تفسير سورة الأحقاف

جهود القرافي في التفسير

تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب جهود القرافي في التفسير
لمؤلفه القرافي . المتوفي سنة 684 هـ

١١٢٠- قيل : معنى الحق : الشيء الذي حق، وحكمه وشأنه أن يكون موجودا من الحكم في هذه المخلوقات وأنواعها وتصرفها وما تضمنته من الآيات والدلالات والعجائب.
وقيل : الحق : التكليف، لتتأتى أسباب الاستدلال، فيقع التكليف بما يجب لله تعالى، ويستحيل عليه ويجوز ويناسبه.
و﴿ أجل مسمى ﴾ المراد به : القيامة، لأنه يوم الجزاء وثمرات التكليف، فخلقت هذه الموجودات للتكليف والجزاء لهذين السببين. ( الاستغناء : ٥١٣ )
١١٢١- في الموطإ : " قال عمر رضي الله عنه : الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا قامت عليه البينة، أو إذا كان الحبل أو الاعتراف، وهو قول منتشر في الصحابة من غير مخالف، فكان إجماعا. وفعله عمر بجارية، وعثمان بجارية ولدت لستة أشهر، فأمر بها أن ترجم، فقال علي رضي الله عنه : ليس ذلك عليها قال الله تعالى :﴿ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ﴾ وقال تعالى :﴿ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ﴾١ فأمر بها أن ترد٢، وهو قولهم رضي الله عنهم " ٣. ( الذخيرة : ١٢/٦٠ )
١ - سورة البقرة : ٢٣٣..
٢ - هذا الحكم مستنبط من دلالة الإشارة، يقول د. إدريس حمادي :"فالحكم التي دلت عليه الآية الأولى أن مدة الحمل والفصال عن الرضاع مجموعتين ثلاثون شهرا، وما دلت عليه الآية الثانية أن مدة الرضاع لوحدها أربعة وعشرون شهرا، وأن هذين الحكمين استلزما حكما آخر بطريق الإشارة، وهو أن مدة الحمل قد تكون لستة أشهر بإسقاط مدة الفصال من مدة الحمل والفصال". ن : الخطاب الأصولي وطرق استثماره : ٢٢٢-٢٢٣..
٣ - خرجه مالك في الموطإ، كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم، عن ابن عباس. كما خرجه الشيخان في صحيحهما. كتاب الحدود..
١١٢٢- ما زال السلف الصالح على الزهد في المباحات، ونبه على ذلك قوله تعالى :﴿ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ﴾ وغيره من النصوص. ( نفسه : ١٣/٢٤٦ )
١٠٢٣- رأى عمر رضي الله عنه جابر بن عبد الله، فقال له : ما هذا معك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين قرمنا١ إلى اللحم، فاشترت بدرهم لحما. فقال عمر رضي الله عنه :" أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا فاستمتعتم بها ". ( الذخيرة : ١٣/٣٣١ )
١ - القرم- بالتحريك- : شدة الشهوة إلى اللحم. ن : اللسان : ١٢/٤٧٣..
١١٢٤- يقتضي هذا العموم أنها تدمر كل موجود في حالة ما، وهي لم تدمر السماوات والأرض والجبال والكواكب والبحار والجن والملائكة وغير ذلك مما لا يحصى عدده، ولم تدمره في حالة ما البتة. ( العقد المنظوم : ١٩٨. وشرح التنقيح : ٢١٥ )
١١٢٥- هذا تخصيص١ محقق لما فيه من المناقضة للعموم، ومن شرط المخصص أن يكون مناقضا للعموم، ولا تناقض بين ثبوت الحكم في حالة ما وبين عدم ثبوته في حالة مخصوصة، بل الناقض عدم ثبوته في جميع الحالات. ( شرح التنقيح : ٢٠٨ )
١ - أورد القرافي في هذا المثال في قسم سماه : التخصيص بالحس، وهو مذهب جمهور الأصوليين. ن : المحصول : ١/٣/١١٥. الإحكام للآمدي : ١/٥٢٠. المستصفى : ٢/٢٧.
كما قال في "شرح التنقيح" : ويقرب من هذا الباب تخصيص يسمونه : التخصيص بالواقع. ص : ٢١٥.
ويبدو أن ليس هناك فرق كبير بين القسمين..

سورة الأحقاف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأحقاف) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بدعوة هذا الكتابِ إلى التوحيد والإيمان بالله عز وجل: المتصِفِ بصفات الكمال، المستحِقِّ للعبودية، واشتملت على مقصدٍ عظيم؛ وهو: إنذارُ الكفار؛ بتذكيرهم بقصةِ (عادٍ)، وما أنزَل اللهُ بهم من عذاب في (الأحقاف)، وفي ذلك دلالةٌ وآية واضحة على قدرة الله على البعث وحساب الناس.

