لولا أن تُعيِّرَني قُرَيشٌ، يقولون: إنَّما حمَلَه على ذلك الجَزَعُ؛ لأقرَرْتُ بها عينَك؛ فأنزَلَ اللهُ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اْللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُۚ} [القصص: 56]». أخرجه مسلم (٢٥).
* سورة (القَصَص):
سُمِّيت سورةُ (القَصَص) بذلك؛ لوقوع لفظ (القَصَص) فيها في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيْهِ اْلْقَصَصَ} [القصص: 25].
اشتملت سورةُ (القَصَص) على الموضوعات الآتية:
1. طغيان فرعون، ووعد الله تعالى بإنقاذ المضطهدين، وعقوبة المفسدين (١-٦).
2. ميلاد موسى ونجاته من القتل (٧-١٣).
3. قتل القِبْطي خطأً، والخروج إلى (مَدْيَنَ) (١٤-٢١).
4. اللجوء إلى (مَدْيَنَ)، وزواج موسى عليه السلام (٢٢-٢٨).
5. بعثة موسى وهارون عليهما السلام، وتأييدهما (٢٩-٣٥).
6. بَدْء الدعوة، وتكذيب فرعون وجنوده، ونزول العقاب بهما (٣٦-٤٢).
7. إيتاء التوراة لموسى والقرآن لمُحمَّد عليهما السلام (٤٣-٥٠).
8. الإشارة إلى مؤمني أهلِ الكتاب، وتحذير كفار قريش من الرُّكون إلى الدنيا (٥١-٦١).
9. موقف المشركين يوم القيامة ودعوتهم للتوبة /توحيد الله تعالى (٦٢-٧٥).
10. قصة قارون وعاقبة البَغْي والتكبُّر (٧٦-٨٤).
11. بشارة النبيِّ بالعودة إلى مكَّةَ سالمًا (٨٥-٨٨).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /516).
مقصدُ سورة (القَصَص): هو بيانُ صراع الحقِّ والباطل، ونُصْرة الله لهذا الدِّين، وبيانُ تواضع الأنبياء لله عزَّ وجلَّ، ونتج عن هذا التواضعِ ردُّ الأمر كلِّه لله؛ كما تَجلَّى ذلك في قصة موسى عليه السلام مع المرأتين، ومردُّ ذلك إلى الإيمان بالآخرة، والإيمانِ بنبوَّة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، الثابتةِ بإعجاز القرآن، الذي أخبر بالغيب الذي لم يطَّلِعْ عليه أحد، وإنما هو من عند الله عزَّ وجلَّ، بما علَّمه اللهُ من القِصص الصادقة.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /338).