تفسير سورة الأحقاف

جهود الإمام الغزالي في التفسير

تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ

﴿ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ﴾( ١٤ )
٩٨٨- تقدير أقل الحمل بستة أشهر أخذا من قوله تعالى :﴿ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ﴾. وقد قال في موضع آخر :﴿ وفصاله في عامين ﴾١. ( المستصفى من علم الأصول : ٢/١٨٩ )
١ - لقمان: ١٤..
﴿ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ﴾( ١٩ ).
٩٨٩- فإنه بقدر ما تأخذ من لذات الدنيا ينقص لك من لذات الآخرة، ولهذا المعنى روي أن الله تعالى لما عرض الدنيا على نبينا صلى الله عليه وسلم قال له :( ولا أنقص لك من آخرتك شيئا )١ خصه بذلك، فدل على أن لغيره النقصان إلا أن يتفضل الله عليه بذلك. ( منهاج العابدين إلى جنة العالمين : ١٦٦-١٦٧ )
١ - قال الحافظ العراقي: أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا مرسلا، ورواه أحمد والطبراني متصلا من حديث أبي مويهبة في أثناء حديث فيه: [إني أعطيت خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة...]] وسنده صحيح ن المغني بهامش الإحياء: ٣/٢١٦. وفي مسند ابن حنبل ٣/٤٨٩ روى هذا الحديث عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ب لفظ: [إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، والجنة، وخيرت بين ذلك وببن لقاء ربي عز وجل والجنة]] قال: قلت: بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال: [[لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت ربي والجنة]]..
﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ﴾( ٣٤ )
٩٩٠- روى مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله ألا تستطعم لله فيطعمك ؟ قالت : وبكيت لما رأيت به من الجوع ؟ فقال : يا عائشة، والذي نفسي بيده لو سألت ربي أن يجري معي جبال الدنيا ذهبا لأجراها حيث شئت من الأرض، ولكن اخترت جوع الدنيا على شبعها وفقر الدنيا على غناها وحزن الدنيا على فرحها، يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، يا عائشة إن الله لم يرض لأولي العزم من الرسل إلا الصبر على مكروه الدنيا والصبر على محبوبها، ثم لم يرض إلا أن يكلفني ما كلفهم، فقال :﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ﴾ والله ما لي بد من طاعته وإني والله لأصبرن كما صبروا بجهدي ولا قوة إلا بالله )١. ( الإحياء : ٤/٢٣٥ )
١ - قال الحافظ العراقي: حديث مسروق عن عائشة رضي الله عنها أخرجه أبو منصور الديلمي في مسنده الفردوس من طريق أبي عبد الرحمن السلمي من رواية عباد بن عباد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق مختصرا: [يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا الصبر على مكروهما والصبر على محبوبها ثم لم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم، فقال: ﴿فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل﴾ ومجالد مختلف في الاحتجاج به. ن. المغني بهامش الإحياء: ٤/٢٣٥..
سورة الأحقاف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأحقاف) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بدعوة هذا الكتابِ إلى التوحيد والإيمان بالله عز وجل: المتصِفِ بصفات الكمال، المستحِقِّ للعبودية، واشتملت على مقصدٍ عظيم؛ وهو: إنذارُ الكفار؛ بتذكيرهم بقصةِ (عادٍ)، وما أنزَل اللهُ بهم من عذاب في (الأحقاف)، وفي ذلك دلالةٌ وآية واضحة على قدرة الله على البعث وحساب الناس.

ترتيبها المصحفي
46
نوعها
مكية
ألفاظها
645
ترتيب نزولها
66
العد المدني الأول
34
العد المدني الأخير
34
العد البصري
34
العد الكوفي
35
العد الشامي
34

* قوله تعالى: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اْللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَاْسْتَكْبَرْتُمْۚ إِنَّ اْللَّهَ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [الأحقاف: 10]:

عن عوفِ بن مالكٍ الأشجَعيِّ رضي الله عنه، قال: «انطلَقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخَلْنا كنيسةَ اليهودِ يومَ عيدِهم، فكَرِهوا دخولَنا عليهم، فقال لهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ اليهودِ، أَرُوني اثنَيْ عشَرَ رجُلًا منكم، يَشهَدون أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ؛ يُحبِطِ اللهُ عن كلِّ يهوديٍّ تحتَ أديمِ السماءِ الغضَبَ الذي عليه»، قال: فأَسْكَتُوا ما أجابه منهم أحدٌ، ثم رَدَّ عليهم فلم يُجِبْهُ أحدٌ، ثم ثلَّثَ فلم يُجِبْهُ أحدٌ، فقال: «أبَيْتم؛ فواللهِ، إنِّي لأنا الحاشرُ، وأنا العاقبُ، وأنا النبيُّ المصطفى، آمَنْتم أو كذَّبْتم»، ثم انصرَفَ وأنا معه، حتى إذا كِدْنا أن نخرُجَ، نادى رجُلٌ مِن خَلْفِنا، فقال: كما أنتَ يا مُحمَّدُ، قال: فأقبَلَ، فقال ذلك الرجُلُ: أيَّ رجُلٍ تَعلَموني فيكم يا معشرَ اليهودِ؟ قالوا: واللهِ، ما نَعلَمُ أنَّه كان فينا رجُلٌ أعلَمَ بكتابِ اللهِ منك، ولا أفقَهَ منك، ولا مِن أبيك قَبْلَك، ولا مِن جَدِّكَ قَبْلَ أبيك، قال: فإنِّي أشهَدُ أنَّه نبيُّ اللهِ الذي تَجِدُونه في التَّوْراةِ، قالوا: كذَبْتَ، ثم رَدُّوا عليه وقالوا فيه شرًّا، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كذَبْتُم؛ لن يُقبَلَ قولُكم، أمَّا آنفًا فتُثْنُون عليه مِن الخيرِ ما أثنَيْتم، ولمَّا آمَنَ أكذَبْتموه، وقُلْتم فيه ما قُلْتم؛ فلن يُقبَلَ قولُكم»، قال: فخرَجْنا ونحن ثلاثةٌ: رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأنا، وعبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ، وأنزَلَ اللهُ عز وجل فيه: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اْللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَاْسْتَكْبَرْتُمْۚ إِنَّ اْللَّهَ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [الأحقاف: 10]». أخرجه أحمد (23984).

* قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرٗا مِّنَ اْلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ اْلْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف: 29]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «هبَطوا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يَقرأُ القرآنَ ببطنِ نَخْلةَ، فلمَّا سَمِعوه، قالوا: أنصِتوا، قال: صَهْ، وكانوا تسعةً، أحدُهم زَوْبعةُ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرٗا مِّنَ اْلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ اْلْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف: 29]». أخرجه ابن أبي شيبة؛ كما في "تفسير القرآن العظيم" (4 /176).

* سورة (الأحقاف):

سُمِّيت سورة (الأحقاف) بهذا الاسمِ؛ لذِكْرِ (الأحقاف) فيها؛ كما في قوله تعالى: {وَاْذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُۥ بِاْلْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ اْلنُّذُرُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦٓ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّا اْللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٖ} [الأحقاف: 21].
و(الأحقافُ): هي مَسكَنُ (عادٍ) الذين أهلكهم اللهُ.

1. القرآن حقٌّ من عند الله تعالى يدعو للتوحيد (١-١٤).

2. الفِطْرة في استقامتها وانحرافها (١٥-٢٠).

3. خسران المكذبين عِبْرةٌ لمن يعتبر (٢١-٢٨).

4. الرسول مُصدَّقٌ من عند الثَّقَلين (٢٩-٣٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /179).

مقصدُ هذه السورة هو إنذارُ الكافرين بعذابِ الله قومَ هُودٍ عليه السلام بـ(الأحقاف)، وفي ذلك دلالةٌ واضحة على صدقِ الوعد في قيام الساعة؛ فالله لا يُخلِف وعدَه، وفي هذا دعوةٌ لهم إلى توحيد الله، والاستجابةِ لأمره، وأخذِ العِبْرة من عذاب الله العزيز الحكيم لقومِ هُودٍ عليه السلام.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" (2 /481).