ترتيبها المصحفي
46
نوعها
مكية
ألفاظها
645
ترتيب نزولها
66
العد المدني الأول
34
العد المدني الأخير
34
العد البصري
34
العد الكوفي
35
العد الشامي
34

* قوله تعالى: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اْللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَاْسْتَكْبَرْتُمْۚ إِنَّ اْللَّهَ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [الأحقاف: 10]:

عن عوفِ بن مالكٍ الأشجَعيِّ رضي الله عنه، قال: «انطلَقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخَلْنا كنيسةَ اليهودِ يومَ عيدِهم، فكَرِهوا دخولَنا عليهم، فقال لهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ اليهودِ، أَرُوني اثنَيْ عشَرَ رجُلًا منكم، يَشهَدون أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ؛ يُحبِطِ اللهُ عن كلِّ يهوديٍّ تحتَ أديمِ السماءِ الغضَبَ الذي عليه»، قال: فأَسْكَتُوا ما أجابه منهم أحدٌ، ثم رَدَّ عليهم فلم يُجِبْهُ أحدٌ، ثم ثلَّثَ فلم يُجِبْهُ أحدٌ، فقال: «أبَيْتم؛ فواللهِ، إنِّي لأنا الحاشرُ، وأنا العاقبُ، وأنا النبيُّ المصطفى، آمَنْتم أو كذَّبْتم»، ثم انصرَفَ وأنا معه، حتى إذا كِدْنا أن نخرُجَ، نادى رجُلٌ مِن خَلْفِنا، فقال: كما أنتَ يا مُحمَّدُ، قال: فأقبَلَ، فقال ذلك الرجُلُ: أيَّ رجُلٍ تَعلَموني فيكم يا معشرَ اليهودِ؟ قالوا: واللهِ، ما نَعلَمُ أنَّه كان فينا رجُلٌ أعلَمَ بكتابِ اللهِ منك، ولا أفقَهَ منك، ولا مِن أبيك قَبْلَك، ولا مِن جَدِّكَ قَبْلَ أبيك، قال: فإنِّي أشهَدُ أنَّه نبيُّ اللهِ الذي تَجِدُونه في التَّوْراةِ، قالوا: كذَبْتَ، ثم رَدُّوا عليه وقالوا فيه شرًّا، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كذَبْتُم؛ لن يُقبَلَ قولُكم، أمَّا آنفًا فتُثْنُون عليه مِن الخيرِ ما أثنَيْتم، ولمَّا آمَنَ أكذَبْتموه، وقُلْتم فيه ما قُلْتم؛ فلن يُقبَلَ قولُكم»، قال: فخرَجْنا ونحن ثلاثةٌ: رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأنا، وعبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ، وأنزَلَ اللهُ عز وجل فيه: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اْللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَاْسْتَكْبَرْتُمْۚ إِنَّ اْللَّهَ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [الأحقاف: 10]». أخرجه أحمد (23984).

* قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرٗا مِّنَ اْلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ اْلْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف: 29]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «هبَطوا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يَقرأُ القرآنَ ببطنِ نَخْلةَ، فلمَّا سَمِعوه، قالوا: أنصِتوا، قال: صَهْ، وكانوا تسعةً، أحدُهم زَوْبعةُ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرٗا مِّنَ اْلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ اْلْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف: 29]». أخرجه ابن أبي شيبة؛ كما في "تفسير القرآن العظيم" (4 /176).

* سورة (الأحقاف):

سُمِّيت سورة (الأحقاف) بهذا الاسمِ؛ لذِكْرِ (الأحقاف) فيها؛ كما في قوله تعالى: {وَاْذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُۥ بِاْلْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ اْلنُّذُرُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦٓ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّا اْللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٖ} [الأحقاف: 21].
و(الأحقافُ): هي مَسكَنُ (عادٍ) الذين أهلكهم اللهُ.

1. القرآن حقٌّ من عند الله تعالى يدعو للتوحيد (١-١٤).

2. الفِطْرة في استقامتها وانحرافها (١٥-٢٠).

3. خسران المكذبين عِبْرةٌ لمن يعتبر (٢١-٢٨).

4. الرسول مُصدَّقٌ من عند الثَّقَلين (٢٩-٣٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /179).

مقصدُ هذه السورة هو إنذارُ الكافرين بعذابِ الله قومَ هُودٍ عليه السلام بـ(الأحقاف)، وفي ذلك دلالةٌ واضحة على صدقِ الوعد في قيام الساعة؛ فالله لا يُخلِف وعدَه، وفي هذا دعوةٌ لهم إلى توحيد الله، والاستجابةِ لأمره، وأخذِ العِبْرة من عذاب الله العزيز الحكيم لقومِ هُودٍ عليه السلام.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" (2 /481).